الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع الثانى: تعريف النوازل لغةً واصطلاحًا:
النوازل لغةً:
جمع نازلة، ويقال في الجمع: نوازل ونازلات، وجذرها (ن ز ل) يدل على هبوط الشيء ووقوعه (1)، والنازلة: اسم فاعل من نزل ينزل إذا حل.
والنازلة: المصيبة والشدة من شدائد الدهر تنزل بالناس (2).
قال الشاعر:
وَلَرُبَّ نَازِلَةٍ يَضِيْقُ بِهَا الْفَتَى
…
ذَرْعًا وَعِنْدَ اللهِ مِنْهَا الْمَخْرَجُ (3)
وما ينزل بالناس من الحوداث والملمَّات ينقسم باعتبار شدَّتها إلى خمسة أقسام، فيقال:
1 -
نزلت بهم نازلة، ونائبة، وحادثة.
2 -
ثم آبدة، وداهية، وباقعة.
3 -
ثم بائقة، وحاطمة، وفاقرة.
4 -
ثم غاشية، وواقعة، وقارعة.
5 -
ثم حاقة، وطامة، وصاخة (4).
النوازل اصطلاحًا:
استعمل بعض الفقهاء مصطلح النازلة على معناها اللغوي المتقدم في مواضع من كتب
(1) معجم مقاييس اللغة، لابن فارس، (5/ 417).
(2)
المصباح المنير، للفيومي، (2/ 601)، تهذيب اللغة، لأبي منصور محمد بن أحمد الأزهري، تحقيق: عبد السلام هارون، الدار المصرية للتأليف والترجمة (13/ 211)، لسان العرب، لابن منظور (14/ 113) الكليات، لأيوب بن موسى الكفوي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 2، 1419 هـ - 1998 م، (ص 910).
(3)
القائل هو إبراهيم بن العباس الصولي، المتوفى سنة 243 هـ، الطرائف الأدبية، لعبد العزيز الميمني، لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، 1937 م، (ص 123).
(4)
فقه اللغة وأسرار العربية، لأبي منصور الثعالبي، ضبط ياسين الأيوبي، المكتبة العصرية، صيدا، بيروت، ط 2، 1420 هـ - 2000 م، (ص 343).
الفقه كقولهم: "يجوز القنوت في النوازل" أي: المصائب العامة، والشدائد المدلهمة؛ وعلى هذا تحمل ترجمة النووي رحمه الله (1) في شرحه على صحيح مسلم:"باب استحباب القنوت في جميع الصلوات إذا نزلت بالمسلمين نازلة والعياذ بالله"، ثم ذكر أنواعًا من المصائب:"كعدو وقحط ووباء وعطش، وضرر ظاهر بالمسلمين، ونحو ذلك"(2).
وكذا قول ابن تيمية رحمه الله (3): "فيكون القنوت مسنونًا عند النوازل"(4).
ونحو هذا قولهم: "فإن نزل بالمسلمين نازلة فللإمام أن يقنت"(5).
وأما على الاصطلاح الفقهي فقد عرفها ابن عابدين رحمه الله (6) بأنها: المسائل التي
(1) أبو زكريا، محيي الدين، يحيى بن شرف بن مري بن حسن بن حسين بن محمد النووي الشافعي، الفقيه الحافظ الزاهد أحد الأعلام، وشيخ الإسلام، له التصانيف الذائعة، والشهرة الواسعة، والقدم الراسخة في العلم والأمر والنهي، من مصنفاته المنهاج، وروضة الطالبين، وتهذيب الأسماء واللغات، ورياض الصالحين. ولد سنة 631 هـ، وتوفي سنة 676 هـ، طبقات الشافعية الكبرى، لابن السبكي، (8/ 395)، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة، (2/ 194).
(2)
المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج، لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط 2، 1392 هـ، (5/ 176).
(3)
أبو العباس، تقي الدين، أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله، ابن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي، شيخ الإسلام، الفقيه الأصولي المفسر المجتهد المطلق، من مؤلفاته: درء تعارض العقل والنقل، ومنهاج السنة النبوية، والصارم المسلول على شاتم الرسول، ولد سنة 661 هـ، وتوفي 728 هـ. البداية والنهاية، لأبي الفداء، إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي، دار هجر، ط 1، 1417 هـ - 1997 م، (18/ 295 - 302)، شذرات الذهب، لعبد الحي ابن أحمد بن محمد العكبري المشهور بابن العماد، تحقيق: محمود الأرناؤوط، دار ابن كثير، دمشق، ط 1، 1406 هـ - 1986 م، (8/ 142 - 150).
(4)
الفتاوي الكبرى، لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية، تحقيق: محمد عبد القادر عطا ومصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1408 هـ - 1987 م، (2/ 248).
(5)
المغني، لعبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي، تحقيق: د. عبد الله التركي، ود. عبد الفتاح محمد الحلو، دار عالم الكتب، الرياض، 1417 هـ - 1997 م، (2/ 586).
(6)
محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز بن عابدين الدمشقي، فقيه الديار الشامية وإمام الحنفية في عصره، الأصولي المفسر، الأديب، كثير المصنفات من أشهرها: رد المحتار على الدر المختار، ورفع الأنظار عما أورده الحلبي على الدر المختار، والعقود الدرية في تنقيح الفتاوي الحامدية، ونسمات الأسحار على شرح المنار، توفي سنة 1252 هـ. حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر، لعبد الرازق البيطار، دار صادر، بيروت، ط 2، 1413 هـ، (3/ 1230)، الأعلام، للزركلي، (6/ 42).
"سئل عنها المشايخ المجتهدون في المذهب ولم يجدوا فيها نصًّا، فأفتوا فيها تخريجًا"(1).
والنص المذكور في تعريف ابن عابدين المقصود به فتاوي أبي حنيفة وتلامذته الكبار كمحمد بن الحسن وأبي يوسف ونحوهما.
وقوله: "لم يجدوا فيها نصًّا"، لا يعني عدم وجوده، فقد تسمى النازلة في حق شخص لجهله بحكمها، ألا ترى أنهم يقولون مثلًا:"إذا نزلت بالعامي نازلة وهو في مكان لا يجد من يسأله عن حكمها، أنه يجب عليه أن يتقي الله ما استطاع، ويتحرى الحق بجهده ومعرفة مثله"(2)، وهذا ما سمي عاميًّا إلا لجهله بالنصوص الشرعية، ومسالك أهل العلم في استنباط الأحكام منها.
وتعريف ابن عابدين أشار إلى فحواه ومعناه من المتقدمين الإمام الشافعي رحمه الله حيث قال: "فليست تنزل بالمسلمين نازلة إلا في كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها"(3)، وكذلك الإمام ابن عبد البر رحمه الله (4) حين ترجم بابًا في كتابه "جامع بيان العلم وفضله" فقال:"باب اجتهاد الرأي على الأصول عند عدم النصوص في حين نزول النازلة"(5).
(1) رد المحتار على الدر المختار لشرح تنوير الأبصار، لمحمد أمين بن عمر بن عبد العزيز بن عابدين الدمشقي، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود، وعلي محمد عوض، دار عالم الكتب، الرياض، 1423 هـ - 2003 م، (1/ 142).
(2)
إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم، محمد بن أبي بكر الزرعي، تحقيق: طه عبد الرءوف سعد، دار الجيل، بيروت، 1973 م، (4/ 219).
(3)
الرسالة، للإمام محمد بن إدريس الشافعي، تحقيق: أحمد شاكر، دار الكتب العلمية، بيروت، (ص 20).
(4)
أبو عمر، ابن عبد البر، يوسف بن عبد الله بن محمد، الأندلسي، القرطبي، المالكي، الإمام الكبير، وحافظ المغرب، صاحب التصانيف الفائقة، منها: التمهيد، والاستذكار، والكافي، ولد سنة 368 هـ، وتوفي سنة 463 هـ. ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك، للقاضي عياض بن موسى بن عياض السبتي، تحقيق: مجموعة من الباحثين، وزارة الأوقاف المغربية، ط 2، 1403 هـ، (8/ 127)، سير أعلام النبلاء، للذهبي، (18/ 153).
(5)
جامع بيان العلم وفضله، لأبي عمر يوسف بن عبد البر، تحقيق: حسن أبي الأشبال الزهيري، دار ابن الجوزي، الدمام، ط 1، 1414 هـ - 1994 م، (2/ 844).
ويبدو أن الفقهاء أطلقوا هذه التسمية على هذه المسائل لشدة ما يعانون في سبيل التعرف على أحكامها، ومما يشعر بذلك قول النووي رحمه الله:"وفيه اجتهاد الأئمة في النوازل وردها إلى الأصول"(1)، وقول ابن القيم رحمه الله (2)؛ "فصل: وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهدون في النوازل" (3).
وتعريف ابن عابدين السابق يعتبر ملائمًا لحقيقة النازلة، وابن عابدين من متأخري الحنفية، ت:(1252 هـ) ويبدو أن من جاء بعده استفاد من تعريفه للنوازل بوجهٍ ما.
فالنازلة على وجه العموم هي: "الحادثة التي تحتاج لحكم شرعي"(4).
والدكتور حسن الفيلالي يعرفها بأنها: "الواقعة والحادثة التي تنزل بالشخص سواء في مجال العبادات أو المعاملات أو السلوك والأخلاق، حيث يلجأ هذا الشخص إلى من يفتيه بحكم الشرع في نازلته"(5).
وقال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله: "يراد بالنوازل: الوقائع والمسائل المستجدة والحادثة، المشهورة بلسان العصر باسم: النظريات والظواهر"(6).
(1) شرح النووي على صحيح مسلم، (1/ 213).
(2)
أبو عبد الله، شمس الدين، محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن حريز الزرعي الدمشقي، ابن قيم الجوزية الحنبلي، لازَمَ ابنَ تيمية وأخذ عنه الكثير، وله مؤلفات قيمة، منها: إعلام الموقعين، وزاد المعاد، وإغاثة اللهفان، ولد سنة 691 هـ، وتوفي سنة 751 هـ. الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، لأبي الفضل شهاب الدين، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، دار الجيل، بيروت (3/ 400)، البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع، للقاضي علي بن محمد بن علي الشوكاني، مطبعة دار السعادة، ط 1، 1348 هـ، (2/ 143).
(3)
إعلام الموقعين، لابن القيم، (1/ 203).
(4)
معجم لغة الفقهاء، د. محمد رواس قلعه جي، د. حامد صادق قنيبي، دار النفائس، الأردن، ط 1، 1405 هـ - 1985 م، (ص 471).
(5)
فقه النوازل وقيمته التشريعية والفكرية، د. حسن الفيلالي، بحث مقدم لشعبة الدراسات الإسلامية في كلية الآداب والعلوم الإنسانية جامع سيدي محمد بن عبد الله، فاس، 1404 هـ، وبحثه في ملتقى القيروان مركز علمي مالكي بين المشرق والمغرب حتى نهاية القرن الخامس للهجرة، عام 1414 هـ، (ص 230)، المدخل إلى فقه النوازل، د. عبد الناصر أبو البصل، مجلة أبحاث اليرموك، المجلد 1، سنة (1997 م).
(6)
فقه النوازل، د. بكر بن عبد الله أبو زيد، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 1، 1423 هـ، (1/ 9).
ويقول الدكتور وهبة الزحيلي: "والنوازل أو الواقعات أو العمليات هي المسائل أو المستجدات الطارئة على المجتمع؛ بسبب توسُّع الأعمال، وتَعَقُّد المعاملات، والتي لا يوجد نص تشريعي مباشر أو اجتهاد فقهي سابق سيطبق عليها"(1).
وقد ذهب الدكتور مسفر القحطاني إلى أن الأقدمين لم يحرروا مصطلح النوازل بشكل دقيق، وردَّ السبب في هذا إلى أمور، منها: أن هذا المصطلح لم ينتشر ويتداول إلا في القرون المتأخرة، وليس عند جميع الفقهاء، وأن مرادفات هذا المصطلح لا تقل عنه في التداول والشيوع، علاوة على أن الكاتبين في النوازل كان جل اهتمامهم مصروفًا إلى الجوانب العملية التطبيقية التي تعالج الوقائع النازلة بالناس، ولم يهتموا بالجوانب النظرية التي تعنى ببيان التعريفات والحدود.
ثم ساق تعريفًا للنوازل فقال: "الوقائع الجديدة التي لم يَسبق فيها نص أو اجتهاد"(2).
والذي يظهر لي أن ما اختاره ابن عابدين تعريفًا للنوازل فوق أنه أسبق فهو أدق وأضبط.
وقد لاحظ د. محمد الجيزاني في النوازل أمورًا ثلاثة، هي: وقوعها وعدم افتراضها، وجِدَّتها وعدم تكررها، وشدة إلحاحها في طلب حكم شرعي لها.
وبناء على ذلك فقد عرفها بقوله: "ما استدعى حكمًا شرعيًّا من الوقائع المستجدة"(3).
وسواء اخترنا تعريف ابن عابدين أو غيره من التعريفات المعاصرة، فإن النوازل المستجدة مسائل تتعلق بأفعال المكلفين، ولا يوجد في ذخيرتنا الفقهية نصٌّ في بيان حكمها، فهي مفتقرة إلى استفراغ الوسع وبذل غاية الجهد في استنباط حكمها وإدراك مأخذها.
(1) سبل الاستفادة من النوازل والفتاوي والعمل الفقهي، د. وهبة الزحيلي، دار المكتبي للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، ط 1، 1421 هـ - 2001 م، (ص 9).
(2)
منهج استنباط أحكام النوازل الفقهية المعاصرة، د. مسفر بن علي القحطاني، دار الأندلس الخضراء، جدة، ط 1، 1424 هـ - 2003 م، (ص 89 - 90).
(3)
فقه النوازل، د. محمد بن حسين الجيزاني، دار ابن الجوزي، ط 1، 1426 هـ - 2005 م، (1/ 24).