الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالناس، ومن ضرر المؤذيات من المواشي التي يؤمر بتغريبها، بحيث لا يتأذى بها أحد، قال أبو زكريا النووي: هذا صحيح متعين لا يعرف من غيره تصريح بخلافه".
7 - أثر الرقية والاسترقاء على التوكل:
الرقية معناها فعل الرقية بنفسه أو بغيره دون طلب. أما الاسترقاء: فهو طلب الرقية. وقد تبين في أول الباب مشروعية الرقى السليمة وأنها من أعظم أسباب الشفاء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"لا بأس بالرقى ما لم تكن شركًا" وقد ذهب بعض العلماء إلى كراهية الرقى معتمدين على حديث ابن عَبَّاسٍ في وصف السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب أنهم: "الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون"
(1)
. وبوّب الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه في كتاب الطب، قال: باب (من لم يرق)
(2)
، ولكن الذي ثبت في الصحيحين لفظ:"هم الذين لا يسترقون" وفي رواية مسلم لفظ "ولا يرقون".
قال ابن تيمية: "فمدح هؤلاء بأنهم لا يسترقون أي لا يطلبون من أحد أن يرقيهم، والرقية من جنس الدعاء فلا يطلبون من أحد ذلك. قد روي فيه "ولا يرقون" وهو غلط فإن رقياهم لغيرهم ولأنفسهم حسنة وكان النبي صلى الله عليه وسلم يرقي نفسه وغيره ولم يكن يسترفي فإن رقيته نفسه وغيره من جنس الدعاء ولغيره وهذا مأمور به"
(3)
.
وفي التيسير: "قال شيخ الإسلام: هذه الزيادة وهم من الراوي، لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يرقون"، لأن الراقي محسن إلى أخيه. وقد قال صلى الله عليه وسلم وقد سئل عن الرقى قال: "من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه" وقال: "لا بأس بالرقى ما لم تكن شركًا"
(1)
أخرجه البخاري (5705).
(2)
البخاري ص 1015 وفيه الحديث رقم (5752).
(3)
مجموع الفتاوى 1/ 182. وانظر لقاء الباب المفتوح (55/ 120).
قال: وأيضا فقد رقى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم، ورقى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه"
(1)
.
وقال ابن القيم في مفتاح دار السعادة: "سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: "
…
والفرق بين الراقي والمسترقي أن المسترقي سائل مستعط ملتفت إلى غير الله بقلبه، والراقي محسن نافع" ..
قلت
(2)
: والنبي صلى الله عليه وسلم لا يجعل ترك الإحسان المأذون فيه سببًا للسبق إلى الجنان، وهذا بخلاف ترك الاسترقاء، فإنه توكل على الله ورغبة عن سؤال غيره، ورضا بما قضاه وهذا شيء وهذا شيء"
(3)
.
ومن هنا فإن شيخ الإسلام ابن تيمية ذهب إلى التفريق بين "لا يسترقون" وهو طلب الرقية من غيرهم وبين "لا يرقون" وهو فعل الرقية بنفسه أو بغيره من غير طلب وكذلك ابن القيم
(4)
وأئمة الدعوة واحتجوا لذلك بالتفريق بين الروايتين فالأصل رواية "لا يسترقون". أما ما ورد في رواية سعيد بن منصور عِنْدَ مسلم "ولا يرقون" فهي غلط
(5)
.
وقد نصر القولَ بزيادة "لا يرقون" الشيخُ سليمانُ بن عبد الله في تيسير العزيز الحميد ورد على من زعم أن المراد لا يرقون بما كان شركا فقال: "ليس في الحديث ما يدل على هذا أصلا وأيضًا فعلى هذا لا يكون للسبعين مزية على غيره؛ فإن جملة المؤمنين لا يرقون بما كان شركًا"
(6)
.
وقال الشيخ ابن عثيمين: "قراءة الإنسان على نفسه وقراءته على إخوانه المرضى
(1)
تيسير العزيز الحميد ص 108.
(2)
القائل ابن القيم.
(3)
مفتاح دار السعادة 2/ 234. وانظر: فتح الباري 11/ 416.
(4)
مدارج السالكين 3/ 495.
(5)
مجموع الفتاوى 1/ 182، وانظر 1/ 328، 27/ 68.
(6)
تيسير العزيز الحميد 108.
لا تنافي التوكل وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يرقي نفسه بالمعوذات، وثبت أنه كان يقرأ على أصحابه إذا مرضوا"
(1)
.
ومن مجموع ما سبق نعلم أن الكراهة خاصة بالاسترقاء والاكتواء من بين سائر الأدوية؛ لحديث السبعين ألفًا
(2)
وحديث العقار بن المغيرة بن شعبة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من اكتوى أو استرقى فقد برئ من التوكل"
(3)
. فالاسترقاء يقدح في تمام التوكل.
قال الحافظ: "إن المراد بترك الرقى والكي الاعتماد على الله في دفع الداء والرضا بقدره، لا القدح في جواز ذلك لثبوت وقوعه في الأحاديث الصحيحة عن السلف الصالح، لكن مقام الرضا والتسليم أعلى من تعاطي الأسباب، وإلى هذا نحا الخطابي ومن تبعه"
(4)
.
وقال الخطابي: "المراد من ذلك ترك الاسترقاء على جهة التوكل على الله والرضا بقضائه وبلائه، وهذه أرفع درجات المحققين للإيمان"
(5)
.
وقال النووي: "والظاهر من معنى الحديث أن هؤلاء كمل تفويضهم إلى الله عز وجل، فلم يتسببوا في دفع ما أوقعه بهم، ولا شك في فضيلة هذه الحالة ورجحان صاحبها"
(6)
.
وقد جاءت أحاديث فيها الأمر بالاسترقاء كما في حديث عائشة قالت: "أمرني
(1)
مجموع فتاوى ابن عثيمين 1/ 106.
(2)
أخرجه البخاري (5705).
(3)
المسند 4/ 249 وابن ماجه (3489).
(4)
الفتح 10/ 222.
(5)
شرح النووي على صحيح مسلم 3/ 90.
(6)
شرح النووي على صحيح مسلم (3/ 91).