الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيجوز مثلًا التيمم لمن معه ماء يحتاج إلى شربه في المآل، لا في الحال (1)، ويُنَزَّلُ القادر على الكسب منزلةَ واجدِ المال في منعه من الزكاة. (2)
ويباح بيع ما لا يُنْتَفَعُ به في الحال كدود القزِّ الذي يُنْتَفَعُ به بعد حياته باستخراج الحرير، (3) وكذا الصغير من الحيوان الذي يُنْتَفَعُ به بعد مُدَّةٍ.
وذهب الحنفية والظاهرية، وهو أحد قولي الشافعية والحنابلة إلى ابتناء الحكم على الحال دون المآل (4).
وإنما كان الحكم بناء على الحال دون المآل؛ لأن إنشاء التصرف هو الذي قد نشأ عنه الحكم المتعلق بمن أنشأ هذا التصرف، ووقت الإنشاء كان في الحال، فتكون العبرة بالحال، لا بالمآل.
وبناءً على اختلاف الأنظار في أيِّهما يقدَّم اختلفتِ الأحكامُ. ومآخذُ الأدلة قد تُعْطِي ما يخدم المذهبين.
تطبيقات القاعدة في تأصيل فقه الأقليات:
تعتبر هذه القاعدة من أهم القواعد في الإفتاء للأقليات في الواقع المعاصر؛ وذلك لأن كثيرًا من الأفعال؛ بل وردود الأفعال في تلك الديار قد تبدو داخلة ضمن إطار المشروعية، إلا أنه بالنظر إلى مآلاتها لا يمكن بحال أن تباح أو تستباح.
وكثير من الأمور المتعلقة بحياة الأقليات وشئونها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية تخضع لهذه القاعدة.
وعليه فقد جرت الفتيا في تلك الديار بالتزام النظام العام والقانون الحاكم في تلك
(1) الأشباه والنظائر، للسيوطي، (ص 180)، إيضاح القواعد الفقهية، للحجي، (ص 99).
(2)
الأشباه والنظائر، للسيوطي، (ص 180).
(3)
حاشية الروض المربع شرح زاد المستقنع، لعبد الرحمن بن محمد بن قاسم، ط 1، 1312 هـ - 1392 م، (4/ 334 - 335).
(4)
الأشباه والنظائر، للسيوطي، (ص 180)، المقاصد الشرعية في القواعد الفقهية، د. عبد العزيز عزام، (ص 493).
الديار إذا كان عدم التزامه يرتب ضررًا فادحًا على الشخص أو الجماعة، أو يعرض الفرد أو الطائفة لما لا قبل لهم به من العقوبة والنكال، وذلك بشرط ألا يُفضي هذا إلى ارتكاب للمنكرات أو وقوع في المخالفات.
وفيما يلي بعض هذه الأمثلة:
- ما نصَّ عليه الحنابلة من منع المسلم الذي دخل أرض العدو بأمان أن يتزوج منهم؛ مراعاة لما ينجم عن هذا الزواج من مآل يتهدد نسل المسلمين، وهو الأمر الذي عبَّر عنه ابن قدامة بقوله:"لأنه لا يأمن من أن تأتي امرأته بولد فيستولي عليه الكفار، وربما نشأ بينهم فيصير على دينهم"(1).
فالحنابلة لم ينظروا إلى صورة الفعل فقط، وإنما نظروا -أيضًا- إلى نتيجته ومسببه؛ أي: على ضوء ذلك المآل الذي هو مفسدة غالبة، فحكموا على الفعل بالمنع، سواء أكان تحريمًا، أم كراهة.
وتخريجًا على هذا منع عدد من الفقهاء المعاصرين الزواج من أهل تلك الديار اختيارًا؛ للمفاسد المذكورة ولغيرها مما استجد في الوقت الراهن (2) على أن نفس قاعدة المالآت أعملها بعض الفقهاء المعاصرين اليوم في الرد على من قال بحرمة نكاح من أقام بغير بلاد المسلمين ينوي الطلاق قبل مغادرة تلك البلاد؛ ذلك أن منعه من مثل هذا النكاح قد يؤول به إلى ارتكاب الحرام (3).
وبهذه القاعدة أخذ من قال بحل التأمين التجاري على المؤسسات الإسلامية بديار الغرب، حيث يُفضي عدم إجراء هذا التأمين عليها إلى تعرضها إلى أخطار محدقة تنتهي إلى إضعاف وجودها أو زوالها من حياة الأقلية المسلمة التي تحتاج إليها في إقامة دينها (4).
(1) المغني، لابن قدامة، (13/ 149).
(2)
آثار ابن باديس، طبعة الشئون الدينية، الجزائر، ط 1، 1405 هـ - 1984 م، (3/ 309)، في فقه الأقليات المسلمة، د. يوسف القرضاوي، (ص 99 - 100)، جريمة الزواج بغير المسلمات فقهًا وسياسة، أ. عبد المتعال الجابري، مكتبة وهبة، القاهرة، ط 3، 1403 هـ - 1983 م، (ص 103).
(3)
صناعة الفتوى، لابن بيه، (ص 132 - 133).
(4)
سيأتي مناقشة ذلك تفصيلًا -بمشيئة الله- في الفصل الثاني من الباب الثالث.