الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالنفس من لطم الوجه، وإتلاف المال؛ بشق الثياب وتمزيقها وذكر الميت بما ليس فيه، والدعاء بالويل والثبور والتظلم من الله تعالى وبدون هذا يثبت التحريم الشديد، فأما الكلمات اليسيرة إذا كانت صدقًا لا على النوح والتسخط فلا تحرم، ولا تنافي الصبر الواجب. نص عليه أحمد لما رواه في مسنده
(1)
أنس أن أبا بكر رضي الله عنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته فوضع فمه بين عينيه، ووضع يديه على صدغيه وقال: وانبياه واخليلاه واصفياه. وكذلك صح عن فاطمة رضي الله عنها أنها ندبت أباها صلى الله عليه وسلم فقالت: يا أبتاه أجاب ربا دعاه
…
الحديث
(2)
"
(3)
.
مسألة: عذاب الميت بما نيح عليه
؟:
في الصحيح عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه"
(4)
. وفي رواية: "من نيح عليه يُعذب بما نيح عليه"
(5)
وفي رواية عند مسلم: "إن الميت ليُعذب ببكاء الحي"
(6)
. فقيل أنها متعارضة قوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الإسراء: 15].
وقد أنكرت عائشة رضي الله عنها أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك وإنمال: "إن الله ليزيد الكافر عذابًا ببكاء أهله عليه"
(7)
.
وقد تقدم رواية الصحابة لهذا الحديث وقد ثبت ذلك من رواية عمر بن الخطاب كما تقدم، وجاء عن غيره أيضًا وهم جازمون، فلا وجه للنفي مع إمكان
(1)
رقم (24530) عن عائشة.
(2)
المستدرك 1/ 382.
(3)
تيسير العزيز الحميد 519.
(4)
أخرجه البخاري (1286) ومسلم (927).
(5)
أخرجه البخاري (1291) وانظر مسلم (927).
(6)
أخرجه مسلم (927).
(7)
البخاري (1288)، والترمذي (1004).
حمله على محمل صحيح
(1)
.
قال ابن القيم: "وليس في هذه الأحاديث إشكال ولا مخالفته لظاهر القرآن ولا تتضمن عقوبة الإنسان بذنب غيره؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل أن الميت يعاقب ببكاء أهله عليه ونوحهم، وإنما قال يعذب بذلك. ولا ريب أن ذلك يؤلمه ويعذبه، والعذاب هو الألم الذي يحصل له، وهو أعم من العقاب، والأعم لا يستلزم الأخص. وقد قال صلى الله عليه وسلم: "السفر قطعة من العذاب". وهذا العذاب يحصل للمؤمن والكافر، حتى أن الميت ليتألم بمن يعاقب في قبره في جواره، ويتأذى بذلك كما يتأذى الإنسان في الدنيا بما يشاهده من عقوبة جاره. فإذا بكى أهل الميت عليه البكاء المحرم، وهو البكاء الذي كان أهل الجاهلية يفعلونه، والبكاء على الميت عندهم اسم لذلك وهو معروف في نظمهم ونثرهم تألم الميت بذلك في قبره، فهذا التألم هو عذابه بالبكاء عليه، وهذه طريقة شيخنا في هذه الأحاديث
…
"
(2)
.
وللعلماء في ذلك أقوال مبسوطة ذكرها النووي وابن حجر رحمهما الله
(3)
.
في شرحه لصحيح مسلم (6/ 227 - 229)، وذكرها أيضًا ابن حجر رحمه الله في فتح الباري (3/ 158).
قال النووي: "والصحيح من هذه الأقوال ما قدّمناه عن الجمهور وأجمعوا كلهم على اختلاف مذاهبهم على أن المراد بالبكاء هنا البكاء بصوت ونياحة لا مجرد دمع العين"
(4)
.
(1)
انظر فتح الباري 3/ 185، وعدة الصابرين ص 86.
(2)
عدة الصابرين 139، وانظر أيضا قول شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى 24/ 374.
(3)
شرح صحيح مسلم 6/ 227 - 229، فتح الباري 3/ 158.
(4)
شرح النووي لصحيح مسلم 6/ 229، وذكرت ذلك في فتاوى اللجنة أن المراد بالبكاء هنا النياحة. انظر فتاوى اللجنة الدائمة 9/ 160.
قلت: وذكر الإمام الطبري وعياض ومن تبعه أن معنى التعذيب تألم الميت
(1)
.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "إن الميت يشعر بالألم. كما في الحديث:"السفر قطعة من العذاب"
(2)
.
ومتى حصل شيء من ذلك فإثمه على فاعله أو قائله ولا يلحق الميت من الإثم شيء إلا إذا كان له فيه مدخل كأن أوصى به
(3)
. وقيل أنه محمل قوله عليه الصلاة والسلام: "إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه" فإن لم يمتثل أمره بذلك كان عليه إثم الأمر فقط"
(4)
.
قال البخاري في صحيحه: "باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: يعذب الميت ببكاء كان النوح من سنته
…
فإذا لم يكن من سنته، فهو كما قالت عائشة رضي الله عنها:"ولا تزر وازرة وزر أخرى""
(5)
.
قال ابن حجر رحمه الله: "ويحتمل أن يجمع بين هذه التوجيهات ينزل على اختلاف الأشخاص بأن يقال مثلًا: من كانت طريقته النوح فمشى أهله على طرقته أو بالغ بذلك عُذّب بصنعه، ومن كان ظالمًا فنُدب بأفعاله الجائرة عُذّب بما نُدب به، ومن كان يعرف من أهل النياحة فأهمل نهيهم عنها فإن كان راضيًا. بذلك التحق بالأول، وإن كان غير راض عذب بالتوبيخ كيف أهمل النهي، ومن سلم من ذلك كله واحتاط فنهى أهله عن المعصية ثم خالفوه وفعلوا ذلك كان تعذبيه تألُّمُه بما يراه منهم من مخالفة أمره وإقدامهم على معصية ربهم، والله تعالى أعلم بالصواب"
(6)
.
(1)
فتح الباري 3/ 158.
(2)
مجموع الفتاوى 24/ 374، 375، وانظر 18/ 142.
(3)
انظر شرح النووي لصحيح مسلم 6/ 227 - 229.
(4)
حاشية البجيرمي 1/ 502.
(5)
صحيح البخاري مع الفتح 3/ 153.
(6)
فتح الباري 3/ 185.