الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسئل النووي رحمه الله عن السجود الذي يفعله بعض الناس بين يدي المشايخ ونحوهم ما حكمه: فأجاب عن ذلك بقوله: "هو حرام شديد التحريم"
(1)
وقال كذلك: "إن ذلك حرام قطعا بكل حال سواء كان إلى القبلة أو غيرها وسواء قصد السجود لله تعالى أو غفل. وفي بعض صوره ما يقتضي الكفر عافانا الله تعالى"
(2)
.
وقال ابن القيم: "ومن أنواع الشرك: سجود المريد للشيخ، فإنه شرك من الساجد والمسجود له. والعجب أنهم يقولون: ليس هذا سجود، وإنما هو وضع الرأس قدام الشيخ احتراما وتواضعا. فيقال لهؤلاء: ولو سميتموه ما سميتموه. فحقيقة السجود: وضع الرأس لمن يسجد له. وكذلك السجود للصنم، وللشمس، وللنجم، وللحجر، كله وضع الرأس قدامه"
(3)
.
*
مسألة:
ذكر ابن القيم رحمه الله في "الإغاثة
" على قوله تعالى: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا} [البقرة: 58]، ما نصه: "قال السدي: هو باب من أبواب بيت المقدس، وكذالك قال ابن عباس [رضي الله عنهما] قال: والسجود بمعنى الركوع، وأصل السجود الانحناء لمن تعظِّمه، فكل منحنٍ لشيء تعظيمًا له فهو ساجد له. قاله ابن جرير وغيره.
قلت
(4)
: وعلى هذا فانحناء المتلاقيَين عند سلام أحدهما لصاحبه من السجود المحرم، وفيه نهي صريح عن النبي صلى الله عليه وسلم. انتهى ما ذكره ابن القيم - رحمه الله تعالى"
(5)
.
ويوضح هذا ما ذكره الشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله حيث قال: "وقد أشكل هذا
(1)
فتاوى النووي 76.
(2)
روضة الطالبين 1/ 326.
(3)
مدارج السالكين 1/ 374.
(4)
القائل هو ابن القيم رحمه الله.
(5)
إغاثة اللهفان 2/ 308.
على كثير من الناس، ممن لم يكن له معرفة بمدارك الأحكام، ومعاني الألفاظ، فزعموا: أن ما يفعله المسلمون الآن، من المعانقة من هذا القبيل، وأنه هو هذا الانحناء المحرم الذي ذكره ابن القيم، وليس الأمر كما زعموا، ولا على ما فهموا لوجوه:
أحدها: أن المسلمين لا يقصدون بهذه المعانقة، الانحناء لمن يسلمون عليه تعظيمًا له بذلك، وإنما يقصدون المعانقة المشروعة، وحملهم على ما هو الحق، وما يقصدونه ويتعارفونه، أحسن وأوفق من حملهم على الأمر المحرم، الذي لا يقصدونه ولا يعرفونه، إذ حملهم على هذا من العنت والتحكم.
الوجه الثاني: أن هذا من باب التحية والملاطفة والمحبة والشفقة، بعد الالتقاء من البعد والسفر وغير ذلك، لا من باب التعظيم.
الوجه الثالث: أن الانحناء المحرم الذي عناه ابن القيم، وتكلم فيه أهل العلم هو: الانحناء للمعظم من الناس تعظيمًا له بذلك، من غير مصافحة ولا معانقة كما يفعله أهل الأمصار اليوم للمعظم عندهم، فيقومون له وينحنون له ويعظمونه بذلك، وهذا لا يفعلونه غالبًا إلا للرؤساء.
وأعظم من ذلك وأبلغ في التحريم: ما قد يفعله بعضهم غالبًا مع الانحناء أو بدونه، من رفع يده والإشارة بها إلى محل السجود منه من أنفه وجبهته، وهذا فيه إشارة إلى السجود له، كما يفعله أهل الأمصار اليوم، من الانحناء والإشارة إلى الأنف والجبهة وهو الانحناء المذموم المحرم، الذي عناه ابن القيم رحمه الله، لا ما يفعله المسلمون الآن من المصافحة والمعانقة، ولا يقول هذا إلا جاهل متنطع متشدد، سمع لفظ الانحناء وأنه محرم، وأنه من السجود والتعظيم للمخلوق، فقاس عليه سلام أهل الإسلام، أو ظن أنه هو الذي عناه ابن القيم، وجعل إكبابه عليه للمعانقة انحناء له وتعظيمًا، وهذا باطل كما تقدم بيانه. والله أعلم"
(1)
.
(1)
الدرر السنية 7/ 240، 241.