الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
علاوة على أن عدم العناية بهذه القضايا، وإطلاق أحكام من غير بحث وتروٍّ ربما أوقع الناس في حيرة واضطراب، ولا سيما ما يتعلق بالمسائل الطبية المستجدة، والقضايا الاقتصادية المعاصرة، والنوازل السياسية المعقدة، والعناية بهذا الفقه يضبط الأحكام ويجلِّيها، ويقرِّب وجهات النظر، ويضيِّق هوَّة الخلاف، وفي هذا سد لباب الطعن والافتراء من ناحية، وباب اللجوء إلى غير الشريعة من ناحية أخرى.
المطلب الثالث: ثمرته بالنسبة للفقيه المجتهد:
1 -
إذا كان مقصود المسلم من الطاعات وأعمال البر هو مرضاة الله وتحصيل الثواب، فلا شك أن الاشتغال بالشرعيات في الجملة ميدان رحيب لكسب الحسنات وتحصيل الخيرات، والمشتغل بالنوازل الفقهية درسًا وبحثًا من أعلى العلماء رتبة، وأجلِّهم قدرًا، وأكثرهم أجرًا.
ففي الحديث: "إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر"(1)، فإن عني هذا الفقيه المجتهد -بعد بحث النازلة ودرسها والإفتاء فيها- بالتعليم فله أجر نشر العلم، وهذه درجات من الثواب، بعضها فوق بعض.
2 -
إن الاشتغال ببحث النوازل ودراسة المسائل المستجدة يدور حكمه بين فرض العين وفرض الكفاية، والقيام بهذا الفرض العيني أو الكفائي أداء للأمانة التي حمَّلها الله تعالى أهل العلم فقد أخذ تعالى الميثاق على العلماء ليبينوا الأحكام الشرعية، ولا يكتموها، والتكليف بهذه الأمانة منحصر فيهم، لقيام أهليتهم، واكتمال آلتهم الشرعية لاستنباط أحكام النوازل الفقهية، فكان لزامًا أن يتصدى
(1) أخرجه: البخاري، كتاب الاعتصام بالسنة، باب: أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ، (7352)، ومسلم، كتاب الأقضية، باب: بيان أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ، (1716)، من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه.
المتأهلون من الفقهاء، والمجتهدون من العلماء لهذا الواجب، إبراءً للذمة، وطلبًا للمعذرة عند الله، وقيامًا بحق قوله تعالى:{وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ} [التوبة: 122].
3 -
ومن ثمرات الاشتغال بفقه النوازل بالنسبة للفقيه المجتهد تحصيل الدُّربة على تخريج الأحكام؛ وذلك لأن تلك المستجدات المعاصرة غير منصوص على حكمها، فلا سبيل لاستنباط الحكم إلا بالتخريج على ما يشابهها من وقائع، وكما لا يكفي العلم بالقوانين الرياضية دون التدريب عليها لحلِّ مسائلها، وفك غوامضها، فكذلك لا يكفي العلم بالقواعد الأصولية والفقهية دون التدرب على تطبيقها، واستعمالها في إدراك الأحكام الشرعية، وشحذ الذهن، وتقوية الملكة الفقهية، وقد عني أبو حنفية رحمه الله بتدريب خواص تلاميذه على هذا المنهج بطرح المسائل عليهم، ومناقشة الأحكام معهم، وتصحيح الصحيح، وتزييف الزائف، كما عرف ذلك عن المالكية في القضاة المشاوَرين، وهم العلماء الذين يحضرون مع القاضي في مجلسه ليستشيرهم القاضي شفاهة أو كتابة في المسائل التي ينظرها بين الخصوم، حتى بلغت عدَّة المشاوَرين في قرطبة خمسة عشر فقيهًا (1).
(1) منهج معالجة القضايا المعاصرة في ضوء الفقه الإسلامي، بحث في مجلة كلية الدراسات الإسلامية والعربية، دولة الإمارات، د. محمد رواس قلعه جي، العدد الخامس 1413 هـ، (ص 62)، نظرات في النوازل الفقهية، د. محمد حجي، (ص 33، 34).