الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول
خصائص الشريعة الإسلامية
تَمهيد
للشريعة المطهرة خصائص مباركة، وسمات جليلة، حققت خلودها، وبرهنت صلاحيتها، وردت على خصومها في كل عصر ومصر، وقبل بيان خصائص الشريعة تفصيلًا تجدر الإشارة ويحسن التمهيد بتعريفها لغةً واصطلاحًا بشكل إجمالي.
الشريعة لغةً:
الشريعة اسم مصدر، وتطلق على مورد الشاربة، والطريق إليها يسمى "الشرع" وهو مصدر، ثم جعل اسمًا للطريق على النهج الواضح، ثم استعير ذلك للطريقة الإلهية من الدين.
ومعنى شرَع، أي: سنَّ، وأوضح وبيَّن المسالك، وهذا فيه معنى الابتداء، فمن ابتدأ في سَنِّ أمرٍ وأوضحه وبيَّنه وجعله منهاجًا؛ فقد شرعه (1).
الشريعة اصطلاحًا:
استعمل العلماء مصطلح الشريعة باصطلاحات متعددة بحسب المقام، ومن ذلك ما يلي:
أولًا: إطلاق مصطلح الشريعة على التوحيد:
وذلك أخذًا من قوله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا
(1) لسان العرب، لابن منظور، (7/ 86)، والقاموس المحيط، لمجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، نسخة مصورة عن الطبعة الثالثة للمطبعة الأميرية سنة 1301 هـ، (3/ 42)، ومختار الصحاح، للرازي، (ص 218).
تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ} [الشورى: 13]، وقد وضع الآجُرِّيُّ رحمه الله كتابه في التوحيد باسم "الشريعة"، وكذا أطلق ابن بطة الحنبلي رحمه الله اسم:"الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية ومجانبة الفرق المذمومة" على كتابه في التوحيد والعقيدة.
ثانيًا: إطلاق مصطلح الشريعة على الأحكام العملية:
وفيما اختلفت فيه الرسالات الإلهية؛ وذلك أخذًا من قوله تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48]، ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الدنيا والآخرة، والأنبياء إخوةٌ لِعَلَّات، أمهاتهم شتى ودينهم واحد"(1).
قال الإمام الطبري رحمه الله: "الدين واحد والشريعة مختلفة"(2).
ثالثًا: إطلاق مصطلح الشريعة على التوحيد وسائر الأحكام:
وذلك أخذًا من قوله تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الجاثية: 18].
قال القرطبي رحمه الله (3): "فالشريعة ما شرع الله لعباده من الدين"(4).
(1) أخرجه: البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب: قول الله: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا} [مريم: 16]، (3443)، ومسلم، كتاب الفضائل، باب: فضائل عيسى عليه السلام، (2365).
(2)
جامع البيان عن تأويل آي القرآن، للإمام أبي جعفر محمد بن جرير الطبري، تحقيق: د. عبد الله بن عبد المحسن التركي بالتعاون مع مركز البحوث والدراسات العربية والإسلامية بدار هجر، دار هجر، القاهرة، ط 1، 1422 هـ - 2001 م، (8/ 494).
(3)
أبو عبد الله، محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح، الأنصاري الخزرجي الأندلسي القرطبي، المفسر الشهير، كان من العلماء العارفين، له مصنفات، منها: الجامع لأحكام القرآن -وهو من أجل التفاسير وأعظمها نفعًا- وكتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى، والتذكرة بأمور الآخرة. توفي سنة 671 هـ. الديباج المذهب، لابن فرحون، (2/ 308)، شذرات الذهب، لا بن العماد، (7/ 584).
(4)
الجامع لأحكام القرآن، لأبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، ط 2، (16/ 163).