الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومعرفة مقاصد الشارع التي دعت إليها (1).
المطلب الرابع: بين القاعدة الأصولية والقاعدة الفقهية:
تقدم أن القاعدة الفقهية في تعريفها المختار هي: حكم كلي فقهي ينطبق على فروع كثيرة من أكثر من باب (2).
وهناك ارتباط وثيق بين علم الفقه وعلم الأصول، وهو ناتج من كون أحدهما أصلًا والآخر فرعًا، كأصل الشجرة وفروعها.
ومع ذلك فهما مختلفان في الحدود والموضوع والثمرة، وغير ذلك من الأمور، وبالتالي فإن قواعد كل علم منهما تتمايز عن قواعد الآخر، ولعل أول من أشار إلى الفرق بين القاعدة الفقهية والأصولية العلامة القرافي رحمه الله في الفروق حيث قال في مقدمته:
"فإن الشريعة المعظمة المحمدية -زاد الله تعالى منارها شرفًا وعلوًّا- اشتملت على أصول وفروع، وأصولها قسمان:
القسم الأول: المسمى بأصول الفقه وهو في غالب أمره ليس فيه إلا قواعد الأحكام الناشئة عن الألفاظ العربية خاصة، وما يعرض لتلك الألفاظ من النسخ والترجيح، ونحو: الأمر للوجوب، والنهي للتحريم، والصيغة الخاصة للعموم، ونحو ذلك، وما خرج عن هذا النمط إلا كون القياس حجة، وخبر الواحد، وصفات المجتهدين.
القسم الثاني: قواعد كلية فقهية جليلة، كثيرة العدد، عظيمة المدد، مشتملة على أسرار الشرع وحِكمه، لكل قاعدة من الفروع في الشريعة ما لا يحصى، ولم يذكر منها شيء في أصول الفقه، وإن اتفقت الإشارة إليه هنالك على سبيل الإجمال فبقي تفصيله لم يتحصل" (3).
(1) مقاصد الشريعة، لابن عاشور، (ص 6)، الفروق، للقرافي، (1/ 2 - 3)، القواعد الفقهية، للباحسين، (ص 114 - 117).
(2)
القواعد الفقهية، للندوي، (ص 45)، نظرية التقعيد الفقهي للروكي، (ص 38 - 48).
(3)
الفروق، للقرافي، (1/ 2 - 3).
ولا شك أن ثمة ارتباطًا بين القاعدتين، واشتباهًا وتداخلًا بسبب وحدة انتسابهما إلى الفقه، وتقارب ثمرتهما من حيث الوصول والتوصل إلى أحكام الشرع، وتواردهما على مقصود واحد وهو الفروع الفقهية، ومتعلقاتها من أحكام وحوادث.
وإذا تأملنا الفروق بين القاعدتين تبين أنها كما يلي:
1 -
من جهة الحد:
القواعد الفقهية: مجموعة القواعد التي يجتمع تحتها كثير من الفروع الفقهية لعلاقة بينهما، أما القواعد الأصولية فيمكن أن تُحدَّ بأنها مجموعة القواعد التي توضح للفقيه طرق استخراج الأحكام من الأدلة الشرعية، فقواعد الفقه تركز على الأحكام، وقواعد الأصول تركز على الأدلة.
2 -
من جهة الموضوع:
موضوع القاعدة الفقهية أفعال المكلفين، بينما موضوع القاعدة الأصولية الأدلة الشرعية، وما يرتبط بها؛ فالقاعدة الأصولية:"النهي يقتضي الفساد" موضوعها كل دليل من الشريعة ورد فيه نهي، بينما القاعدة الفقهية:"المشقة تجلب التيسير" فموضوعها كل فعل من أفعال المكلَّف يَجِد فيه مشقة معتبرة شرعًا.
3 -
من جهة الثمرة:
ثمرة القواعد الأصولية: التمكن من استنباط الحكم الشرعي الفرعي، بينما ثمرة القواعد الفقهية: جمع الفروع التشابهة في الحكم تحت رباط قياسي واحد، وقد يقال: إن القواعد الأصولية موصلة للقواعد الفقهية من غير عكس.
4 -
من جهة المستفيد منها:
القاعدة الفقهية يمكن أن يستفيد منها الفقيه والمتعلم؛ حيث إن كل قاعدة تشتمل على حكم كلي لعدد من المسائل، فالرجوع إليها أيسر من الرجوع إلى حكم كل مسألة على حدة.
بينما المستفيد من القواعد الأصولية: هو المجتهد خاصة، حيث يستعملها عند استنباط الأحكام الشرعية الفرعية من أدلتها.
5 -
من جهة الاستمداد:
القاعدة الفقهية مستمدة من الدليل الشرعي، أو المسائل الفرعية المشابهة في الحكم، بينما القواعد الأصولية مستمدة من الأدلة الإجمالية مما يستمد منه علم الأصول، كالعربية، وأصول الدين، وتصور الأحكام.
6 -
من جهة الوجود في الواقع:
القواعد الفقهية متأخرة في الوجود الواقعي والذهني أيضًا عن القواعد الأصولية؛ لأنها جمع للفروع المتشابهة في رباط مشترك، وهذا لا يكون إلا بعد وجود الفروع التي يسبق وجودها وجود القواعد الأصولية، والفقيه يأخذ قواعد الأصول ويطبقها على جزيئات الدليل الكلي بغية التوصل إلى الحكم الشرعي العملي التفصيلي.
7 -
من جهة المسائل:
مسائل علم القواعد الفقهية: القواعد الفقهية من حيث التطبيق على الفروع، أما مسائل علم أصول الفقه: فهي عائدة إلى أربعة أركان: الحكم، والدليل، وطرق الاستنباط، وشروط المستنبط، وهذا الفرق أخص من الفرق الثاني المتعلق بالاختلاف من جهة الموضوع.
هذه بعض الفروق بين القواعد الفقهية والقواعد الأصولية، وقد يظهر من خلالها وجود علاقة بين هذين النوعين من القواعد هي: العموم والخصوص الوجهي، حيث يجتمعان في وجه، هو: أن كلًّا من قواعد العلمين يندرج تحته فروع، ويختلفان فيما عدا ذلك من نوع هذه الفروع المندرجة، وكيفية اندراجها، كما بينَّا سابقًا (1).
(1) القواعد الفقهية، للباحسين، (ص 135 - 142)، القواعد الفقهية، للوائلي، (ص 13)، القواعد والضوابط الفقهية عند ابن تيمية، (ص 131 - 132)، نظرية التقعيد الفقهي، للروكي، (ص 56 - 59)، موسوعة القواعد الفقهية للبورنو، (1/ 25 - 28)، منهج استنباط أحكام النوازل، للقحطاني، (ص 443 - 447)، القواعد الأصولية عند الإمام الشاطبي، للجيلالي، (ص 59 - 64).