الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا المعنى تمثل به أحد الشعراء بقوله:
عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه
…
ومن لم يعرف الشر من الخير يقع فيه
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لا تنقض عرى الإسلام عروة عروة حتى ينشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية". قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: "إذا لم يعرف - الإنسان - من الشرك ما عابه القرآن وما ذمه وقع فيه، وهو لا يعرف أنه الذي كان عليه أهل الجاهلية أو فوقه أو دونه أو شر منه، فتنقض بذلك عرى الإسلام ويعود المعروف منكرًا والمنكر معروفًا، والبدعة سنة والسنة بدعة"
(1)
.
ومن هنا يتلخص لنا أن في معرفة الشرك الحذر من الوقوع فيه والمحافظة علي الدين والتوحيد وإذا عرف الشرك وظهر له بطلانه، عرف ضده وهو التوحيد بل لا يعرف العبد حقيقة التوحيد وفضله حتى يعرف ضده، وهو الشرك، كما قيل:
فالضد يظهر حسنه الضد .. وبضدها تتبين الأشياء
(2)
5 - الفرق بين الكفر والشرك:
اختلف العلماء في الفرق بينهما؛ فقيل: إن بينهما اختلافًا. وقيل: إنهما اسمان لمسمى واحد
(3)
.
قال الشيخ عبد الرحمن بن قاسم: "والشرك والكفر: قد يطلقان بمعنى واحد، وهو الكفر بالله، واسم لمن لا إيمان له؛ وقد يفرق بينهما، فيخص الشرك بقصد الأوثان، وغيرها من المخلوقات، مع الاعتراف بالله، فيكون الكفر أعم"
(4)
.
ويظهر الاختلاف بينهما في اللغة، حيث يطلق الكفر علي الستر والتغطية، أما
(1)
مجموعة الرسائل والمسائل 4/ 46.
(2)
انظر التنبيهات المختصرة ص 97، جهود السعدي ص 177.
(3)
الفصل لابن حزم 3/ 22.
(4)
حاشية ثلاثة الأصول 35.
الشرك فيطلق على التسوية
(1)
.
قال الراغب: "الشركة والمشاركة خلط الملكين وقيل هو أن يوجد شيء لاثنين فصاعدا عينا كان ذلك الشيء أو معنى كمشاركة الإنسان والفرس في الحيوانية"
(2)
.
وبالنظر إلى ما يقابل الكلمتين يظهر الاختلاف أيضًا فإن الشرك يقابله التوحيد أما الكفر فنقيض الإيمان وكذلك يقابل الكفر الشكر. قال تعالي: {قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ} [النمل: 40] وقال تعالى {وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} [البقرة:152] وقال: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7] وقال تعالى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} [الإنسان: 3].
وقال الرازي: "الكفر ضد الإيمان"
(3)
.
وقال الراغب: "والكفار في جمع الكافر المضاد للإيمان أكثر استعمالًا"
(4)
، قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا} [النساء: 137].
وظاهر القرآن التفريق بينهما قال تعالى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ} [البينة: 1].
قال الراغب في معرض كلامه عن المشركين: "وقيل هم من عدا أهل الكتاب لقوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا
…
}
(1)
انظر مدارج السالكين 1/ 368.
(2)
المفردات 259.
(3)
مختار الصحاح 420.
(4)
المفردات 435.
[الحج: 17] أفرد المشركين عن اليهود والنصارى"
(1)
.
ومن أشرك بالله فقد كفر بالأوامر. قال الرازي: "والشرك أيضًا الكفر"
(2)
.
وقال الراغب: "يقال: أشرك فلان بالله وذلك أعظم كفر"
(3)
.
قال ابن حزم: "واتفقوا على تسمية اليهود والنصارى كفارا. واختلفوا في تسميتهم مشركين"
(4)
.
ثم نص القول في تسميتهم مشركين في كتابه، وبين أن قوله تعالى:{مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ} كقوله تعالى: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} والرمان من الفاكهة.
والخلاصة أن الكفر أشمل من الشرك فكل شرك كفر وليس كل كفر شركًا. ومن أمثلة ذلك الاستهزاء برسول الله صلى الله عليه وسلم أو القرآن فإنه كفر وليس شركا كما قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 65 - 66]. والكفر يطلق على الجحود، والإلحاد، والنفاق، والاستكبار، والاستحلال والإعراض فهذه كلها داخلة في الكفر.
أما الأمور الشركية كعبادة غير الله من الملائكة والأنبياء والصالحين وغيرهم ودعائهم من دون الله، وطلب الحوائج منهم، وعبادتهم عبادة كاملة مع نسيان الله بالكلية فهذا يطلق عليه شرك وكفر. قال العسكري في الفروق: "الكفر يقع على ضروب
(1)
المفردات (ش ر ك).
(2)
مختار الصحاح (ش ر ك).
(3)
المفردات (ش رك).
(4)
مراتب الإجماع ص 119، 120.
من الذنوب، فمنها: الشرك بالله، ومنها الجحد للنبوة، ومنها استحلال ما حرم الله، وهو راجع إلى جحد النبوة وغير ذلك مما يطول الكلام فيه وأصله التغطيه"
(1)
.
قال ابن سعدي رحمه الله: "الكفر أعم من الشرك فمن جحد ما جاء به الرسول أو جحد بعضه بلا تأويل فهو كافر سواء كان كتابيًا أو مجوسيًا أو وثنيًا أو ملحدًا، أو مستكبرًا أو غيرهم، وسواء كان معاندًا أو كافرًا، ضالًا أو مقلدًا"
(2)
.
وقال ابن باز رحمه الله: "ومن الشرك أن يعبد غير الله عبادة كاملة، فإنه يسمى شركا ويسمي كفرا، فمن أعرض عن الله بالكلية وجعل عبادته لغير الله كالأشجار أو الأحجار أو الأصنام أو الجن أو بعض الأموات من الذين يسمونهم بالأولياء يعبدهم أو يصلي لهم أو يصوم لهم وينسى الله بالكلية فهذا أعظم كفرا وأشد شركا، نسأل الله العافية"
(3)
.
(1)
الفروق اللغوية ص 228.
(2)
الرياض الناضرة ص 232.
(3)
مجموع فتاوي ابن باز ص 704.