الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا شك أن مسألة عموم البلوى وثيقة الصلة بقاعدة المشقة تجلب التيسير؛ فإن عموم البلوى بأمر ما يقتضي مشقة وحرجًا يتطلب تخفيفًا وتيسيرًا، ومن العلماء من يرى "عموم البلوى" من القواعد المندرجة تحت قاعدة "المشقة تجلب التيسير" ومن ذلك قولهم:"ما عمت بليته خفت قضيته"(1).
وكذا قولهم: إن ما عمَّ وإن خفَّ ينزل منزلة ما يثقل إذا اختصَّ (2).
وفي هذا إشارة إلى أن عموم التلبس بالمشقة وإن كانت خفيفة يعتبر بمنزلة المشقة الشديدة إذا كانت خاصة.
أدلة القاعدة:
الأصل أن أدلة قاعدة المشقة تجلب التيسير تصلح أدلة لقاعدة عموم البلوى.
إلا أنه بالنظر في السنة المطهرة والمأثور عن الصحابة رضي الله عنهم والتابعين وفقهاء المسلمين أمكن تلمس ما اعتبر عموم البلوى به سببًا في إحراز الرخصة أو التخفيف الذي دعت إليه حاجة ملحة أو مشقة زائدة.
وفيما يأتي بعض الأدلة بمثابة أمثلة على رعاية عموم البلوى:
أولًا: السنة المطهرة:
1 -
عن كبشة بنت كعب بن مالك رضي الله عنهما أن أبا قتاد رضي الله عنه دخل فسكبت له وضوءًا، فجاءت هرة فشربت منه، فأصغى لها إلاناء، حتى شربت، قالت كبشة: فرآني
(1) بدائع الصنائع، للكاساني، (1/ 81)، الأشباه والنظائر، لابن نجيم، (93).
(2)
الأشباه والنظائر، لمحمد بن عمر بن المرحل المعروف بابن الوكيل، تحقيق: د. عادل بن عبد الله الشويخ، مكتبة الرشد، الرياض، ط 1، 1413 - 1993 م، (2/ 372)، الأشباه والنظائر، لأبي حفص سراج الدين عمر بن علي المعروف بابن الملقن، تحقيق: حمد بن عبد العزيز الخضيري، إدارة القرآن والعلوم الإسلامية بكراتشي، باكستان، ط 1، 1417 هـ، (2/ 348).
أنظر، فقال: أتعجبين با ابنة أخي، فقلت: نعم، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنها ليست بنجس، إنها من الطوافين عليكم والطوافات"(1).
وجه الدلالة:
لقد اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم عموم الابتلاء بدخول الهرة في البيوت سببًا في الترخيص، مع كونها تأكل الفئران والحشرات، ثم تشرب من الإناء، فلو اعتبر ذلك الشرب منجسًا للإناء وما فيه لحصلت مشقة شديدة.
ولو اعتبرت الهرة في نفسها نجسة مع كثرة ملابستها للناس لأفضى إلى مشقة أخرى (2).
2 -
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كانت الكلاب تبول، وتُقبل وتُدبر في المسجد في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يكونوا يَرُشُّون شيئًا من ذلك"(3).
وجه الدلالة:
لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم برش المسجد أو غسل حصبائه، وهذا تخفيف في نجاسة متفق عليها لعموم البلوى ومشقة الاحتراز (4).
3 -
عن أم سلمة أن امرأة قالت لها: إني امرأة أطيل ذيلي وأمشي في المكان القذر؟
فقالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يطهره ما بعده"(5).
(1) أخرجه: أبو داود، كتاب الطهارة، باب: سؤر الهرة، (75)، والترمذي، أبواب الطهارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب: ما جاء في سؤر الهرة (92)، والنسائي، كتاب الطهارة، باب: سؤر الهرة (68)، وابن ماجه، كتاب الطهارة وسننها، باب: الوضوء بسؤر الهرة والرخصة في ذلك، (367). وصححه ابن خزيمة (104)، وابن حبان (4/ 114)، والحاكم (1/ 160).
(2)
إعلام الموقعين، لابن القيم، (2/ 172).
(3)
أخرجه: البخاري معلَّقًا، كتاب الوضوء، باب: إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعًا، (174)، وأبو داود، كتاب الطهارة، باب: في طهور الأرض إذا يبست، (382). وصححه ابن خزيمة (300)، وابن حبان (5/ 537).
(4)
رفع الحرج، د. صالح بن حميد، (ص 263).
(5)
أخرجه: أبو داود، كتاب الطهارة، باب: في الأذى يصيب الذيل، (383)، والترمذي، أبواب الطهارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب: ما جاء في الوضوء من الموطأ، (143)، وابن ماجه، كتاب الطهارة وسننها، باب: الأرض =