الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثامن القواعد المتعلقة بالعرف
(1)
القاعدة الأولى: العرف معتبر في التشريع، أو: العادة محكمة
(2):
المعنى العام للقاعدة:
العرف: ما استقرت النفوس عليه بشهادة العقول، وتلقته الطباع السليمة بالقبول (3).
وهو ما يعرف بين الناس، وما تعارفوا عليه (4).
وعرَّفه بعض المعاصرين بقوله: "هو ما استقرَّ في النفوس، واستحسنته العقول، وتلقته الطباع السليمة بالقبول، واستمرَّ الناس عليه، بما لا تَرُدُّه الشريعة وأقرَّتهم عليه"(5).
وهذا المعنى الاصطلاحي يتفق من وجه مع بعض المعاني اللغوية للعرف، وهو معنى التتابع والسكون والطمأنية؛ فإن العرف لا يعتبر إلا إذا كان مستمرًّا ومستقرًّا ومطَّردًا اطِّرادًا بَيِّنًا (6).
والعرف له تقسيمات كثيرة؛ فمنه عرفٌ ثابت وآخرُ متبدل، ومنه عرفٌ قوليٌّ وآخرُ عمليٌّ، ومنه عرفٌ عامٌّ وآخرُ خاصٌّ، ومنه عرفٌ صحيح وآخرُ فاسد.
وقد قرَّر الأصوليون والفقهاء -جميعًا- اعتبار العرف وقالوا به، وأظهروا أثره في
(1) نظرًا للاتفاق اللفظي والمعنوي بين قاعدة العرف الأصولية وقاعدته الفقهية، فقد جمعتا في سياق واحد طلبًا للاختصار وعدم التكرار.
(2)
الأشباه والنظائر، للسيوطي، (1/ 165)، الأشباه والنظائر، لابن نجيم، (ص 101).
(3)
التعريفات، للجرجاني، (ص 193).
(4)
بلوغ السول شرح منظومة ابن عاصم في الأصول، (ص 320).
(5)
أثر العرف في التشريع الإسلامي، د. السيد صالح عوض، دار الكتاب الجامعي، القاهرة، ط 1، 1981 م، (ص 52).
(6)
معجم مقاييس اللغة، لابن فارس، (4/ 281).
الفتاوي والأحكام، واستدلوا على اعتباره وأثره في التشريع وأصوله وقواعده بأدلة كثيرة مستفيضة.
ومعنى اعتباره: الاعتداد به ومراعاته، والأخذ به في بناء الأحكام، ويكون دليلًا على مشروعية الحكم ظاهرًا؛ فما غلب على الناس من معاملة، أو معنى من المعاني، أو نحو ذلك فيجب النظر إليه لدى تفصيل أحكام الوقائع التي تحدث بينهم؛ فإذا تبدل العرف بعرف طارئ كان على الفقيه أن يراعي العرف الطارئ في بناء الأحكام؛ إذ النظر في الوقائع يتجدد بتجدد العرف (1).
والعادة قريبة المعنى من العرف لغةً واصطلاحًا؛ فهي في اللغة تدور على معنى العود والتكرار، والدأب والاستمرار، وكل من عاد إلى شيء بعد انصرافه عنه فهو عائد (2).
قال تعالى: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} [المؤمنون: 107]، والعادة هي ما يتكرر مرة بعد أخرى؛ فتشمل ما كان مصدره العقل، وتلقته الطباع السليمة، وقد قال كثير من الأصوليين والفقهاء بترادف العادة مع العرف (3).
ومنهم من لَاحَظَ أن العادة تنشئ عرفًا (4).
ومنهم من خصَّ العادة بأنها العرف العملي (5).
ومنهم من اعتبرها والنظائر بمعنى واحد، وإن اختلف مفهومهما (6).
(1) أثر العرف في التشريع الإسلامي، د. السيد صالح، (ص 148 - 149).
(2)
لسان العرب، لابن منظور، (10/ 459).
(3)
نشر العرف، لابن عابدين، (2/ 114)، الأشباه والنظائر، لابن نجيم، (ص 101)، شرح مجلة الأحكام العدلية، لعلي حيدر، (1/ 40).
(4)
أثر العرف في التشريع الإسلامي، د. السيد صالح عوض، (ص 50).
(5)
التقرير والتحبير، لابن أمير الحاج (1/ 350).
(6)
شرح المجلة، للأتاسي، طبعة المكتبة الحبيبية، كانسي رود، باكستان، (1/ 78).