الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيًا: تبليغ رسالة الإسلام والدعوة إلى الله:
من مقاصد هذا الدين في كل زمان ومكان دعوة الخلق إلى دين الحق، كما قال تعالى:{وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ} [الحج: 67]. وقال سبحانه: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125].
وقال سبحانه: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 14].
والدعوة إلى الله هي الدعوة إلى الإيمان به، وبما جاءت به رسله، بتصديقهم فيما أخبروا به، وطاعتهم فيما أمروا به (1).
والمسلم الذي يقيم بين ظهراني غير المسلمين عليه أن يتحمل تبعة هذه الإقامة، وينهض بمسئولياتها، وإذا كانت تلك الديار قد مهَّدت سبيل الإقامة فيها والتحرك داخلها للدعاة؛ لم يعد هناك عذر للتقاعد عن هذا الواجب العظيم، وهو من أعظم أنواع الجهاد.
"ولما تعطل الجهاد بالسيف، ونشر كلمة التوحيد بالقوة وَجَبَ ألا يتعطل الجهاد باللسان، والتبليغ بالبيان والتعليم، وذلك لا يكون ولا يمكن إلا بالإقامة بينهم،. . . وهذا وحده كافٍ للمسلم في الترغيب في الإقامة في أوربا وأمريكا وغيرهما من بلاد الكفر، وهي أفضل له من الإقامة ببلاد المسلمين، كما قال الماوردي رحمه الله (2): وهذا معلوم في شريعتنا وديننا لا يحتاج إلى تقرير، بل ما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ليدعو إلى دين الله تعالى وطاعته، وأمر أمته بذلك أيضًا، وقد أخبر صلى الله عليه وسلم أن هذا الدين سيظهر ولا يبقى بيت حجر ولا مدر إلا دخله.
(1) مجموع الفتاوي، لابن تيمية، (15/ 157).
(2)
أبو الحسن، علي بن محمد بن حبيب، البصري، الماوردي، الشافعي، صاحب التصانيف، منها: الإقناع، والحاوي، والأحكام السلطانية، ولد سنة 370 هـ، وتوفي سنة 450 هـ، سير أعلام النبلاء، للذهبي، (18/ 64) وطبقات الشافعية الكبرى، لابن السبكي، (5/ 267).
وقد بدأ يظهر الآن مصداق هذا الحديث بسبب العمل الذي يقوم به المسلمون المقيمون في أوربا وأمريكا من الدعوة إلى دين الله تعالى، وتعريف الكفار بكلمة التوحيد الواجب على العبيد" (1).
والمؤمن حين يقيم داعيًا إلى الله تعالى يعلم أنه مأمور بذلك ومكلف به من الله؛ فليس له أن يتخلَّف عن هذا الواجب، وليس له أن يقرَّ باطلًا أو يقرن الإسلام بغيره، أو أن يحاول التوفيق بين الإسلام والمناهج الباطلة، وليذكر دائما قول الله تعالى:{أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ} [الشورى: 13].
"ويمكن توظيف هذا المقصد في حسم الخلاف في جواز إقامة مثل هذه الأقليات ببلاد الكفر، ومن ثم توظيفه في التماس الرخص والسهولة واللين لهذه الأقليات، ما دامت تضطلع بهذه المهمة النبيلة وتخدم هذا المقصد الشرعي"(2).
كما يتعين أن تتضمن دعوة الناس إلى الإسلام ترغيبًا يؤكد بمؤكدات عملية متعددة، منها:
1 -
إن الإسلام يقيم علاقاته بالناس على أساس من الدعوة والتبشير بالحق، وليست هذه خصوصية عداء لشرق أو غرب، ولا موالاة لشرق دون غرب، وإنما ذلك يرد إلى الإيمان بالله ورسله؛ فالمؤمنون على اختلاف أجناسهم وألوانهم ولغاتهم أولياء بعض.
2 -
الفتح الإسلامي لا يصح ولا يصلح إلا بعد أن تقام الدعوة على وجهها، ولن تنسى ذاكرة التاريخ ما وقع في فتح سمرقند حين دخل القائد البلد فتحًا بغير دعوة
(1) حكم الإقامة ببلاد الكفار، لعبد العزيز بن الصديق الغماري، يبطنجة في المغرب، ط 2، 1416 هـ - 1996 م، (ص 42 - 43).
(2)
التنظير والتأصيل لفقه الأقليات الإسلامية، أ. محمد المختار ولد امباله، مقال بمجلة الأحمدية، العدد السابع عشر، جمادى الأولى، 1425 هـ، (ص 69).
فاستعدى أهلُها عمرَ بن عبد العزيز، فأمر قاضيَهُ أن ينصفهم فحكم ببطلان الفتح، وأمر بإخراج الجيوش الفاتحة خارج سمرقند، حتى يُدْعَى أهلُها إلى الإسلام أولًا، وبالفعل خرجت الجيوش، وكان هذا سببًا في إسلام أهلها.
3 -
ومن المرغِّبات: موعدة الكافر بمغفرة ذنوبه إذا أسلم؛ لأن "الإسلام يهدم ما كان قبله"(1)، وعلى هذا فقد اتفق العلماء على قبول توبة الكافر.
4 -
ومنها أيضًا: إقراره على نكاحه إذا أسلم، من غير نظر في صحة عقوده السابقة، وإقراره على ما بيده من أموال وإن كان قد حصل عليها من طريق محرمة؛ لأن "الإسلام يهدم ما كان قبله".
5 -
إخباره بأن في الإسلام سهمًا مِن الزكاة للمؤلفة قلوبهم، وإن كانوا أغنياء.
6 -
إقراره على الدخول في الإسلام ولو على شرط فاسد يشترطه، "وقال الإمام أحمد: يصح الإسلام على الشرط الفاسد، ثم يُلْزَمُ بشرائع الإسلام كلها، ومما استدل به على ذلك حديث: حكيم بن حزام في المسند: "بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا أخِرَّ إلا قائمًا"(2)، قال أحمد: معناه أن يسجد من غير ركوع" (3)، ونحو هذا مما يرغب في الدخول في الإسلام ويمهد السبيل لذلك.
(1) أخرجه: مسلم، كتاب الإيمان، باب: كون الإسلام يهدم ما قبله وكذا الهجرة والحج، (121)، من حديث عمرو ابن العاص رضي الله عنه، في سياق حكاية قصة إسلامه وهو على فراش الموت.
(2)
أخرجه: النسائي، كتاب التطبيق، باب: كيف يخر للسجود، (1084)، وفي "سننه الكبرى"، تحقيق: د. عبد الغفار سليمان البنداري وسيد كسروي حسن، دار الكتب العلمية، بيروت، 1411 هـ / 1991 م، كتاب التطبيق، باب: كيف يخر للسجود، (671)، والإمام أحمد في "مسنده"(3/ 402)، وغيرهما. وصحح إسنادَه الشيخ الألبانيُّ في "صحيح سنن النسائي"، مكتبة المعارف، الرياض، ط 1، 1419 هـ / 1998 م، (1083).
(3)
جامع العلوم والحكم، في شرح خمسين حديثًا من جوامع الكلم، للحافظ أبي الفرج عبد الرحمن بن أحمد ابن عبد الرحمن الشهير بابن رجب الحنبلي، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، وإبراهيم باجس، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 3، 1412 هـ - 1991 م، (1/ 229)، بتصرف يسير.