الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِيكَ فَأَخَذْتُ الْمِغْوَلَ فَوَضَعْتُهُ فِي بَطْنِهَا وَاتَّكَأْتُ عَلَيْهَا حَتَّى قتلْتُهَا فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "أَلَا اشْهَدُوا أَنَّ دَمَهَا هَدَرٌ""
(1)
.
قال الخطابي رحمه الله عند شرحه لهذا الحديث: "وفيه بيان أن ساب النبي صلى الله عليه وسلم مقتول "مهدر الدم"، وذلك أن السب منها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ارتداد عن الدين، ولا أعلم أحدًا من المسلمين اختلف في وجوب قتله"
(2)
.
أحكام وفوائد:
1 - الفرق بين سب الله وسب رسوله صلى الله عليه وسلم
-:
قال الخطابي: "ويحكي عن مالك أنه كان لا يرى لمن سب النبي صلى الله عليه وسلم توبة، ويقبل توبة من ذكر الله سبحانه بسب أو شتم ويكف عنه، وأخبرني بعض أهل العلم من أهل الأندلس أن هذه القضية جارية فيما بينهم وأن أمراءهم والقضاة يحكمون بها علي من فعل ذلك، وربما بقي أسراء الروم في أيديهم فيطول مقامهم بينهم فيطلبون الخلاص بالموت فيجاهرون بشتم النبي صلى الله عليه وسلم فعند ذلك لا ينهون أن يقتلوا، والغالب علي بلاد الأندلس ونواحي الغرب رأي مالك"
(3)
.
قال ابن تيمية رحمه الله: "ومن فرَّق بين سب الله وسب الرسول قالوا: سب الله تعالى كفر محض وهو حق لله وتوبة من لم يصدر منه إلا مجرد الكفر الأصلي أو الطارئ مقبولة مسقطة للقتل بالإجماع
…
فإن الرجل لو أتي من الكفر والمعاصي بملء الأرض ثم تاب تاب الله عليه وهو سبحانه لا تلحقه بالسب غضاضة ولا معرة وإنما يعود ضرر السب علي قائله، وحرمته في قلوب العباد أعظم من أن تنتهكها جرأة الساب، وبهذا يظهر الفرق بينه وبين الرسول فإن السب هناك قد
(1)
أبو داود (4361)، والنسائي (4075).
(2)
معالم السنن 3/ 296.
(3)
معالم السنن 2/ 281، 282.
تعلق به حق آدمي والعقوبة الواجبة لآدمي لا تسقط بالتوبة والرسول تلحقه المعرة والغضاضة بالسب فلا تقوم حرمته، ولا تثبت في القلوب مكانته إلا باصطلام سابه لما أن هجوه وشتمه ينقص من حرمته عند كثير من الناس فإن لم يحفظ هذا الحمى بعقوبة المنتهك وإلا أفضي الأمر إلى الفساد، وهذا الفرق يتوجه بالنظر إلى أن حد سب الرسول حق لآدمي كما يذكره كثير من الأصحاب بالنظر إلى أنه حق لله أيضا فإن ما انتهكه من حرمة الله لا ينجبر إلا بإقامة الحد فأشبه الزاني والسارق والشارب إذا تابوا بعد القدرة عليهم"
(1)
.
وقال الشيخ ابن عثيمين: "
…
سابّ الرسول صلى الله عليه وسلم تقبل توبته ويجب قتله بخلاف من سب الله فإنها تقبل توبته ولا يقتل، لا لأن حق الله دون حق الرسول صلى الله عليه وسلم بل لأن الله أخبرنا بعفوه عن حقه إذا تاب العبد بأنه يغفر الذنوب جميعا، أما ساب الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه يتعلق به أمران:
الأول: أمر شرعي لكونه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن هذا الوجه تقبل توبته إذا تاب.
الثاني: أمر شخصي، لكونه من المرسلين، ومن هذا الوجه يجب قتله لحقه صلى الله عليه وسلم ويقتل بعد توبته علي أنه مسلم، فإذا قتل غسلناه وكفناه وصلينا عليه ودفناه مع المسلمين.
وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وقد ألف كتابا في ذلك اسمه: "الصارم المسلول في حكم قتل ساب الرسول". وذلك لأنه استهان بحق الرسول صلى الله عليه وسلم وكذا لو قذفه فإنه يقتل ولا يجلد.
فإن قيل: أليس قد ثبت أن من الناس من سب الرسول صلى الله عليه وسلم وقبل منه وأطلقه؟
أجيب: بلى هذا صحيح لكن هذا في حياته صلى الله عليه وسلم وقد أسقط حقه، أما بعد موته فلا
(1)
الصارم المسلول ص 547، 548. وفيه زيادة بحث في ذلك ص 546، 564.