الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومعاوية أنهم صلوا قبل الزوال، وأحاديثهم تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها بعد الزوال، في كثير من أوقاته لا خلاف في جوازه، وأنه الأفضل والأولى، وأحاديثنا تدل على جواز فعلها قبل الزوال ولا تنافي بينهما، وأما في أول النهار فالصحيح أنها لا تجوز؛ لما ذكره أكثر أهل العلم، ولأن التوقيت لا يثبت إلا بدليل من نص أو ما يقوم مقامه، وما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم عن خلفائه أنهم صلوها في أول النهار، ولأن مقتضى الدليل كون وقتها وقت الظهر وإنما جاز تقديمها عليه بما ذكرنا من الدليل، وهو مختص بالساعة السادسة فلم يجز تقديمها عليها، والله أعلم" (1).
وعليه: فإذا كان بعض المسلمين إمَّا أن يأتي بالجمعة فيصليها قبيل الزوال على ما ترجح جوازه في مذهب أحمد رحمه الله، أو أنه لن يأتي بها لصعوبة ومشقة شديدة فإن الفتيا على إباحة أدائها قبل الزوال بيسير يقيم الفريضة، ويعين المكلف على أداء الصلاة، ويحفظ عليه دينه، ويحول بينه وبين الاجتراء على محارم الله.
القاعدة الثالثة: طلب التخفيف بوجه غير شرعي باطل
(2):
المعنى العام للقاعدة:
لقد تحقق عند الناظر في الأحكام الشرعية ومقاصدها أن المشقة غير مقصودة للشارع أصلاً (3)، وأن المشقات الخارجة عن معتاد المشقات في الأعمال العادية مقصود الشارع فيها الرفع على الجملة (4).
= يصلي، (2/ 107)، والدارقطني في "سننه"، كتاب الجمعة، باب: صلاة الجمعة قبل نصف النهار، (2/ 330). قال الشيخ الألباني:"إسناده محتمل للتحسين، بل هو حسن على طريقة بعض العلماء -كابن رجب وغيره-؛ فإن رجاله ثقات غير عبد الله بن سيدان. . . "، كما في "الأجوبة النافعة عن أسئلة لجنة مسجد الجامعة"، مكتبة المعارف، الرياض، ط 1، 1420 هـ / 2000 م، (ص 42).
(1)
المغني، لابن قدامة، (3/ 240 - 241).
(2)
الموافقات، للشاطبي، (1/ 346).
(3)
المرجع السابق، (2/ 121).
(4)
المرجع السابق، (2/ 156).
والشريعة جارية في التكليف بمقتضاها على الطريق الوسط الأعدل (1)، فهي بمجموعها في متناول المكلف آخذة من كل طرف بقسط لا ميل فيه، فلا ميل جهة طرف التشديد، ولا ميل جهة طرف التخفيف، وهذا هو عدل الشريعة، وهو الاقتصاد الذي عبر عنه بعض العلماء فقال:"الاقتصاد رتبة بين رتبتين، ومنزلة بين منزلتين، والمنازل ثلاثة: التقصير في جلب المصالح، والإسراف في جلبها، والاقتصاد بينهما"(2).
وقد قال تعالى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} [الإسراء: 29].
وقال سبحانه: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67]، وفي الحديث:"ليُصَلِّ أحدكم نشاطه، فإذا كسل أو فتر فليقعد"(3).
وهذه القاعدة كالمقيدة للقاعدة السابقة والمخصصة لنطاقها، فإن التيسير والتخفيف والترخص ينبغي أن يكون منضبطًا بضابط المشروعية أولًا.
والتخفيف الوارد في القاعدة قد يعرف بأنه ضد التثقيل سواء أكان حسيًّا أم معنويًّا (4)، أو يقال بأنه:"تسهيل التكليف أو إزالة بعضه"(5).
والتخفيف أخص من التيسير؛ إذ هو تيسير ما كان فيه عسر في الأصل، ولا يدخل فيه ما كان في الأصل مُيَسَّرًا (6)، ولا شك أن الشريعة مبناها على رفع الحرج، وعلى
(1) المرجع السابق، (2/ 163).
(2)
قواعد الأحكام، للعز ابن عبد السلام، (2/ 340).
(3)
أخرجه: البخاري، كتاب التهجد، باب: ما يكره من التشديد في العبادة، (1150)، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: أمر من نعس في صلاته أو استعجم عليه القرآن أو الذكر بأن يرقد أو يقعد حتى يذهب عنه ذلك، (784)، من حديث أنس رضي الله عنه في قصة صلاة زينب رضي الله عنها واتخاذها الحبل!
(4)
لسان العرب، لابن منظور، (4/ 155).
(5)
زاد المسير في علم التفسير، لأبي الفرج جمال الدين عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي، المكتب الإسلامي، بيروت، ط 3، 1404 هـ، (2/ 60).
(6)
خصائص الشريعة الإسلامية، د. عمر سليمان الأشقر، مكتبة الفلاح، الكويت، ط 1، 1382 هـ، (ص 70).