الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذه الثلاثة هي التي أوصى بها لقمان لابنه في قوله تعالى: {يَابُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17)} [لقمان: 17] "
(1)
.
وقال ابن عثيمين رحمه الله: "الصبر ثلاثة أنواع: أعلاها الصبر على طاعة الله، ثم الصبر عن معصية الله، ثم الصبر على أقدار الله.
وهذا الترتيب من حيث هو لا باعتبار من يتعلق به، وإلا يكون الصبر على المعصية أشق على الإنسان من الصبر على الطاعة، إذا فتن الإ نسان مثلًا بامرأة جميلة تدعوه إلى نفسها في مكان خال لا يطلع عليه إلا الله وهو رجل شاب ذو شهوة؛ فالصبر عن هذه المعصية أشق ما يكون على النفوس، قد يصلي الإنسان مائة ركعه وتكون أهون عليه من هذا.
وقد يصاب الإنسان بمصيبة يكون الصبر عليها أشق من الصبر على الطاعة فقد يموت له مثلا قريب أو صديق أو عزيز عليه جدا، فتجده يتحمل من الصبر على هذه المصيبة مشقة عظيمة
…
"
(2)
.
3 - تفاوت درجات الصبر:
قال ابن القيم رحمه الله: "الصبر نوعان: اختياري، واضطراري، والاختياري أكمل من الاضطراري؛ فإن الاضطراري يشترك فيه الناس ويتأتّى ممن لا يتأتى منه الصبر الاختياري.
ولذلك كان صبر يوسف الصديق صلى الله عليه وسلم عن مطاوعة امرأة العزيز، وصبره على ما ناله في ذلك من الحبس والمكروه، أعظم من صبره على ما ناله من إخوته لما ألقوه
(1)
عدة الصابرين ص 46، 47.
(2)
مجموع الفتاوى لابن عثيمين 10/ 690، وانظر القول المفيد ط 1 - 2/ 212.
في الجب وفرقوا بينه وبين أبيه وباعوه بيع العبيد.
وكذلك صبر الخليل رحمه الله، والكليم، وصبر نوح، وصبر المسيح، وصبر خاتم الأنبياء وسيد المرسلين وسيد ولد آدم عليهم الصلاة والسلام كان صبرا على الدعوة إلى الله ومجاهدة أعداء الله؛ ولهذا سماهم الله أولي العزم، وأمر رسوله أن يصبر صبرهم قال تعالى:{فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف: 35]
(1)
.
واعلم أن أجر الصبر في بعض الأعمال أكثر منه في غيره ويعظم الأجر بالصبر على أعظم الأعمال قال ابن تيمية رحمه الله: "فإن أعمال البر كلما عظمت كان الصبر عليها أعظم مما دونهما فإن في العلم والإمارة والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصلاة والحج والصوم والزكاة من الفتن النفسية وغيرها ما ليس في غيرها ويعرض في ذلك ميل النفس إلى الرئاسة والمال والصور فإذا كانت النفس غير قادرة على ذلك لم تطمع فيه كما تطمع مع القدرة فإنها مع القدرة تطلب تلك الأمور المحرمة بخلاف حالها بدون القدرة فإن الصبر مع القدرة جهاد بل هو من أفضل الجهاد وأكمل من ثلاثة أوجه:
أحدها: أن الصبر عن المحرمات أفضل من الصبر على المصائب.
الثاني: أن ترك المحرمات مع القدرة عليها وطلب النفس لها أفضل من تركها بدون ذلك.
الثالث: أن طلب النفس لها إذا كان بسبب أمر ديني كمن خرج لصلاة أو طلب علم أو جهاد فابتلي بما يميل إليه من ذلك فإن صبره على ذلك يتضمن فعل المأمور وترك المحظور بخلاف ما إذا مالت نفسه إلى ذلك بدون عمل صالح"
(2)
.
(1)
عدة الصابرين ص 24.
(2)
مجموع الفتاوى 10/ 576، 577.