الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"تفاؤلًا بالسلامة". وكما كنّوا بالمفازة عن الفلاة المهلكة التي لا ماء فيها، فقالوا:"مفازة تفاؤلا بالفوز من الهلاك".
قال ابن الأنباري: "الطب من الأضداد، ويقال لعلاج الداء: طب، والسحر من الداء، يقال له: طب"
(1)
. قال ابن الأثير: "ومنه الحديث "فلعل طبًا أصابه" أي سحرًا"
(2)
.
وقال ابن حجر: "أخرج أبو عبيدة من مرسل عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: "احجتم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم علي رأسه بقرن حين طب". قال أبو عبيد يعني سحر"
(3)
.
قال الإمام البغوي: "قولها "طب": أي سحر
…
وقيل هو من الأضداد ويقال لعلاج الداء طب، وللسحر طب وهو من أعظم الأدواء"
(4)
.
11 - فائدة:
بيَّن الواقدي السنة التي وقع فيها السحر أخرجه عنه ابن سعد بسند له إلى عمر بن الحكم مرسلًا قال: "لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية في ذي الحجة ودخل المحرم من سنة سبع جاء رؤساء اليهود إلى لبيد بن الأعصم وكان حليفًا في بني زريق وكان ساحرًا فقالوا له: يا أبا الأعصم أنت أسحرنا، وقد سحرنا فلم نصنع شيئًا ونحن نجعل لك جعلًا على أن تسحره لنا سحرا ينكؤه فجعلوا له ثلاثة دنانير"
(5)
.
12 - الرد على من أنكر إصابة الرسول صلى الله عليه وسلم بالسحر:
شكك أقوام في صحة الحديث المذكور بدعوى التشكيك في الثقة بما يوحى إليه وهذا باطل.
(1)
فتح الباري 10/ 228. تيسير العزيز الحميد ص 423. وانظر: الأضداد لابن الأنباري.
(2)
النهاية (ط ب ب).
(3)
فتح الباري 10/ 228، 229.
(4)
شرح السنة للبغوي 12/ 186، 187.
(5)
الفتح 10/ 226.
فإن سحر الرسول صلى الله عليه وسلم لا يحط من شأن رسالته ولا ينفي عصمته.
وفي الفتح: "قال المازري: أنكر بعض المبتدعة هذا الحديث وزعموا أنه يحط منصب النبوة ويشكك فيها، قالوا: وكل ما أدى إلى ذلك فهو باطل وزعموا أن تجويز هذا يعدم الثقة بما شرعوه من الشرائع إذ يحتمل على هذا أن يخيل إليه أنه يرى جبريل وليس هو ثم، وأنه يوحى إليه بشيء ولو يوح إليه بشيء.
وقال أيضًا: وهذا كله مردود لأن الدليل قد قام على صدق النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فيما بلغه، والمعجزات شاهدات بتصديقه، فتجويز ما قام الدليل على خلافه باطل. وأما ما يتعلق ببعض أمور الدنيا التي لم يبعث لأجلها، ولا كانت الرسالة من أجلها فهو في ذلك عرضة لما يعترض البشر كالأمراض، فغير بعيد أن يخيل إليه في أمر من أمور الدنيا ما لا حقيقة له مع عصمته عن مثل ذلك في أمور الدين، قال: وقد قال بعض الناس: إن المراد بالحديث: أنه كان صلى الله عليه وسلم يخيل إليه أنه وطئ زوجاته ولم يكن وطأهن. وهذا كثيرا ما يقع تخيله للإنسان في المنام، فلا يبعد أن يخيل إليه في اليقظة.
وقال ابن حجر: "وهذا قد ورد صريحًا في رواية ابن عيينة ولفظه: حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن"
(1)
.
وقال القاضي عياض: "والسحر مرض من الأمراض، وعارض من العلل، يجوز عليه صلى الله عليه وسلم، كأنواع الأمراض مما لا ينكر ولا يقدح في نبوته، وأما كونه يخيل إليه أنه فعل الشيء ولم يفعله، فليس في هذا ما يدخل عليه داخلة في شيء من صدقه، لقيام الدليل والإجماع على عصمته من هذا، وإنما هذا فيما يجوز طُرُوُّه عليه في أمر دنياه التي لم يبعث لسببها، ولا فضّل من أجلها، وهو فيها عرضة للآفات كسائر البشر، فغير بعيد أنه يخيّل إليه من أمورها ما لا حقيقة له، ثم ينجلي عنه كما كان"
(2)
.
(1)
فتح الباري 10/ 226، 227.
(2)
الطب النبوي لابن القيم ص 124. وللاستزادة انظر: مسائل الإمام أحمد في العقيدة 2/ 104 والآثار الواردة في سير أعلام النبلاء د. جمال بن أحمد 1/ 190.