الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع
مشكلات الأقليات المسلمة
إن تصفح أحوال الأقليات والجاليات الإسلامية يُشعر بعظم المسئولية إزاء هذه الأمم من المسلمين في المشارق والمغارب، لا سيما وهم يعانون الصعوبات والمشكلات، والتي تبدأ من التضييق والتذويب، وتنتهي بالقتل والتدمير.
وقبل أن نستعرض طرفًا من مشكلات الأقليات يجدر أن ننوه ببعض مشكلات الأغلبية المسلمة المستضعفة.
فإن مأساة مسلمي الحبشة وألبانيا وفلسطين، لا ينبغي أن تغيب ونحن نبحث مشاكل الأقليات، ولعل طرح هذه المأساة يفيد في إيقاظ ضمير المسلمين تجاه إخوة لهم في الدين، وفيما يلي بيان مختصر حول هذه المشكلات:
مأساة الحبشة:
يشكل المسلمون بالحبشة نسبة 75 % من مجموع السكان، بينما النصارى الحاكمون يمثلون 20 % من السكان (1).
لقد واجه الإسلام والمسلمون الحروب في الحبشة على مدى خمسة قرون، منذ عصور الاستعمار الصليبي المتمثل في البرتغال، ثم فرنسا، ثم إيطاليا، ثم إنجلترا، مرورًا بعهد القيصر هيلاسلاسي (1930 م - 1974 م) المسيحي اليهودي.
فكان أن مكن لليهود للسيطرة على شئون البلاد العسكرية والاقتصادية
(1) قضايا إسلامية معاصرة، د. عبد الشافي غنيم، د. رأفت غنيمي، عالم الكتب، بيروت، 1980 م، (ص 64).
والتعليمية، فضلًا عن معاونته للصهيونية، كما فعل على أثر العدوان الثلاثي إنجلترا وفرنسا وإسرائيل على مصر عام (1956 م)، حيث أرسل معونات مادية.
وعندما زار هيلاسلاسي أمريكا عام (1960 م)؛ لحضور جلسات هيئة الأمم المتحدة، سأله الصحفيون عن وضع المسلمين في أثيوبيا، فرد قائلًا:"إن المسلمين في أثيوبيا قلة دخلت الإسلام عن طريق التجار العرب، وقريبًا سيعودون إلى دين آبائهم وأجدادهم، ونحن لن نسمح بأن يكون في أثيوبيا دينان"(1).
وكانت خطته لإبادة المسلمين والقضاء على وجود الإسلام هناك تتركز على (2): حرمان المسلمين من التعليم وتلقي الثقافة الإسلامية، ومصادرة أملاكهم بهدف إفقارهم، وتنصير أبناء المسلمين بالقوة، والفتك بالمسلمين وقتلهم بحجة العصيان ضد الدولة، وابتلاع معاقل الإسلام المحيطة بالحبشة لسد الطريق أمام أية عملية لإنقاذ مسلمي الحبشة، وحرمان المسلمين من الاتصال الخارجي، وحرمانهم من وظائف الدولة، وفرض الضرائب الباهظة عليهم، والتي يطلق عليها ضريبة الكنائس.
ثم تولى الحكم منجستو هيلا مريام عام (1974 م)، ولم يختلف كثيرًا عن سابقه في المبدأ والهدف من سياسته إزاء المواطنين المسلمين، والفرق هو: أن هيلاسلاسي كان يعمل من منطلق العقيدة الصليبية مع ميوله اليهودية، أما منجستو فيعمل من منطلق المصالح الحيوية، وهي الاستقرار من ناحية، والمفهوم أن وجود الإسلام يهدد الاستقرار، ومن ناحية أخرى إرضاء روسيا وأمريكا معًا، علمًا بأن منجستو ذو ميول شيوعية.
ولقد أفرخت محنة الأكثرية في الحبشة مأساتين مؤلمتين هما: مأساة أرتريا -أرض
(1) محنة الأقليات المسلمة في العالم، الأستاذ محمد عبد الله السمان، الأمانة العامة للجنة العليا للدعوة الإسلامية بالأزهر الشريف، (ص 47).
(2)
المصدر السابق، (ص 45، 46)، نقلًا عن: الأفعى اليهودية في معاقل الإسلام، الأستاذ. عبد الله التل.
الهجرة الأولى-، ومأساة أوجادين الصومالية الإسلامية، ولم يكتف حكام الحبشة بهاتين المأساتين، بل مضوا في إحداث المشاكل مع الدولة المسلمة المجاورة عن طريق المتمردين كما حدث للسودان الجنوبية.
مأساة ألبانيا:
يمثل المسلمون في ألبانيا أكثر من 70 % من مجموع السكان، في حين أن الأقلية الحاكمة لا تزيد عن 20 % من السكان.
انتهى نفوذ الخلافة العثمانية في ألبانيا سنة (1327 هـ - 1917 م)، وانتخب أحمد زوغو رئيسًا لها وقد أعلن عن نفسه ملكًا لألبانيا عام (1347 هـ)، وكان ملكًا سيئًا حاول مسايرة الدول الأوروبية وطمس التقاليد الإسلامية، وفي الحرب العالمية الثانية سقط هذا الملك واحتلت إيطاليا ألبانيا، وبعد انتهاء الحرب أجريت الانتخابات المزيفة لاختيار حاكم البلاد، وفيها فاز الشيوعيون الذين تمكنوا من السيطرة على مقاليد البلاد منذ عام (1944 م)(1).
في البداية -كما هو المعتاد- لم يظهر الشيوعيون نواياهم الخبيثة ضد المواطنين من أتباع الأديان، وهم المسلمون والمسيحيون، ولكن سرعان ما بدءوا التخطيط المنظم والضغط التدريجي، فأغلقوا المدارس الإسلامية بالتدريج، وحوَّلوا المساجد إلى مناطق سياحية ومنعوا المسلمين من دخولها لإقامة الشعائر بها، كذلك الأمر بالنسبة للكنائس.
وحاصرت الحكومة علماء الدين، وراح المدرسون الحكوميون يهاجمون فكرة الدين وينفثون في نفوس الأطفال روح الإلحاد والشيوعية، ويضطهدون أي طالب يصلي أو يصوم، كما جرت تصفيات واسعة النطاق للمسلمين في الوظائف العامة والجيش.
وبعد إصدار الحكومة الشيوعية قرارها عام (1967 م) باعتبار ألبانيا دولة لا دينية
(1) المسلمون تحت سيطرة الشيوعية، الأستاذ. محمود شاكر، المكتب الإسلامي، بيروت، ط 3، 1402 هـ (ص 119).
تَغَير كل شيء، أصبحت الدعوة إلى الله جريمة يعاقب عليها القانون، وحاربت الحكومة حتى مظاهر الدين الشكلية، كالعمامة واللحية وما إليها، وصدر قانون لتغيير الأسماء يقضي بمنع اتخاذ أي اسم فيه رائحة عربية أو إسلامية، وتحولت البلاد إلى سجن كبير، واستشهد مئات العلماء وآلاف الأبرياء في المذابح الجماعية المتتالية.
يقول طالب مسلم ألباني فرَّ بدينه إلى عدة دول في العالم حتى وصل إلى مصر: "وشاهدت بعيني وسمعت بأذني عن المذابح التي راح ضحيتها الكثير من الأبرياء إرواءً لظمأ الشيوعيين المتعطشين للدماء، وعشنا في جوٍّ يشبه عصر محاكم التفتيش التي أقامتها الصليبية الحاقدة للمسلمين بعد سقوط الأندلس"(1).
وإلى يوم الناس هذا ما يزال الألبان يعانون من تغييب الإسلام عن حياتهم، وإن كانت قد تحسنت بعض الشيء.
مأساة فلسطين:
في عام 1922 م كان عدد سكان فلسطين 752.048 نسمة، وكان عدد اليهود منهم 83،790، ولم يأت عام (1936 م) حتى وصل عددهم إلى 370،483 يهودي من مجموع سكان فلسطين البالغ عددهم 1.336.518 نسمة.
وكانت بولندا والاتحاد السوفيتي وألمانيا ورومانيا وليتوانيا على رأس القائمة بالنسبة للبلاد التي خرج منها هؤلاء اليهود؛ ذلك لأن ثلثي يهود العالم كانوا يقيمون في أوروبا الشرقية.
ومع أنه يعيش على أرض فلسطين مسيحيون، بل وشيوعيون أيضًا، إلا أن المحن كانت منصبة على المسلمين وحدهم باعتبارهم أصحابَ القضية الحقيقيين، لقد مارس اليهود كل أنواع العنف بشاعةً، من ضرب وشج وكسر الأطراف أو قطعها، وإجهاض
(1) حوار جريدة اللواء الإسلامي القاهرية مع الطالب برهان الدين قبلي، في العدد (15)، في جمادى الأولى 1407 هـ.
الحوامل، وتقتيل الأبرياء دون أن يفرقوا بين شيخ أو طفل، ولا بين رجل أو امرأة، كما انتهكوا حرمات الأماكن المقدسة، وعلى رأسها الأقصى الشريف.
وتساقط المسلمون في كل ساعة -بل ربما في كل دقيقة- بين قتلى وجرحى، ولقي عشرات الآلاف مصرعهم على يد اليهود منذ بدء الاحتلال، ولا يعلم عدد الضحايا -على وجه التحديد- إلا الله.
لم تقتصر حوادث العنف والاضطهاد الصهيوني على فلسطين المحتلة، بل يلاحق اليهود كل تواجد إسلامي فلسطيني لسحقه من الوجود، فكانت مذابح صبرا وشاتيلا المؤلمة التي راح ضحيتها أكثر من عشرة آلاف من المسلمين حتى سجِّلت كيوم من أيام الجهاد الفلسطيني، وتتجدد المذابح في المخيمات من وقت لآخر، وفي عام 2009 م وقعت أحداث غزة الأبية، والتي قضى فيها بضعة آلاف من المسلمين، ما بين قتيل وجريح.
كل ما سبق لمحة عن محنة الأغلبية المسلمة المستضعفة من الأقلية المُمَكَّنة في مناطق متنوعة من العالم اليوم.
وقبل الخوض في مشكلات الأقليات المسلمة، فإنه يجدر الإشارة إلى أن التحديات المرفوعة في وجه الأقليات المسلمة تختلف من مجتمع لآخر تبعًا لظروف كل دولة.
فقد تكون الأقليات والجاليات في البلدان الأكثر ديموقراطية تتمتع بنصيب من الحرية وتتاح لهم فرص لتحسين أوضاعهم، فبإمكان هؤلاء فيما لو انتظمت أحوالهم وتجمعاتهم ووجدوا من الدعم والتأييد ووفرت لهم طاقات علمية وتنظيمية واقتصادية ودعوية أن يتجاوزوا معظم التحديات ويطوعوها لمصالح الأقلية الإسلامية، ثم ينطلقوا منها إلى درجات أعلى في اختراق الأكثرية بالدعوة إلى الله، ودفع المجتمع إلى احترام التوجهات الإسلامية.