الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [لقمان: 12]، وقال:{أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان: 14]، وقال:{وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} [النمل: 19]، وقال عز وجل:{نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ} [القمر: 35]، وقال:{مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا} [النساء: 147] وقال: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7].
*
العلاقة بين الحمد والشكر والمدح:
قال ابن كثير: "قال أبو جعفر بن جرير: "معنى الحمد لله الشكر لله خالصًا دون سائر ما يعبد من دونه ودون كل ما برأ من خلقه بما أنعم على عباده من النعم التي لا يحصيها العدد ولا يحيط بعددها غيره أحد في تصحيح الآلات في طاعته وتمكين جوارح أجسام المكلفين لأداء فرائضه مع ما بسط لهم في دنياهم من الرزق وغذاهم به من نعيم العيش إستحقاق منهم ذلك عليه ومع ما نبههم عليه ودعاهم إليه من الأسباب المؤدية إلى دوام الخلود في دار المقام في النعيم المقيم فلربنا الحمد على ذلك كله أولًا وآخرًا"
(1)
.
وقال ابن جرير رحمه الله: "الحمد لله ثناء أثنى به على نفسه وفي ضمنه أمر عباده أن يثنوا عليه فكأنه قال: قولوا الحمد لله قال: وقد قيل إن قول القائل الحمد لله ثناء عليه بأسمائه الحسنى وصفاته العلا. وقوله: الشكر لله ثناء عليه بنعمه وأياديه"
(2)
.
ثم شرع في رد ذلك بما حاصله أن جميع أهل المعرفة بلسان العرب يوقعون كلا
(1)
انظر تفسير ابن جرير 1/ 60.
(2)
انظر تفسير ابن جرير 1/ 60.
من الحمد والشكر مكان الآخر وقد نقل السلمي هذا المذهب أنهما سواء عن جعفر الصادق وابن عطاء من الصوفية وقال ابن عباس الحمد لله كلمة كل شاكر وقد استدل القرطبي بابن جرير بصحة قول القائل الحمد لله شكرًا وهذا الذي ادعاه ابن جرير فيه نظر لأنه اشتهر عند كثير من العلماء من المتأخرين أن الحمد هو الثناء بالقول على المحمود بصفاته اللازمة والمتعدية والشكر لا يكون إلا على المتعدية ويكون بالجنان واللسان والأركان، كما قال الشاعر:
أفادتكم النعماء مني ثلاثة
…
يدي ولساني والضمير المحجبا
ولكنهم اختلفوا أيها أعم الحمد أو الشكر على قولين والتحقيق أن بينهما عموما وخصوصًا.
فالحمد أعم من الشكر من حيث ما يقعان عليه لأنه يكون على الصفات اللازمة والمتعدية تقول حمدته لفروسيته وحمدته لكرمه وهو أخص لأنه لا يكون إلا بالقول.
والشكر أعم من حيث ما يقعان به لأنه يكون بالقول والفعل والنية كما تقدم وهو أخص لأنه لا يكون إلا على الصفات المتعدية لا يقال شكرته لفروسيته وتقول شكرته على كرمه وإحسانه إلي هذا حاصل ما حرره بعض المتأخرين والله أعلم.
وقال أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري: "الحمد نقيض الذم تقول حمدت الرجل أحمده حمدا ومحمدة فهو حميد ومحمود والتحميد أبلغ من الحمد والحمد أعم من الشكر وقال في الشكر هو الثناء على المحسن بما أو أولاكه من المعروف يقال شكرته وشكرت له وباللام أفصح وأما المدح فهو أعم من الحمد لأنه يكون للحي والميت وللجماد أيضا كما يمدح الطعام والمكان ونحو ذلك ويكون قبل الإحسان وبعده المتعدية واللازمة أيضا فهو أعم"
(1)
.
(1)
تفسير ابن كثير 1/ 22، 23.
قال ابن القيم: "والفرق بينهما: أن الشكر أعم من جهة أنواعه وأسبابه وأخص من جهة متعلقاته، والحمد أعم من جهة المتعلقات وأخص من جهة الأسباب، ومعنى هذا: أن الشكر يكون بالقلب خضوعًا واستكانة، وباللسان ثناء واعترافًا، وبالجوارح طاعة وانقيادًا، ومتعلقة: النعم دون الأوصاف الذاتية، فلا يقال: شكرنا الله على حياته وسمعه وبصره وعلمه، وهو المحمود عليها كما هو محمود على إحسانه وعدله، والشكر يكون على الإحسان والنعم، فكل ما يتعلق به الشكر يتعلق به الحمد من غير عكس، وكل ما يقع به الحمد يقع به الشكر من غير عكس، فإن الشكر يقع بالجوارح والحمد يقع بالقلب واللسان"
(1)
.
وبه تعلم أين يكون الشكر.
قال ابن عثيمين: "الشكر يكون في ثلاثة مواضع:
في القلب: وهو أن يعترف بقلبه أن هذه النعمة من الله، فيرى لله فضلًا عليه بها، قال تعالى:{وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل: 53]، وأعظم نعمة هي نعمة الإسلام، قال تعالى:{يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ} [الحجرات: 17]، وقال تعالى:{لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ} [آل عمران: 164].
اللسان: وهو أن يتحدث بها على وجه الثناء على الله والاعتراف وعدم الجحود، لا على سبيل الفخر والخيلاء والترفع على عباد الله، فيتحدث بالغنى لا ليكسر خاطر الفقير، بل لأجل الثناء على الله، وهذا جائز كما في قصة الأعمى من بني إسرائيل لما ذكرهم الملك بنعمة الله، قال "نعم، كنت أعمى فرد الله علي بصري، وكنت فقيرًا فأعطاني الله المال"، فهذا من باب التحدث بنعمة الله.
(1)
مدارج السالكين 2/ 264.
والنبي صلى الله عليه وسلم تحدث بنعمة الله عليه بالسيادة المطلقة، فقال:"أنا سيد ولد آدم يوم القيامة"
(1)
.
الجوارح: وهو أن يستعملها بطاعة المنعم، وعلى حسب ما يختص بهذه النعمة.
فمثلًا: شكر الله على نعمة العلم: أن تعمل به، وتعلمه الناس.
وشكر الله على نعمة المال: أن تصرفه بطاعة الله، وتنفع الناس به.
وشكر الله على نعمة الطعام: أن تستعمله فيما خلق له، وهو تغذية البدن، فلا تبني من العجين قصرًا مثلًا، فهو لم يخلق لهذا الشيء"
(2)
.
وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "أن ثلاثة من بني إسرائيل، أبرص وأقرع وأعمى
…
الحديث قال الشيخ سليمان بن عبد الله: "وهذا حديث عظيم، وفيه معتبر، فإن الأولين جحدا نعمة الله، فما أقرا لله بنعمته، ولا نسبا النعمة إلى المنعم بها، ولا أديا حق الله، فحل عليهما السخط. وأما الأعمى فاعترف بنعمة الله، ونسبها إلى من أنعم عليه بها، وأدى حق الله فيهما، فاستحق الرضى الله بقيامه بشكر النعمة لما أتى بأركان الشكر الثلاثة التي لا يقوم الشكر إلا بها، وهي: الإقرار بالنعمة ونسبتها إلى المنعم، وبذلها فيما يحب"
(3)
.
وذكر الشيخ ابن عثيمين من فوائد الحديث: "بيان أن شكر كل نعمة بحسبها، فشكر نعمة المال أن يبذل في سبيل الله، وشكر نعمة العلم أن يبذل لمن سأله بلسان الحال أو المقال، والشكر الأعم أن يقوم بطاعة المنعم في كل شيء"
(4)
.
(1)
مسلم: كتاب الفضائل/ باب تفضيل النبي صلى الله عليه وسلم على جميع الخلائق.
(2)
القول المفيد من مجموع الفتاوى لابن عثيمين 10/ 694، 695.
(3)
تيسير العزيز الحميد ص 627، 628، ط. المكتب الإسلامي.
(4)
القول المفيد من مجموع الفتاوى لابن عثيمين 10/ 694، 695.
والشكر من أعلى مراتب العبد:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "إن سنة الله في الأنبياء والمؤمنين أنه يبتليهم بالسَّراء والضراء لينالوا درجة الشكر والصبر
…
"
(1)
.
وقال الإمام ابن القيم: "على حسب صبر العبد وشكره تكون قوة إيمانه وآيات الله إنما ينتفع بها من آمن بالله ولا يتم له الإيمان إلا بالصبر والشكر فإن رأس الشكر التوحيد ورأس الصبر ترك إجابة داعي الهوى، فإذا كان مشركًا متبعًا هواه لم يكن صابرًا ولا شكورًا .. "
(2)
.
وقال ابن عثيمين في بيان موقف العبد حال المصيبة: "الرابعة: الشكر وهو أعلى المراتب وذلك أن يشكر الله على ما أصابه من مصيبة وذلك يكون في عباد الله الشاكرين حين يرى أن هناك مصائب أعظم منها وأن مصائب الدنيا أهون من مصائب الدين، وأن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، وأن هذه المصيبة سبب لتكفير سيئاته وربما لزيادة حسناته شكر الله على ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما يصيب المؤمن من هم ولا غم ولا شيء إلا كفّر له بها حتى الشوكة يشاكها"، كما أنه قد يزداد إيمان المرء بذلك"
(3)
.
فائدة: في قوله: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} [الواقعة: 82].
قال ابن عثيمين: "أكثر المفسرين على أنه على حذف مضاف، أي: أتجعلون شكر رزقكم، أي: ما أعطاكم الله من شيء من المطر ومن إنزال القرآن، أي: تجعلون شكر هذه النعمة العظيمة أن تكذبوا بها، والنبي صلى الله عليه وسلم وإن كان ذكرها في المطر، فإنها تشمل المطر وغيره.
(1)
العقيدة الأصفهانية ص 129.
(2)
الفوائد ص 131.
(3)
مجموع الفتاوى لابن عثيمين 10/ 694، 695، وانظر القول المفيد ط 21/ 216، 217.
وقيل: إنه ليس في الآية حذف، والمعنى: تجعلون شكركم تكذيبًا، وقال: إن الشكر رزق، وهذا هو الصحيح، بل هو أكبر الأرزاق، قال الشاعر:
إذا كان شكري نعمة الله نعمة
…
عليّ له في مثلها يجب الشكر
فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله
…
وإن طالت الأيام واتصل العمر
فالنعمة تحتاج إلى شكر، ثم إذا شكرتها، فهي نعمة أخرى تحتاج إلى شكر ثان، وإن شكرت في الثانية، فهي نعمة تحتاج إلى شكر ثالث، وهكذا أبدًا، قال تعالى:{وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [النحل: 18] "
(1)
.
(1)
القول المفيد من مجموع الفتاوى لابن عثيمين 10/ 694، 695.