الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوفود بعد نزول قوله تعالى إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا فلم تتناول الآية حرم المدينة ولا مسجدها"
(1)
.
*
مسألة: فإن قيل إن المنع من قربان المسجد الحرام خاص بالمشركين:
قال ابن القيم: "فإن قيل: الله سبحانه إنما منع المشركين من قربان المسجد الحرام ولم يمنع أهل الكتاب منه ولهذا أذن مؤذن النبي يوم الحج الأكبر أنه لا يحج بعد العام مشرك، والمشركون الذين كانوا يحجون هم عبدة الأوثان لا أهل الكتاب فلم يتناولهم المنع.
قيل للناس قولان في دخول أهل الكتاب في لفظ المشركين:
الأول: فابن عمر وغيره كانوا يقولون هم من المشركين، قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: لا أعلم شركًا أعظم من أن يقول المسيح ابن الله وعزيز ابن الله وقد قال تعالى فيهم: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31)} [التوبة: 31].
والثاني: لا يدخلون في لفظ المشركين؛ لأن الله سبحانه جعلهم غيرهم في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} ، قال شيخنا
(2)
: والتحقيق أن أصل دينهم دين التوحيد، فليسوا من المشركين في الأصل والشرك طارئ عليهم فهم منهم باعتبار ما عرض لهم لا باعتبار أصل الدين، فلو قدر أنهم لم يدخلوا في لفظ الآية دخلوا في عمومها المعنوي وهو كونهم
(1)
أحكام أهل الذمة 1/ 187.
(2)
أي شيخه ابن تيمية - رحمهما الله -.
نجسًا، والحكم يعم بعموم علته، فإن قيل فالآية نبهت على دخولهم الحرم عوضًا عن دخول عباد الأوثان فإنه سبحانه قال:{هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} فإنها لما نزلت انقطع عنهم ما كان المشركون يجلبون إليهم من الميرة فأعاضهم الله بالجزية، قيل ليس في هذا ما يدل على دخول أهل الجزية المسجد الحرام بوجه ما، بل تؤخذ منهم الجزية وتحمل إلى من بالمسجد الحرام وغيره - على أن الإغناء من فضل الله وقع بالفتوح والفيء والتجارات التي حملها المسلمون إلى مكة.
فإن قيل: فالآية إنما منعت قربانهم المسجد الحرام خاصة، فمن أين لكم تعميم الحكم للحرم كله؟
قيل: المسجد الحرام يراد به في كتاب الله تعالى ثلاثة أشياء: نفس البيت، والمسجد الذي حوله، والحرم كله:
فالأول: كقوله تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} .
والثاني: كقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} على أنه قد قيل إن المراد به ها هنا الحرم كله، والناس سواء فيه.
والثالث: كقوله: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} وإنما أسرى به من داره من بيت أم هانئ.
وجميع الصحابة والأئمة فهموا من قوله تعالى: {فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} أن المراد مكة كلها والحرم ولم يخص ذلك أحد منهم بنفس المسجد الذي يطاف فيه، ولما نزلت هذه الآية كانت اليهود بخيبر وما حولها ولم