الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
108 - الحب في الله والبغض فيه
*
الولاية والبراء - المحبة
أصل من أصول الإيمان بل هو رأس الإيمان، وهو أن تحب في الله وتبغض فيه، تحب أنبياءه ورسله وعباده الصالحين، وتبغض أعداءه وأعداء رسله أجمعين، وكما أن الحب في الله أمر عظيم وجليل فكذلك البغض فيه لا بد أن يقارن الحبَّ في الله. قال الشيخ سليمان بن عبد الله: "وكيف يدعي رجل محبة الله، وهو يحب أعداءه الذين ظاهروا الشيطان على ربهم، واتخذوه وليًا من دون الله كما قيل:
تحب عدوي ثم تزعم أنني
…
صديقُك إن الودَّ عنك لعازبُ"
(1)
.
وقال الشيخ السعدي رحمه الله: "وأما من يزعم أنه يؤمن بالله واليوم الآخر وهو مع ذلك مُوادٌّ لأعداء الله مُحبٌّ لمن نبذ الإيمان وراء ظهره، فإن هذا إيمان زعميٌ، لا حقيقة له، فإن كل أمر لابد له من برهان تصدقه فمجرد الدعوى لا تفيد شيئًا، ولا يصدق صاحبها"
(2)
.
فالحب في الله والبغض في الله من لوازم كلمة التوحيد كما قال ابن رجب: "فإن تحقق القلب بمعنى "لا إله إلا الله" وصدقه فيه، وإخلاصه بها يقتضي أن يرسخَ فيه تألُّهُ الله وحده إجلالًا وهيبةً، ومخافةً ومحبةً، ورجاءً وتعظيمًا وتوكلًا، ويمتلئ بذلك، وينتفي عنه تألُّه ما سواه من المخلوقين، ومتى كان كذلك، لم يبقَ فيه محبةٌ
* التمهيد لابن عبد البر 17/ 421، 21/ 124، 133. أوثق عرى الإيمان للشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ. شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 5/ 297،281، 308. الإمام المروزي وجهوده في توضيح العقيدة للنفيعي 1/ 205، 213 وانظر مراجع الولاء والبراء والمحبة.
(1)
أوثق عرى الإيمان ص 27.
(2)
تفسير السعدي لسورة المجادلة، الآية 22.
ولا إرادةٌ ولا طلبٌ لغير ما يريده الله ويحبه ويطلبه، فتبيَّن بهذا أنه لا يصح تحقيق معنى قول: لا إله إلا الله، إلا لمن لم يكن في قلبه إصرارٌ على محبة ما يكرهه الله، ولا على إرادة ما لا يُريده الله، ومتى كان في القلب شيء من ذلك، كان ذلك نقصًا في التوحيد، وهو من نوع الشرك الخفي، ولهذا قال مجاهد في قوله تعالى:{أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا}
(1)
[الأنعام: 151] قال: لا تحبوا غيري"
(2)
.
قال ابن تيمية: "فحقيقة المحبة لا تتم إلا بموالاة المحبوب، وهو موافقته في حبه ما يحب وبغض ما يبغض. والله يحب الإيمان والتقوى ويبغض الفسوق والعصيان"
(3)
.
* الدليل من الكتاب: قال الله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة:71]، وقال تعالى:{لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22)} [المجادلة: 22]، وقال تعالى:{وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9]، وقال تعالى:{الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67)} [الزخرف: 67]، وقال تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي
(1)
في الأصل: لا تشركوا بي شيئًا والتصويب منقول من نسخ أخرى محققة لجامع العلوم والحكم: تحقيق أحمد إسبر ص 260، وتحقيق محمد الأحمد ص 338.
(2)
جامع العلوم والحكم 1/ 524، 525.
(3)
العبودية ص: 28.
إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة:4]، وقال تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (9)} [التحريم: 9].
* الدليل من السنة: عن البراء بن عازب قال: "كنا جلوسًا النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "أي عرى الإيمان أوثق "؟ قالوا: الصلاة، قال: "حسنة، وما هي بها". قالوا: الزكاة، قال:"حسنة، وما هي بها". قالوا: الصيام، قال:"حسن، وما به". قالوا: الحج، قال:"حسن، وما هو به". قالوا: الجهاد، قال:"حسن، وما به". قال: "إن أوثق عرى الإيمان ان تحب في الله وتبغض في الله""
(1)
.
وعن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الأعمال الحب في الله، والبغض في الله"
(2)
.
وعن سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أعطى لله، ومنع الله، وأحب لله، وأبغض لله، وأنكح لله، فقد استكمل إيمانه"
(3)
.
وروى ابن عباس رضي الله عنهما من حديث طويل أن من دعائه صلى الله عليه وسلم: "اللهم اجعلنا هادين مهتدين، غير ضالين ولا مضلين، سلما لأوليائك وعدوا لأعدائك، نحب بحبك من أحبك، ونعادي بعداوتك من خالفك"
(4)
.
وروى الإمام أحمد في مسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قضى صلاته أقبل إلى الناس بوجهه فقال: "يا أيها الناس اسمعوا واعقلوا، واعملوا أن الله عز وجل عبادا ليسوا بأنبياء
(1)
مسند الإمام أحمد (18723).
(2)
أخرجه أبو داود (4599) والإمام أحمد (15723).
(3)
أخرجه الترمذي (2521). والإمام أحمد (15723).
(4)
سنن الترمذي (3419).
ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء على مجالسهم وقربهم من الله" فجاء رجل من الأعراب من قاصية الناس وألوى بيده إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله ناس من الناس ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء على مجالسهم وقربهم من الله، أنعتهم لنا - يعني صفهم لنا - فسر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لسؤال الأعرابي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هم ناس من أفناء الناس ونوازع القبائل لم تصل بينهم أرحام متقاربة تحابوا في الله وتصافوا، يضع الله لهم يوم القيامة منابر من نور، فيجلسهم عليها، فيجعل وجوههم نورًا، وثيابهم نورًا، يفزع الناس يوم القيامة ولا يفزعون، وهم أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون"
(1)
.
وروى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي، اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي"
(2)
.
وعن الزبير بن العوام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "دب إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد والبغضاء، والبغضاء هي الحالقة: لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين، والذي نفس محمد بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أنبئكم بما يثبت ذلك لكم؟ أفشوا السلام بينكم"
(3)
.
وروى مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله متى الساعة؟ قال: "ما أعددت للساعة"؟ قال: حب الله ورسوله. قال: "إنك مع من أحببت". قال أنس: فما فرحنا، بعد الإسلام فرحا أشد
(1)
مسند الإمام أحمد (23294).
(2)
صحيح مسلم (2566).
(3)
أخرجه الترمذي (2510). والإمام أحمد (1420).