الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النساء وهذا يدل على تحريم زيارة القبور عليهن كما هو مذهب أحمد وطائفة"
(1)
.
*
أقوال العلماء في حكم زيارة النساء للقبور:
وفي ذلك خلاف بين أهل العلم على ثلاثة أوجه حكاها النووي
(2)
وغيره ونذكرها على وجه التفصيل:
أولًا: يباح ويستدل له بحديث عائشة وفيه: قالت: كيف أقول لهم يا رسول الله. قال: قولي: "السلام على أهل الديار
…
" الحديث
(3)
. وبحديث: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها"
(4)
. ويجاب عن هذا بأن: "نهيتكم" ضمير ذكور فلا يدخل فيه النساء على المذهب الصحيح المختار في الأصول
(5)
.
قال ابن حجر: "واختلف في النساء فقيل: دخلن في عموم الإذن وهو قول الأكثر، ومحله إذا أمنت الفتنة. ويؤيد الجواز حديث الباب - وهو ما رواه أنس قال: مر النبي بامرأة تبكي عند قبر. فقال: "اتقي الله واصبري". قالت: إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي، ولم تعرفه. فقيل لها: إنه النبي صلى الله عليه وسلم. فأتت باب النبي فلم تجد عنده بوابين. فقالت: لم أعرفك. فقال: "إنما الصبر عند الصدمة الأولى".
وموضع الدلالة منه أنه صلى الله عليه وسلم لم ينكر على المرأة قعودها عند القبر، وتقريره حجة.
وممن حمل الإذن على عمومه للرجال والنساء عائشة فروي الحاكم من طريق ابن أبي مليكة أنه رآها زارت قبر عبد الرحمن فقيل لها: أليس قد نهى النبي عن ذلك؟ قالت: نعم، كان نهى ثم أمر بزيارتها"
(6)
.
(1)
تيسير العزيز الحميد 346. ط - المكتب الإسلامي.
(2)
مسلم بشرح النووي 7/ 45.
(3)
أخرجه مسلم (974).
(4)
أخرجه مسلم (977).
(5)
مسلم بشرح النووي 7/ 45.
(6)
فتح الباري 3/ 148.
الثاني: يكره. قال ابن عبد البر: "ولقد كره أكثر العلماء خروجهن إلى الصلوات فكيف إلى المقابر"
(1)
. قال ابن حجر: "واختلف من قال بالكرهية في حقهن هل هي كراهة تحريم أو تنزيه"
(2)
.
والمشهور من مذهب الإمام أحمد عند أصحابه أن الكراهة لا تصل إلى التحريم لحديث أم عطية "نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا"
(3)
والقول بكراهة التنزيه يصدق لو كانت أدلة الإباحة صحيحة غير متعقبة، لكنها مع صحتها غير صريحة في الإباحة أو الكراهة.
الثالث: تحريمها عليهن. لحديث: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوارات القبور"
(4)
.
وحديث "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور"
(5)
.
قال ابن حجر: "وبه جزم الشيخ أبو إسحاق في المهذب واستدل له بحديث عبد الله بن عمرو
(6)
وبحديث: "لعن الله زوارات القبور""
(7)
.
وقال الشيخ سليمان بن عبد الله: "ولا يعارض هذا - أي حديث: "لعن الله زوارات القبور" - حديث: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزروها" رواه مسلم
(1)
التمهيد 3/ 233.
(2)
فتح الباري 3/ 148.
(3)
أخرجه البخاري (1278).
(4)
سبق تخريجه.
(5)
سبق تخريجه.
(6)
قال - أي النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أخرجكِ من بيتك يا فاطمة، قالت: أتيت أهل هذا البيت فرحمت إليهم ميتهم وعزيتهم فقال: "لعلك بلغت معهم الكدى" قالت: معاذ الله أن أكون بلغتها معهم وقد سمعتك تذكر في ذلك ما تذكر قال: "لو بلغتها معهم ما رأيت الجنة حتى يراها جد أبيك". أخرجه أبو داود (3123) والنسائي (1881) وأحمد (6574)(7082)، والكدى: أراد بها المقابر. انظر النهاية (ك د ا).
(7)
فتح الباري 3/ 148.
وغيره. لأن هذا إن سلم دخول النساء فيه، فهو عام والأول خاص، والخاص مقدم عليه، وأيضا ففي دخول النساء في خطاب الذكور خلاف عند الأصوليين"
(1)
.
وقال الشيخ ابن عثيمين: "وأما الجواب عن حديث المرأة، وحديث عائشة، أن المرأة لم تخرج للزيارة قطعًا، لكنها أصيبت ومن عظم المصيبة عليها لم تتمالك نفسها لتبقي في بيتها ولذلك خرجت وجعلت تبكي على القبر مما يدل على أن في قلبها شيئًا عظيمًا لم تتحمله حتى ذهبت إلى ابنها وجعلت تبكي عند قبره، ولهذا أمرها صلى الله عليه وسلم أن تصبر لأنه علم أنها لم تخرج للزيارة، بل خرجت لما في قلبها من عدم تحمل هذه الصدمة الكبيرة، فالحديث ليس صريحًا بأنها خرجت للزيارة وإذا لم يكن صريحًا فلا يمكن أن يُعارض الشيء الصريح بشيء غير صريح.
وأما حديث عائشة: فإنها قالت للرسول صلى الله عليه وسلم: "ماذا أقول؟ فقال: "قولي السلام عليكم" فهل المراد أنها تقول ذلك إذا مرت، أو إذا خرجت زائرة؟ فهو محتمل فليس فيه تصريح بأنها إذا خرجت زائرة إذ من الممكن أن يراد به إذا مرت بها من غير خروج للزيارة، وإذا كان ليس صريحًا فلا يعارض الصريح.
وأما فعلها مع أخيها، رضي الله عنهما فإن فعلها مع أخيها لم يستدل عليها عبد الله بن أبي مليكة بلعن زائرات القبور، وإنما استدل عليها بالنهي عن زيارة القبور مطلقا، لأنه لو استدل عليها بالنهي عن زيارة النساء للقبور أو بلعن زائرات القبور لكنا ننظر بماذا ستجيبه؟
فهو استدل عليها بالنهي عن زيارة القبور، ومعلوم أن النهي عن زيارة القبور كان عامًا، ولهذا أجابته بالنسخ العام، وقالت: إنه قد أمر بذلك، ونحن وإن كنا نقول إن عائشة رضي الله عنها استدلت بلفظ العموم فهي كغيرها من العلماء لا يُعارض
(1)
تيسير العزيز الحميد ص 347.
بقولها قول الرسول صلى الله عليه وسلم علي أنه روي عنها أنها قالت: "لو شهدتك ما زرتك" وهذا دليل على أنها رضي الله عنها خرجت لتدعو له؛ لأنها لم تشهد جنازته لكن هذه الرواية طعن فيها بعض العلماء وقال إنها لا تصح عن عائشة رضي الله عنها لكننا نبقي على الرواية الأولى الصحيحة إذ ليس فيها دليل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم نسخه، وإذا فهمت هي فلا يُعارض بقولها قول الرسول صلى الله عليه وسلم "
(1)
.
والذي عليه أئمة التحقيق في هذه المسألة: تحريم زيارة النساء للقبور.
وقد ألّف الشيخ بكر أبو زيد - حفظه الله - رسالة لطيفة سماها "جزء في زيارة النساء للقبور" وجاء فيها: "قال أبو العباس علي بن محمد بن عباس البعلي الحنبلي في ترتيبه اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ما نصه: "ونهي النساء عن زيارة القبور هل هو نهي تنزيه أو تحريم فيه قولان: وظاهر كلام أبي العباس ترجيح التحريم لاحتجاجه بلعن النبي صلى الله عليه وسلم زائرات القبور وتصحيحه إياه، ورواه الإمام أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه وأنه لا يصح ادعاء النسخ بل هو باق علي حكمه، والمرأة لا يشرع لها الزيارة الشرعية ولا غيرها اللهم إلا إذا اجتازت بقبر في طريقها فسلمت عليه ودعت له فهذا حسن".
وقال صاحب المهذب: "ولا يجوز للنساء زيارة القبور لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن زوارات القبور".
وقال السيوطي في كتابه: زهر الرّبى على المجتبي للنسائي عند الحديث المتكلم عليه في النهي: "وبقين أي النساء تحت النهي لقلة صبرهن وكثرة جزعهن".
وقال السندي: "وهو الأقرب لتخصيصهن بالذكر""
(2)
.
(1)
مجموع فتاوى ابن عثيمين 9/ 429، 430. وانظر القول المفيد ط 1 - 1/ 441، 440.
(2)
النقول السابقة مستفادة من كتاب الشيخ بكر أبو زيد - حفظه الله - (جزء في زيارة النساء للقبور) وفيه ما يشفي رغبة السائل في هذه المسألة.
وقال الشيخ سليمان بن عبد الله - رحمهما الله -: "وإذا كان زيارة النساء مظنة وسببا للأمور المحرمة في حقهن وحق الرجال، وتقدير ذلك غير مضبوط، لأنه لا يمكن حد المقدار الذي لا يفضي إلى ذلك ولا التميز بين نوع ونوع.
ومن أصول الشريعة أن الحكمة إذا كانت خفية أو منتشرة علق الحكم بمظنتها، فتحرم سدا للذريعة، كما حرم النظر إلى الزينة الباطنة لما في ذلك من الفتنة، وكما حرمت الخلوة بالأجنبية، وليس في زيارتها من المصلحة ما يعارض هذه المفسدة، لأنه ليس في زيارتها إلا دعواها للميت أو اعتبارها به، وذلك ممكن في بيتها"
(1)
.
وقال صاحب المرعاة: ""قال أحمد شاكر في تعليقه على الترمذي: النهي ورد خاصا بالنساء، والإباحة لفظها عام، والعام لا ينسخه الخاص بل الخاص حاكم عليه ومقيد له".
وقال الساعاتي في الفتح الرباني: "قال صاحب المدخل المالكي قد اختلف العلماء في زيارة النساء للقبور على ثلاثة أقوال:
وذكر هذه الأقوال ثم قال: "اعلم أن الخلاف في نساء ذلك الزمان، أما خروجهن في هذا الزمان فمعاذ الله أن يقول أحد من العلماء أو من له مروءة الدين بجوازه".
وقال العلامة صديق خان القنوجي في كتابه حُسْنُ الأسوة: "الراجح نهي النساء عن زيارة القبور وإليه ذهب عصابة أهل الحديث كثّر الله سوادهم""
(2)
.
وقال ابن باز رحمه الله: "ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لعن زائرات القبور. من حديث ابن عباس ومن حديث أبي هريرة ومن حديث حسان بن ثابت الأنصاري رضي الله عنهم جميعًا. وأخذ العلماء من ذلك أن الزيارة للنساء للقبور محرمة؛ لأن اللعن لا يكون إلا على محرم، بل يدل على أنه من الكبائر؛ لأن العلماء ذكروا أن
(1)
تيسير العزيز الحميد ص 346.
(2)
مستفاد من جزء في زيارة النساء للقبور للشيخ بكر أبو زيد ص 51 - 55.