الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
139 - زيارة الْقبور
*
الزيارة من الزَّور والزَّور: أعلى الصدر.
وزرت فلانًا: تلقيته بزوري أي بصدري، أو قصدت زوره أي صدره، وزاره يزوره زورًا وزيارة أي عاده
(1)
.
والزيارة: معناها هنا قصد زيارة القبر الخروج إلى المنابر.
أحكام وفوائد:
1 - زيارة المقابر تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
زيارة بدعية وشركية وشرعية، وتفصيلها كما يلي:
1 -
زيارة بدعية: وهي التي يشد الرحل إليها أو يصاحبها هجر أو غير ذلك من
* التمهيد لابن عبد البر 3/ 20، 225/ 239 - 242. الاستذكار لابن عبد البر 2/ 160. شرح السنة للبغوي 5/ 462. المصنف لابن أبي شيبة 3/ 29. المحلى بالآثار لابن حزم 3/ 388. اقتضاء الصراط المستقيم 2/ 664 - 761. قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة 76/ 91/ 414. أحكام القرآن القرطبي 20/ 171. إغاثة اللهفان 1/ 202. الدين الخالص لصديق حسن القنوجي 1/ 310، 3/ 643 - 4/ 11. أجوبة المسائل الثمان في السنة والبدعة والكفر والإيمان للعلامة محمد المعصومي 55 - 56 وما بعدها. أحكام الجنائز للألباني. تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد. القول المفيد لابن عثيمين ط 1 - 1/ 435 ومن المجموع 9/ 424. معارج القبول 11/ 388. القول السديد لابن سعدي المجموعة 3/ 27. الدرر السنية 5/ 159، 10/ 281، 11/ 113، نور على الدرب لابن باز 166/ 294. مجموع الفتاوى لابن عثيمين 2/ 244. شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 6/ 151، 157. المسائل والرسائل المرورية عن الإمام أحمد في العقيدة الأحمدي 2/ 184. منهج الشافعي في إثبات العقيدة 264. الشيخ السعدي وجهوده في توضيح العقيدة العباد ص 191. جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية ص 1585، 1591. مباحث العقيدة في سورة الزمر ص 206. التبرك د: ناصر الجديع 318، 320.
(1)
مفردات القرآن (ز و ر)، لسان العرب (ز و ر).
البدع كاتخاذها أعيادًا والعكوف عندها، والطواف بها وهي إما بدع كفرية مخرجة من الملة أو هي وسائل للشرك أو بدع محدثة
(1)
.
قال ابن القيم: "فبدَّل أهل البدع والشرك قولا غير الذي قيل لهم: بدلوا الدعاء للميت بدعائه لنفسه، والشفاعة له بالاستشفاع به. وقصدوا بالزيارة التي شرعها رسول الله صلى الله عليه وسلم إحسانًا إلى الميت وإحسانا إلى الزائر، وتذكيرا بالآخرة، سؤال الميت، والإقسام به على الله، وتخصيص تلك البقعة بالدعاء الذي هو مخ العبادة، وحضور القلب عندها وخشوعه أعظم منه في المساجد، وأوقات الأسحار"
(2)
.
2 -
زيارة شركية: وهي التي وقع صاحبها في نوع من أنواع الشرك بالله كدعاء غير الله أو الذبح للقبور أو النذر لهم أو الاستغاثة بهم أو الاستعانة بهم أو الاستعاذة بهم.
قال ابن القيم رحمه الله: "وأما الزيارة الشركية: فأصلها مأخوذة عن عباد الأصنام. قالوا الميت المعظم، الذي لروحه قربٌ ومنزلةٌ ومزيةٌ عند الله تعالى، لا يزال تأتيه الألطاف من الله تعالى، وتفيض على روحه الخيرات. فإذا علَّق الزائر روحه به، وأدناها منه، فاض من روح المزور على روح الزائر من تلك الألطاف بواسطتها. كما ينعكس الشعاع من المرآة الصافية والماء ونحوه على الجسم المقابل له.
قالوا: فتمام الزيارة أن يتوجه الزائر بروحه وقلبه إلى الميت، ويعكف بهمته عليه، ويوجه قصده كله وإقباله عليه، بحيث لا يبقي فيه التفات إلى غيره. وكلما كان جمع الهمة والقلب عليه أعظم، كان أقرب إلى انتفاعه به.
وقد ذكر هذه الزيارة على هذا الوجه ابن سينا والفارابي وغيرهما. وصرح بها عباد الكواكب في عبادتها.
(1)
انظر مجموع الفتاوى 1/ 235 - 303 - 355 وكتاب أحكام الجنائز 258 - 267 ففيه مجمل لأنواع البدع.
(2)
إغاثة اللهفان 1/ 202.
وقالوا: إذا تعلقت النفس الناطقة بالأرواح العلوية. فاض عليها منها النور. وبهذا السر عبدت الكواكب، واتخذت لها الهياكل، وصنفت لها الدعوات، واتخذت الأصنام المجسدة لها. وهذا بعينه هو الذي أوجب لعباد القبور اتخاذها أعيادا، وتعليق الستور عليها، وإيقاد السرج عليها، وبناء المساجد عليها. وهو الذي قصد رسول الله صلى الله عليه وسلم إبطاله ومحوه بالكلية، وسد الذرائع المفضية إليه. فوقف المشركون في طريقه، وناقضوه في قصده. وكان صلى الله عليه وسلم في شق، وهؤلاء في شق.
وهذا الذي ذكره هؤلاء المشركون في زيارة القبور: هو: الشفاعة التي ظنوا أن آلهتهم تنفعهم بها وتشفع لهم عند الله تعالى.
قالوا: فإن العبد إذا تعلقت روحه بروح الوجيه المغرب عند الله، وتوجه بهمته إليه، وعكف بقلبه عليه. وصار بينه وبينه اتصال. يفيض به عليه منه نصيب مما يحصل له من الله وشبهوا ذلك بمن يخدم ذا جاهٍ وحظوة وقُربٍ من السلطان. فهو شديد التعلق به فما يحصل لذلك من السلطان من الإنعام والإفضال ينال ذلك المتعلق به بحسب تعلقه به.
فهذا سر عبادة الأصنام. وهو الذي بعث الله رسله، وأنزل كتبه بإبطاله، وتكفير أصحابه، ولعنهم. وأباح دماءهم وأموالهم، وسبي ذراريهم. وأوجب لهم النار. والقرآن من أوله إلى آخره مملوء من الرد على أهله، وإبطال مذهبهم"
(1)
.
3 -
زيارة شرعية: وهي التي شرعها الإسلام بالشرطين التاليين:
أ - أن لا يشد الرحال إليها.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ الله: "لا تَشُدُّوا الرِّحَالَ إلَّا إلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِي هَذَا، وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَالْمَسْجِدِ الأقصَى"
(2)
.
(1)
إغاثة اللهفان 1/ 219.
(2)
أخرجه مسلم (827) بهذا اللفظ، وأخرجه البخاري (1995، 1197) بلفظ (لا تشدوا).
ب - أن لا يقول الزائر هجرًا.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله: "إني نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، فإن فيها عبرة"
(1)
. وفي رواية: "فزوروها ولا تقولوا ما يسخط الرب"
(2)
.
وعن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، ولا تقولوا هُجرًا"
(3)
.
قال مالك: "يعني: لا تقولوا سوءًا"
(4)
.
وقال ابن الأثير: "أي فحشا يقال أهجر في منطقِهِ يُهجَر إهجارًا إذا أفحش وكذلك إذا أكثر الكلام فيما لا ينبغي"
(5)
.
وقال المناوي: " (هجرًا) بالضم أي: قبيحًا أو فحشًا"
(6)
.
وعن سبب نهيه صلى الله عليه وسلم عن زيارة القبور يقول المناوي: "لحدثان عهدكم بالكفر، وأما الآن حيث انمحت آثار الجاهلية واستحكم الإسلام وصرتم أهل يقين وتقوى (فزوروا القبور) أي بشرط أن لا يقترن بذلك تمسح بالقبر أو تقبيل أو سجود عليه أو نحو ذلك"
(7)
.
وقال الألباني: "ولا يخفى أن ما يفعله العامة وغيرهم عند الزيارة من دعاء الميت والاستغاثة به وسؤال الله بحقه، لهو من أكبر الهجر والقول الباطل، فعلى العلماء أن يبينوا لهم حكم الله في ذلك؛ ويفهموهم الزيارة المشروعة والغاية منها"
(8)
.
(1)
أخرجه الإمام أحمد (11349)(23346)(23391).
(2)
أخرجه البزار كما في مجمع الزوائد 3/ 58 وقال: وإسناد رجاله رجال الصحيح.
(3)
أخرجه الإمام أحمد في المسند (1162)، والنسائي في الكبرى 1/ 654، ومالك في الموطأ 2/ 485، وهو في المستدرك 1/ 532، 6/ 321، وفي المجمع للهيثمي 3/ 58، 59.
(4)
الموطأ 2/ 485.
(5)
النهاية لابن الأثير (هـ ج ر).
(6)
فيض القدير 5/ 71.
(7)
فيض القدير 5/ 71.
(8)
أحكام الجنائز ص 179.
وقال الصنعاني رحمه الله بعد أن ذكر أحاديث الإذن بزيارة القبور: "والكل دال على مشروعية زيارة القبور وبيان الحكمة فيها وأنها للاعتبار فإنه في لفظ حديث ابن مسعود: "فإنها عبرة وذكر للآخرة والتزهيد في الدنيا" فإذا خلت من هذه لم تكن مرادة شرعًا"
(1)
.
وقال ابن القيم رحمه الله: "أما زيارة الموحدين: فمقصودها ثلاثة أشياء:
أحدها: تذكر الآخرة، والاعتبار، والاتعاظ. وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك بقوله:"زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة"
(2)
.
الثاني: الإحسان إلى الميت، وأن لا يطول عهده به، فيهجره، ويتناساه، كما إذا ترك زيارة الحي مدة طويلة تناساه، فإذا زار الحي فرح بزيارته وسرّ بذلك، فالميت أولى. لأنه قد صار في دار قد هجر أهلها إخوانهم وأهلهم ومعارفهم، فإذا زاره وأهدى إليه هدية: من دعاء، أو صدقة، أو أهدى قُربة. ازداد بذلك سروره وفرحه، كما يسر الحي بمن يزوره ويهدي له. ولهذا شرع النبي للزائرين أن يدعوا لأهل القبور بالمغفرة والرحمة وسؤال العافية، فقط، ولم يشرع أن يدعوهم، ولا أن يدعوا بهم، ولا يصلّى عندهم.
الثالث: إحسان الزائر إلى نفسه باتباع السنة، والوقوف عند ما شرعه الرسول صلى الله عليه وسلم، فيحسن إلى نفسه وإلى المزور"
(3)
.
وقسَّم ابن سعدي زيارة القبور إلى نوعين: مشروع وممنوع، فقال رحمه الله: "أما المشروع فهو ما شرعه الشارع من زيارة القبور على الوجه الشرعي من غير شد رحل، يزورها المسلم متبعا للسنة فيدعو لأهلها عموما ولأقاربه ومعارفه خصوصًا، فيكون محسنا إليهم بالدعاء لهم وطلب العفو والمغفرة والرحمة لهم،
(1)
سبل السلام 2/ 578.
(2)
أخرجه ابن ماجه عن ابن مسعود بلفظ: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروا القبور فإنها تزهد في الدنيا وتذكر الآخرة". (1571) ورواه أيضا عن أبي هريرة يرفعه بلفظ:" زوروا القبور فإنها تذكر الموت"(1569).
(3)
إغاثة اللهفان 1/ 218.