الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال ابن تيمية رحمه الله: "والشريعة إنما هي كتاب الله وسنة رسوله"(1).
والاستعمال الثالث يكثر عند الإطلاق والاستعمال العام، وهو يرادف الوحي كتابًا وسنة، والشريعة بهذا الاعتبار معصومة ومحفوظة، ربانية المصدر، واقعية عالمية.
وفيما يلي بيان خصائص الشريعة بإطلاقها العام:
المطلب الأول: الربانية:
الربانية خصيصة الشريعة الكبرى، فهي من عند الله تعالى وحده أولًا، فلا نقص ولا عيب؛ لأنها {تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 42] فهي مجمع المصالح والمنافع والخيرات؛ لأن مشرعها عليم حكيم، ويجمع فيها ولها كل خير، فتشتمل على كل مصلحة للخلق، قال تعالى:{أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14]، أنزلها سبحانه بعلمه، وليس له في وضعها من شريك ولا ظهير، ولأجل هذه الخصيصة فإن للشريعة المنزلة الكبرى في عقيدة ووجدان كل مسلم؛ ذلك أنها من عند الله لفظًا ومعنى، أو معنى فحسب؛ وقبولها ومحبتها والرضى بها والامتثال لها هو مقتضى عقد الإيمان والإسلام، قال تعالى:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36]، وقال تعالى:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65].
والتشريع حق خالص لصاحب الشريعة وحده، وهو الله تعالى، قال تعالى:{إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [الأنعام: 57]، والرسول إنما هو مبلغ عن الله، قال تعالى:{وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [النور: 54]، والبلاع للبشارة أو النذارة، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا
(1) مجموع فتاوي شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية، جمع وترتيب: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة المنورة، 1425 هـ - 2004 م، (19/ 308).
وَنَذِيرًا} [الإسراء: 105].
والشريعة تربط الناس بالله؛ وذلك أن "المقصد الشرعي من وضع الشريعة إخراج المكلف عن داعية هواه، حتى يكون عبدًا لله اختيارًا كما هو عبد لله اضطرارًا"(1).
قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} [الذاريات: 56 - 57]، والرسول صلى الله عليه وسلم وسائر المؤمنين منقادون لها مذعنون لأوامرها، قال تعالى:{إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} [يونس: 15].
"فالشريعة هي الحاكمة على الإطلاق والعموم عليه -أي: على الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى جميع المكلَّفين، وهي الطريق الموصل والهادي الأعظم، ألا ترى قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} [الشورى: 52]، فهو عليه الصلاة والسلام أول من هداه الله بالكتاب والإيمان، ثم من اتبعه فيه"(2).
"فالحكم لله وحده، ورسله يبلغون عنه، فحكمهم حكمه، وأمرهم أمره، وطاعتهم طاعته"(3).
قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [النساء: 64].
وأخيرًا فلا يملك أحد كائنًا من كان أن ينازع الله في سلطانه أو أن يشرِّع لعباده، كما لا يستطيع أحد أن يخلق ذبابًا ولو ظَاهَرَه على ذلك كلُّ إنس وجان.
وصفة الربانية في الشريعة الإلهية تعرى عنها كل الشرائع الوضعية والقوانين البشرية، والتي تصدر عن قوة زمنية، وتبنى أحكامها على مراعاة الدنيا والظواهر فحسب، لا مجال فيها للجزاء الأخروي، ولا للتعبد الديني.
(1) الموافقات، للشاطبي، (2/ 168).
(2)
الاعتصام، للشاطبي، (2/ 338 - 339).
(3)
مجموع الفتاوي، لابن تيمية، (35/ 363).