الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واليمامة، ومخاليف هذه البلاد ولم يخرجهم من الشام، بل لما فتح الشام أقر اليهود والنصارى بالأردن وفلسطين، وغيرهما، كما أقرهم بدمشق وغيرها.
وتربة الشام تخالف تربة الحجاز، كما يوجد الفرق بينهما عند المنحنى الذي يسمى عقبة الصوان. فإن الإنسان يجد تلك التربة مخالفة لهذه التربة كما تختلف تربة الشام ومصر. كما كان دون وادي المنحنى فهو من الشام: مثل معان. وأما العلا، وتبوك، ونحوهما: فهو من أرض الحجاز. والله أعلم"
(1)
.
*
حكم وجود غير المسلمين في جزيرة العرب:
يقول ابن القيم: "قال مالك: أرى أن يجلوا من أرض العرب كلها لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يجتمع دينان في جزيرة العرب .. ". وقال الشافعي: يُمنعون من الحجاز، وهو مكة والمدينة، واليمامة، ومخاليفها وهي قراها"
(2)
.
قال الإمام ابن باز رحمه الله: "فعلى الحكام في جميع أجزاء الجزيرة عليهم جميعا أن يجتهدوا كثيرا في إخراج النصارى والبوذيين والوثنيين والهندوس وغيرهم من الكفرة وألا يستقدموا إلا المسلمين. هذا هو الواجب وهو مبين بيانا جليا في قواعد الشرع الحنيف.
فالمقصود والواجب إخراج الكفار من الجزيرة وأن لا يستعمل فيها إلا المسلمون من بلاد الله، ثم إن عليهم أيضا أن يختاروا من المسلمين، فالمسلمون فيهم من هو مسلم بالادعاء لا بالحقيقة، وعنده من الشر ما عنده، فيجب على من يحتاج إلى مسلمين ليستأجرهم أن يسأل أهل المعرفة حتى لا يستقدم إلا المسلمين الطيبين المعروفين بالمحافظة على الصلاة والاستقامة. أما الكفار فلا أبدًا إلا عند الضرورة الشرعية أي التي يقدرها ولاة الأمر وفق شرع
(1)
مجموعة فتاوى شيخ الإسلام 28/ 630، 631.
(2)
أحكام أهل الذمة 1/ 184.
الإسلام وحده"
(1)
.
وقال رحمه الله: "هذه الجزيرة لا يستقدم لها إلا المسلمون من الرجال والنساء لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بإخراج الكفار منها وأوصى عند موته بذلك، وأن لا يبقى فيها إلا الإسلام فقط. فهي معقل الإسلام وهي منبع الإسلام فلا يجوز أن يستقدم إليها الكفار، فالجزيرة العربية على طولها وعرضها لا يجوز أن يستقدم إليها الكفرة، ولا ينبغي للعاقل أن يغتر بالناس فيما يفعلون من استقدام الكفرة لأن أكثر الخلق لا يتقيدون بحكم الشرع كما قال سبحانه وتعالى:{وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (116)} [الأنعام: 116]. إلا إذا دعت الضرورة إلى ذلك كحاجة المسلمين إلى طبيب اضطروا إليه أو عامل اضطروا إليه يرى ولي الأمر استقدامه لمصلحة المسلمين بصفة مؤقتة؛ فلا حرج في ذلك كما استخدم النبي صلى الله عليه وسلم اليهود في خيبر للضرورة إليهم ثم أجلاهم عمر رضي الله عنه لما استغنى عنهم. وكذلك إذا قدموا لمصلحة المسلمين بغير إقامة كالوافدين لبيع البضائع يرجعون لمدة معلومة وأيام معدودة.
وخلاصة القول أنه لا يجوز استخدام غير المسلمين إلا عند الضرورة القصوى التي يراها ولي الأمر"
(2)
.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "أما قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يجتمع في جزيرة العرب دينان" فالمعنى: لا تقام شعائر الكفر في جزيرة العرب، يعني - مثلًا - لا تُبنى الكنائس ولا يُنادى فيها بالناقوس وما أشبه ذلك -، وليس المعنى أنه لا يتدين أحد من الناس في نفسه بل المراد أنه لا يكون لهم كنائس أو معابد أو بيع كما للمسلمين مساجد.
(1)
مجموع فتاوى سماحة الشيخ ابن باز 2/ 514، 515.
(2)
مجموع فتاوى ابن باز 2/ 522، 523.
وأما قوله: "لأخرجنَّ اليهود والنصارى من جزيرة العرب": فالمراد منها: السكنى.
وأما الأجراء وما أشبه ذلك فلا يدخلون في هذا؛ لأنهم ليسوا قاطنين بل سيخرجون.
وأما إبقاء الرسول صلى الله عليه وسلم يهود خيبر فيها، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يُبقهم إبقاءًا مطلقًا عامًا، بل قال:"نقرّكم فيها ما شئنا"، يعني: إلى أمد.
وهذا الأمد كان لانتهائه سبب وذلك في عهد عمر رضي الله عنه حيث اعتدوا على عبد الله بن عمر وعلى الرجل الذي بات عنده ولم يوفوا بما عليهم فطردهم عمر رضي الله عنه"
(1)
.
وقال رحمه الله لما سئل عن حكم استقدام غير المسلمين إلى الجزيرة العربية: "لكن استقدامهم للحاجة إليهم بحيث لا نجد مسلمًا يقوم بتلك الحاجة جائز بشرط أن لا يُمنحوا إقامة مطلقة"
(2)
.
وقال الشيخ بكر أبو زيد بعد ذكر أحاديث النهي: "فهذه الأحاديث في الصِّحاح نص على أن الأصل شرعًا منع أي كافر - مهما كان دينه أو صفته - من الاستيطان والقرار في جزيرة العرب، وأن هذا الحكم من آخر ما عهده النبي صلى الله عليه وسلم إلى أمته"
(3)
.
ويقول الشيخ صالح الفوزان - حفظه الله -: "ليس معنى (أخرجوهم) أن كل واحد يخرجهم، هذا من صلاحيات ولي الأمر الذي له الحل والعقد"
(4)
.
وهناك إشكالات ينبغي أن يذكر الجواب عنها:
1 -
أن النبي صلى الله عليه وسلم رهن درعه عند يهودي. قال ابن القيم: "وأما رهن النبي درعه
(1)
الباب المفتوح 2/ 368 لقاء 39 سؤال 1055.
(2)
أركان الإسلام ص 187 سؤال 98.
(3)
خصائص جزيرة العرب ص 36.
(4)
الفتاوى الشرعية في القضايا العصرية 230.
عند اليهودي فلعله من اليهود الذين كانوا يقدمون المدينة بالميرة والتجارة من حولها أو من أهل خيبر وإلا فيهود المدينة كانوا ثلاث طوائف بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة فأما بنو قينقاع فحاربهم أولًا ثم من عليهم وأما بنو النضير فأجلاهم إلى خيبر وأجلى بني قينقاع أيضا وقتل بني قريظة وأجلى كل يهودي كان بالمدينة فهذا اليهودي المرتهن الظاهر أنه من أهل العهد قدم المدينة بطعام أو كان ممن لم يحارب فبقي على أمانه فالله أعلم"
(1)
.
2 -
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقر أهل خيبر بها إلى أن قبضه الله وهي من جزيرة العرب قال ابن القيم: "قيل أما إقرار أهل خيبر فإنه لم يقرهم إقرارًا لازمًا بل قال نقركم ما شئنا، وهذا صريح في أنه يجوز للإمام أن يجعل عقد الصلح جائزًا من جهته متى شاء نقضه بعد أن ينبذ إليهم على سواء، فلما أحدثوا ونكثوا أجلاهم عمر رضي الله عنه، فروى البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه لما فدع أهل خيبر عبد الله بن عمر قام عمر خطيبا فقال إن رسول الله كان عامل يهود خيبر على أموالهم وقال نقركم ما أقركم الله تعالى، وإن عبد الله ابن عمر خرج إلى ماله هناك فعدي عليه من الليل ففدعت يداه ورجلاه وليس لنا هناك عدو غيرهم: هم عدونا وتهمتنا وقد رأيت إجلاءهم فلما أجمع عمر رضي الله عنه على ذلك أتاه أحد بني أبي الحقيق فقال: يا أمير المؤمنين أتخرجنا وقد أقرنا محمد وعاملنا على الأموال وشرط ذلك لنا؟ فقال عمر رضي الله عنه: أظننت أني نسيت قول رسول الله: كيف بك إذا خرجت من خيبر تعدو بك قلوصك ليلة بعد ليلة. فقال: كانت هذه هزيلة من أبي القاسم، فقال: كذبت يا عدو الله. قال فأجلاهم عمر رضي الله عنه وأعطاهم قيمة ما كان لهم من الثمر مالًا وإبلًا وعروضًا من أقتاب وحبال وغير ذلك.
(1)
أحكام أهل الذمة 1/ 184.
وفي صحيحه أيضًا عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أتى رسول الله أهل خيبر فقاتلهم حتى ألجأهم إلى قصرهم وغلبهم على الأرض والزرع والنخل، فصالحوه على أن يجلوا منها ولهم ما حملت ركابهم ولرسول الله الصفراء والبيضاء والحلقة وهي السلاح ويخرجون منها، واشترط عليهم ألا يكتموا ولا يغيبوا شيئًا، فإن فعلوا فلا ذمة لهم ولا عهد، فغيبوا مسكًا فيه مال وحلي لحيي بن أخطب كان احتمله معه إلى خيبر حين أجليت النضير. فقال رسول الله لعم حيي - واسمه سعية -: ما فعل مسك حيي الذي جاؤوا به من النضير؟ قال أذهبته النفقات والحروب، فقال العهد قريب والمال أكثر من ذلك، وقد كان حيى قتل قبل ذلك، فدفع رسول الله سعية إلى الزبير فمسه بعذاب فقال: قد رأيت حييًا يطوف في خربة ها هنا، فذهبوا فطافوا فوجدوا المسك في الخربة، فقتل رسول الله ابني أبي الحقيق وأحدهما زوج صفية بنت حيى بن أخطب، وسبى رسول الله ذراريهم وقسم أموالهم بالنكث الذي نكثوا، وأراد أن يجليهم منها فقالوا: يا محمد دعنا نكون في هذه الأرض نصلحها ونقوم عليها، ولم يكن لرسول الله ولا لأصحابه غلمان يقومون عليها، ولا يفرغون أن يقوموا، فأعطاهم خيبر على أن لهم الشطر من كل زرع وتمر ما بدا لرسول الله، وكان عبد الله بن رواحة يأتيهم في كل عام يخرصها عليهم ثم يضمنهم الشطر، فشكوا إلى رسول الله شدة خرصه وأرادوا أن يرشوه، فقال عبد الله: أتطعمونني السحت؟ والله لقد جئتكم من عند أحب الناس إلي، ولأنتم أبغض الناس إلي من عدلكم من القردة والخنازير، ولا يحملني بغضي إياكم وحبي إياه على ألا أعدل عليكم. فقالوا: بهذا قامت السموات والأرض. فكان رسول الله يعطي كل امرأة من نسائه ثمانين وسقًا من تمر كل عام وعشرين وسقًا من شعير فلما كان زمان عمر رضي الله عنه غشوا المسلمين وألقوا ابن عمر من فوق بيت ففدعوا يديه، فقال عمر: من كان له سهم بخيبر فليحضر حتى نقسمها بينهم فقسمها عمر رضي الله عنه بينهم، فقال
رئيسهم: لا تخرجنا، دعنا نكون فيها كما أقرنا رسول الله وأبو بكر، فقال عمر رضي الله عنه لرئيسهم أتراه سقط علي قول رسول الله: كيف بك إذا رقصت بك راحلتك نحو الشام يومًا ثم يومًا ثم يومًا. وقسمها عمر رضي الله عنه بين من كان شهد خيبر من أهل الحديبية"
(1)
.
3 -
إن قيل: كيف استجاز عمر رضي الله عنه إخراج أهل نجران وقد صالحهم النبي صلى الله عليه وسلم؟.
قال ابن القيم: "فإن قيل فأهل نجران كان النبي صلى الله عليه وسلم قد صالحهم وكتب لهم كتاب أمن على أرضهم وأنفسهم وأموالهم فكيف استجاز عمر رضي الله عنه إخراجهم؟ قيل: قد قال أبو عبيد: إنما نرى عمر قد استجاز إخراج أهل نجران وهم أهل صلح لحديث يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم فيهم خاصة يحدثونه عن إبراهيم بن ميمون مولى آل سمرة عن ابن سمرة عن أبيه عن أبي عبيدة بن الجراح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان آخر ما تكلم به أن قال: "أخرجوا اليهود من الحجاز وأخرجوا أهل نجران من جزيرة العرب".
فإن قيل زدتم الأمر إشكالًا! فكيف أمر بإخراجهم وقد عقد معهم الصلح؟
قيل: الصلح كان معهم بشروط، فلم يفوا بها فأمر بإخراجهم، قال أبو عبيد: وإنما نراه قال ذلك لنكث كان منهم أو لأمر أحدثوه بعد الصلح، قال: وذلك بَيِّن في كتاب كتبه عمر رضي الله عنه إليهم قبل إجلائه إياهم، منها حدثنا ابن أبي زائدة عن ابن عون قال: قال لي محمد بن سيرين: انظر كتابًا قرأته عند فلان بن جبير فكلم فيه زياد بن جبير، قال: فكلمته فأعطاني، فإذا في الكتاب: بسم الله الرحمن الرحيم، من عمر أمير المؤمنين إلى أهل رعاش كلهم، سلام عليكم، فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد:
(1)
أحكام أهل الذمة 1/ 181، 182.