الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5 - الأمور التي يقع فيها الرياء:
الأمور التي يقع فيها الرياء كثيرة، لكنها كلها تدور ضمن خمسة أقسام، هي مجامع ما يتزيّن به العبد للناس، كما يقول أبو حامد الغزالي
(1)
، وهي:"البدن، والزيّ، والقول، والعمل، والاتباع".
قال ابن جزي في القوانين الفقهية: "وما يتعلق بالرياء تسميع الناس بالعمل والتزين للناس بإظهار الخير في القول أو في الفعل أو في اللباس أو غير ذلك"
(2)
.
فأما الرياء بالبدن: فيفعل ما يوهم شدة الاجتهاد في العبادة، والسهر، وقيام الليل، وكل ذلك لتحصيل الثناء من الخلق.
وأما الرياء بالزِّي والهَيئَة: فيكون بعدة أمور منها لبس خشن الثياب ولبس الصوف لإظهار التزهد وكسب ثناء الناس بإظهار أنه متبع للسنة، وينبغي أن يفرق بين من فعل ذلك بقصد الاتباع، وبين أن يفعل ذلك بقصد إظهار الاتباع، فالأول محمود يثاب فاعله، والثاني مذموم آثم صاحبه لأنه أراد بعمله مراءاة الخلق. نسأل الله السلامة.
والرياء بالقول كثير يصعب حصر أنواعه، فيكون بأمور:
كالوعظ، والتذكير، وإظهار الغزارة في العلم، ليقال عالم، أو ليعرف الناس عنه ذلك، وأنه حريص على وعظ الناس وتذكيرهم، فأصبح مقصده أن يعرف الناس عنه ذلك ليحصل ثناءهم وتوفيرهم، وهذا هو الرياء.
كما تكون المراءاة بقراءة القرآن ورفع الصوت به، وتسميع الناس به ليقال قارئ، ويثنى عليه بذلك.
وهذا الصنف من أول من يقضى عليهم يوم القيامة، ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه:
(1)
الإحياء 3/ 390. وانظر: مختصر منهاج القاصدين ص 215، 216.
(2)
القوانين الفقهية 285.
"إن أول الناس يُقضى يوم القيامة عليه رجلٌ استُشهد فأُتي به فعرّفه نعمته فعَرَفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت. قال: كذبت، ولكنك قاتلت لأن يقال: جريء، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار. ورجل تعلّم العلم وعلَّمه، وقرأ القرآن، فأتي به، فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلَّمت العلم وعلّمته، وقرأت فيك القرآن. قال كذبن ولكنك تعلمت ليقال: عالم، وقرأت القرآن ليقال هو قارئٌ، فقد قيل، ثم أُمِر به فسُحِب على وجهه حتى ألقي في النار
…
"
(1)
.
قال ابن تيمية رحمه الله: "ومنهم من يرفع غيره رياء فيرفع نفسه فيقول: لو دعوت البارحة في صلاتي لفلان لما بلغني عنه كيت وكيت؛ ليرفع نفسه ويضعه عند من يعتقده أو يقول فلان بليد الذهن قليل الفهم وقصده مدح نفسه وإثبات معرفته وإنه أفضل منه"
(2)
.
وقال ابن رجب رحمه الله في شرح حديث ما ذئبان جائعان: "وها هنا نكتة دقيقة وهي أن الإنسان قد يذم نفسه بين الناس يريد بذلك أن يرى الناس أنه متواضع عند نفسه، فيرتفع بذلك ويمدحونه به، وهذا من دقائق أبواب الرياء، وقد نبه عليه السلف الصالح، قال مطرف بن عبد الله بن الشخير: كفى بالنفس إطراء أن تذمها على الملأ كأنك تريد بذمها زينتها، وذلك عند الله سفه"
(3)
.
أما الرياء بالعمل: فصوره كثيرة، كمراءاة المصلي بطول القيام، ومد الظهر، وإطالة السجود، والركوع، وإظهار الخشوع في الصلاة، وتصنع ذلك، لملاحظة العباد له.
(1)
أخرجه مسلم (1905).
(2)
مجموع الفتاوى 28/ 237.
(3)
مجموع رسائل الحافظ الإمام ابن رجب ص 91.