الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن هذا الباب: لم يُعْطِ عمرُ المؤلفةَ قلوبهم من الزكاة (1)، وأسقط الحد عمن سرق في عام المجاعة (2).
على أنه لا ينبغي أن يهمل أن مراتب الصالح قد تتغير بتغير الأزمان والأمصار والأحوال؛ فما كان حاجيًّا في زمن قد يصير ضروريًّا في غيره، وما كان تحسينيًّا قد يغدو حاجيًّا؛ وذلك لتغير ظروف الحياة والبيئات والأعراف؛ فلا شك أن الكهرباء -مثلًا- في الزمن الأول رُبَّما كانت تحسينية، أما الآن فهي حاجية، ومن قبل الحاجات العامة، وقد يصل النظر بها إلى رتبة الضروري، وهذا له تعلُّقٌ على كل حال بالحاجي والتحسيني دون الضروري؛ فإنه في كل زمان ومكان يبقى الضروري ضروريًّا؛ لأنه يُمَثِّلُ النظام العام والأصول الشرعية؛ فالتغير لا يجري إلا فيما كان حاجيًّا أو تحسينيًّا (3).
وقد روي عن عمر عبد العزيز: "تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور"(4).
الضابط الرابع: أن يكون الناظر في التغير من المجتهدين:
ولا سيما الاجتهاد الجماعي، وأن يتمتع المجتهد بالجمع بين فقه الشرع وفهم الواقع، وبالجمع بين إدراك المسألة الجزئية والإحاطة بالأصول العامة والقواعد الكلية، مع توفر آلات الاجتهاد وأدوات الفُتيا، وإمعان النظر، واختبار كل تغير في الأحوال والأحداث.
وأخيرًا فإن الذي يقول -في حقِّ هذه العوائد والأعراف-: إنها تغيرت وبالتالي تتغير الفتيا المرتبة عليها إنما هم أهل العلم والمعرفة بالشرع، وليس أهل الهوى والجهل (5).
(1) سبق تخريجه.
(2)
أخرجه: عبد الرزاق في "مصنفه"، كتاب اللقطة، باب: القطع في عام سنة (10/ 242)، وابن أبي شيبة، كتاب الحدود، باب: في الرجل يسرق الثمر والطعام، (10/ 27، 28)، من حديث يحيى بن أبي كثير قال: قال عمر: "لا يقطع في عذق ولا عام السنة". وهذا منقطع؛ يحيى لم يُدرِك عمر.
(3)
تأصيل فقه الأولويات، د. محمد همام، (ص 388 - 389).
(4)
الفروق، للقرافي، (4/ 1314).
(5)
مدى تغير الأحكام بتغير الجهات الأربع، د. عبد الله ربيع، وزارة الأوقاف، الإدارة العامة لبحوث الدعوة، (ص 148 - 149).
ولاشك أنها مسالك ضيقة لا يسلكها إلا الخريت الماهر (1).
ومما ينبغي أن يعلم: أن تغير الفتيا بتغير ما ترتبت عليه إنما هو مما يهدف إلى إبقاء الأمور تحت حكم الشريعة وسلطانها، وإن تغيرت صورتها الظاهرة؛ فهو ليس خروجًا على الشريعة واستحداثًا لأحكام جديدة.
وأن التغير في الفتيا هو تغيُّرٌ خاص من حيث الزمان والمكان والشخص، حيث تتغير فقط بالنسبة للزمان أو المكان أو الشخص الذي تغيرت في حقه مسوغات الفتيا، وهذا معناه أن الأمور تكون باقية علي ما هي عليه في بقية الأماكن والأزمان والأشخاص.
وأن أهل العلم عندما قالوا بمراعاة الأصول والعوائد ونحوها إنما قالوا ذلك حتى لا يقعوا في الظلم؛ إما ظلم العباد بإلزامهم بما لم يُلزمهم به الشرع، وإما ظلم أنفسهم بالخطأ على الدين.
والأقليات المسلمة بحاجة إلى فقه هذه القواعد الضابطة والأصول الحاكمة لنوازل وفقه هذه الأقليات التي تعيش خارج أرضها ومحكومة بغير شريعة ربها في أغلب أحوالها.
وهذا يشير إلى أهمية تحقيق المناط، وهو تحقيق العلة المتفق عليها في الفرع، علة حكم ما في محله نص أو إجماع؛ فيبين المجتهد وجودها في الفرع (2).
ومجال تطبيق هذه القاعدة في نوازل الأقليات يتضح في لجوء الفقيه إلى أهل الخبرة في كل القضايا التي علَّقَ الشارع حكمها على وصف أو شرط أو مانع أو سبب؛ للتحقق من قيام أي منها ليرتب عليه الحكم المناسب (3).
(1) صناعة الفتوى وفقه الأقليات، د. عبد الله بن بيه، (ص 259).
(2)
شرح مختصر الروضة، للطوفي، (3/ 233).
(3)
صناعة الفتوى وفقه الأقليات، لابن بيه، (ص 260).