الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
معنى حديث الشؤم في ثلاث:
قال النووي رحمه الله: "اختلف العلماء في هذا الحديث فقال مالك وطائفة: هو على ظاهره، وأن الدار قد يجعل الله تعالى سكناها سببا للضرر أو الهلاك، وكذا اتخاذ المرأة المعينة، أو الفرس أو الخادم، قد يحصل الهلاك عنده بقضاء الله تعالى ومعناه قد يحصل الشؤم في هذه الثلاثة كما صرح به في رواية "إن يكن الشؤم في شيء". وقال الخطابي وكثيرون، هو في معنى الاستثناء من الطيرة أي الطيرة منهي عنها إلا أن يكون له دار يكره سكناها أو امرأة يكره صحبتها أو خادم أو فرس فليفارق الجميع بالبيع ونحوه وطلاق المرأة".
وقال آخرون: شؤم الدار ضيقها، وسوء جيرانها وأذاهم. وشؤم المرأة عدم ولادتها، وسلاطة لسانها وتعرضها للريب. وشؤم الفرس أن لا يغزى عليها
(1)
.
وقيل: حِرانها، وغلاء ثمنها. وشؤم الخادم سوء خلقه، وقلة تعهده لما فوض إليه.
وقيل المراد بالشؤم في الحديث أي عدم الموافقة
…
قال القاضي عياض: قال بعض العلماء: "الجامع لهذه الفضول السابقة في الأحاديث، ثلاثة أقسام:
أحدها: ما لم يقع الضرر به، ولا اطردت له عادة خاصة ولا عامة فهذا لا يلتفت إليه وأنكر الشرع الالتفات إليه، وهو الطيرة.
الثاني: ما يقع عنده الضرر عموما لا يخصه، ونادرا لا يتكرر كالوباء فلا يقدم عليه ولا يخرج منه.
الثالث: ما يخص ولا يعم، كالدار، والفرس، والمرأة، فهذا يباح الفرار منه"
(2)
.
قال في جامع الأصول: ""إن كان الشؤم في شيء" يعني: إن كان ما يكره ويخاف
(1)
انظر: أيضًا النهاية (ش وم).
(2)
النووي شرح صحيح مسلم 14/ 220 - 222.
عاقبته: ففي هذه الثلاثة، وتخصيصه المرأة والفرس والربع
(1)
والدار لأنَّهُ لما أبطل مذهب العرب في التطير بالسوانح والبوارح من الطير والظباء ونحو ذلك قال: فإن كان لأحدكم دار يكره سكناها أو امرأة يكره صحبتها أو فرس لا يعجبه ارتباطه: فليفارقها، بأن ينتقل عن الدار ويبيع الفرس ويطلق الزوجة، وكان محل هذا الكلام محل استثناء الشيء من غير جنسه، وسبيله سبيل الخروج من كلام إلى غيره"
(2)
.
وقال القرطبي: "ولا يظن به أنه يحمل على ما كانت الجاهلية تعتقده، بناء علي أن ذلك يضر وينفع بذاته فإن ذلك خطأ، وإنما عنى أن هذه الأشياء هي أكثر ما يتطير به الناس، فمن وقع في نفسه منها شيء أبيح له أن يتركه، ويستبدل به غيره"
(3)
.
وقال ابن القيم: "وقالت طائفة أخرى: الشؤم في هذه الثلاثة إنما يلحق من تشاءم بها وتطيّر بها، فيكون شؤمها عليه ومن توكل على الله ولم يتشاءم ولم يتطير لم تكن مشئومة عليه قالوا ويدل عليه حديث أنس: "الطيرة على تطير"
(4)
"
(5)
.
وأحسن الأقوال في ذلك وأرجحها ما قرره ابن القيم
(6)
وابن رجب ونصره الشيخ سليمان بن عبد الله في تيسير العزيز الحميد وتتابع عليه الشراح بعده حيث قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن: "قد يظن بعض الناس أن هذا الحديث، وما في معناه يدل على جواز الطيرة، لقوله صلى الله عليه وسلم: "الشؤم في ثلاث، المرأة والدابة والدار". ونحو هذا والأمر ليس كذلك، فقد قال ابن القيم رحمه الله: إخباره صلى الله عليه وسلم بالشؤم في هذه
(1)
ورد رواية عند مسلم في آخر باب الطيرة بلفظ: (الربع والخادم والفرس). شرح النووي 14/ 222. قال في النهاية: (الرَّبع: المنزل ودار الإقامة) (النهاية: ربع).
(2)
جامع الأصول: 7/ 633.
(3)
فتح الباري 6/ 61.
(4)
أخرجه ابن حبان أفاده الحافظ ابن حجر وقال: "في صحته نظر، لأنَّهُ من رواية عتبة بن حميد عن عبيد الله بن أبي بكر عن أنس، قال: وعتبة مختلف فيه". فتح الباري 6/ 74.
(5)
مفتاح دار السعادة 2/ 256.
(6)
مفتاح دار السعادة 2/ 257.
الثلاثة ليس فيها إثبات الطيرة التي نفاها الله، وإنما غايته أنه سبحانه قد يخلق منها أعيانا مشئومة علي من قربها وسكنها، وأعيانا مباركة لا يلحق من قاربها منها شؤم ولا شر هذا كما يعطي سبحانه الوالدين ولدا مباركا، يريان الخير على وجهه، ويعطي غيرهما ولدا مشئوما يريان الشر علي وجهه، وكذلك ما يعطاه العبد من ولاية وغيرها فكذلك الدار، والمرأة، والفرس والله سبحانه خالق الخير والشر، والسعود والنحوس، فيخلق بعض هذه الأعيان سعودًا مباركة، ويقضى بسعادة من قاربها وحصول اليمن والبركة له"
(1)
.
وقال ابن رجب رحمه الله: "والتحقيق أن يقال في إثبات الشؤم في هذه الثلاث
…
إن هذه الثلاث أسباب يقدر الله تعالى بها الشؤم واليمن ويقرنه بها، ولهذا يشرع لمن استفاد زوجة أو أمة أو دابة أن يسأل الله تعالى من خيرها وخير ما جُبلت عليه ويستعيذ به من شرها وشر ما جبلت عليه كما في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم خرجه أبو داود وغيره وكذا ينبغي لمن سكن دارًا أن يفعل ذلك وقد أمر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قوما سكنوا دارا فقلَّ عددهم وقلَّ مالهم أن يتركوها ذميمة. فترك ما لا يجد الإنسان فيه بركة من دار أو زوجة أو دابة غير منهي عنه
…
"
(2)
.
وقال الشيخ سليمان بن عبد الله: "ولكن يبقى علي هذا أن يقال: هذا جار في كل مشؤوم فما وجه خصوصية هذه الثلاثة بالذكر؟.
وجوابه: أن أكثر ما يقع التطير في هذه الثلاثة فخُصّت بالذكر لذلك ذكره في شرح السنن"
(3)
.
(1)
فتح المجيد 309 انظر تيسير العزيز الحميد 430. للاستزادة انظر باب (الطيرة).
(2)
لطائف المعارف 150 وانظر الدرر السنية 10/ 346.
(3)
تيسير العزيز الحميد ص 463.