الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال ابن القيم: "فتأمل كيف أخذت هذه الآية على المشركين بمجامع الطرق التي دخلوا منها إلى الشرك وسدتها عليهم أحكم سد وأبلغه فإن العابد إنما يتعلق بالمعبود لما يرجو من نفعه وإلا فلو لم يرج منه منفعة لم يتعلق قلبه به وحينئذ فلا بد أن يكون المعبود مالكًا للأسباب التي ينفع بها عابده أو شريكًا لمالكها أو ظهيرا أو وزيرًا ومعاونًا له أو وجيهًا ذا حرمة وقدر يشفع عنده فإذا انتفت هذه الأمور الأربعة من كل وجه وبطلت انتفت أسباب الشرك وانقطعت مواده فنفى سبحانه عن آلهتهم أن تملك مثقال ذرة في السموات والأرض فقد يقول المشرك هي شريكة لمالك الحق فنفى شركتها له فيقول المشرك قد تكون ظهيرا ووزيرًا ومعاونًا فقال وماله منهم من ظهير فلم يبق إلا الشفاعة فنفاها عن آلهتهم وأخبر أنه لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه، فهو الذي يأذن للشافع فإن لم يأذن له لم يتقدم بالشفاعة بين يديه كما يكون في حق المخلوقين فإن المشفوع عنده يحتاج إلى الشافع ومعاونته له فيقبل شفاعته وإن لم يأذن له فيها وأن كل ما سواه فقير إليه بذاته وهو الغني بذاته عن كل ما سواه فكيف يشفع عنده أحد بدون إذنه"
(1)
.
5 - فائدة:
أنكر الخوارج والمعتزلة شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الكبائر بناء على أصلهم الفاسد في تخليد أهل الكبائر من أهل التوحيد في النار
، وحصروا معنى الشفاعة في زيادة الأجر والثواب لمن أطاع الله عز وجل، واحتجوا بما تقدم من الآيات ونحوها النافية للشفاعة، وهذه الآيات - كما ذكر أهل العلم - في حق الكافرين دون المؤمنين بدليل قوله تعالى:{وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} [سبأ: 23] وبقوله عز وجل: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: 28] وهذه الشفاعة التي يطلبها
(1)
الصواعق المرسلة 2/ 462.
المشركون من الشفعاء والأنداد من دون الله منتفية دنيا وأخرى ومنتفية يوم القيامة كما نفاها القرآن. قال شيخ الإسلام: "واحتج هؤلاء المنكرون للشفاعة بقوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ} وبقوله: {وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ} ، وبقوله:{مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ} وبقوله: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ} وبقوله {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} .
وجواب أهل السنة: أن هذا يراد به شيئان:
أحدهما: أنها لا تنفع المشركين كما قال تعالى في نعتهم {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47) فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48)} ، فهؤلاء نفى عنهم نفع شفاعة الشافعين لأنهم كانوا كفارًا.
والثانى: أنه يراد بذلك نفي الشفاعة التى يثبتها أهل الشرك ومن شابههم من أهل البدع من أهل الكتاب والمسلمين الذين يظنون أن للخلق عند الله من القدر أن يشفعوا عنده بغير إذنه كما يشفع الناس بعضهم عند بعض فيقبل المشفوع إليه شفاعة شافع لحاجته إليه رغبة ورهبة وكما يعامل المخلوق المخلوق بالمعاوضة"
(1)
.
والخلاصة أن الناس في الشفاعة طرفان ووسط. فالخوارج والمعتزلة أنكروا الشفاعة والقبوريون أثبتوا شفاعة شركية فجوزوا طلب الشفاعة من الأموات والأولياء في أمور لا يقدر عليها إلا الله
(2)
. وأهل السنة أثبتوا الشفاعة بشروط
(1)
انظر للاستزادة الاقتضاء 2/ 821.
(2)
مجموع الفتاوى 1/ 149.