الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
152 - السجود
*
[الإنحناء - التعظيم]
قال الراغب: "السجود أصله التطامن والتذلل وجعل ذلك عبارة عن التذلل لله وعبادته وهو عام في الإنسان والحيوانات والجمادات"
(1)
.
والسجود عبادة فيها خضوع وتذلل فلا تكون إلا لله سبحانه وتعالى.
* الدليل من الكتاب: قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [فصلت: 37]. وقول الله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: 18].
وفي قوله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} قال الراغب: "قيل عُني به الأرض إذ قد جعلت الأرض كلها مسجدا وطهورا كما روي في الخبر، وقيل المساجد مواضع السجود الجبهة والأنف واليدان والركبتان والرجلان"
(2)
.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "ووجه الدلالة أن الله تعالى أخبر أن المساجد وهي مواضع السجود وأعضاء السجود لله ورتب على ذلك قوله: {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ
* التمهيد لابن عبد البر 5/ 45. المحلى بالآثار لابن حزم 3/ 89. أحكام القرآن للقرطبي 1/ 294 - 1/ 291 / 293 - 15/ 227. شرح السنة للبغوي 3/ 147، 148. مجموعة مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب 1/ 0296 الدرر السنية 9/ 420، 421، فتاوى اللجنة الدائمة 1/ 220.
الدين الخالص لصديق حسن القنوجي 2/ 207. شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 3/ 125.
جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية ص 386.
(1)
المفردات ص 223.
(2)
المفردات ص 224.
أَحَدًا} أي لا تعبدوا معه غيره فتسجدوا له"
(1)
.
* الدليل من السنة: عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ: "أَتيْتُ الْحِيرَةَ فَرَأَيْتُهُمْ يَسْجُدُونَ لِمَرْزُبَانٍ لَهُمْ فَقُلْتُ: رَسُولُ اللهِ أَحَقُّ أَنْ يُسْجَدَ لَهُ. قَالَ: فَأَتيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: إِنِّي أَّتَيْتُ الْحِيرَةَ فَرَأَيْتُهُمْ يَسْجُدُونَ لِمَرْزُبَانٍ لَهُمْ فَأَنْتَ يَا رَسُولَ الله أَحَقُّ أَنْ نَسْجُدَ لَكَ، قَالَ: "أَرَأَيْتَ لَوْ مَرَرْتَ بِقَبْرِي أَكُنْتَ تَسْجُدُ لَهُ؟ " قَالَ: قُلْتُ: لا، قَالَ: "فَلا تَفْعَلُوا، لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لأَحَدٍ لأَمَرْتُ النِّسَاءَ أَنْ يَسْجُدْنَ لأَزْوَاجِهِنَّ؛ لِمَا جَعَلَ اللهُ لَهُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ الْحَقِّ""
(2)
.
وفي رواية أن: "معاذ بن جبل رضي الله عنه قدم الشام فوجدهم يسجدون لأساقفتهم "زعمائهم" وذلك قبل أن يسلموا فلما رجع معاذ سجد للنبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما هذا يا معاذ"؟ فقال: رأيتهم يسجدون لأساقفتهم وأنت أحق أن يسجد لك يا رسول الله يعني أحق من أساقفتهم بالسجود فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها" من عظم حقه عليها"
(3)
.
وفي رواية البزار: "أن النصارى قالوا لمعاذ هذه تحية الأنبياء فكذبهم النبي لما بلغه ذلك وقال: إنهم كذبوا على أنبيائهم كما حرفوا كتابهم"
(4)
. وعلى هذا فإن التقدير: "لو كنت آمرا أحدا أن يحيي أحدًا بالسجود لأمرت المرأة أن تحيي زوجها بالسجود" ولا يظن بمعاذ وهو من أعلم الصحابة بالحلال والحرام أن يخفى عليه أن التوجه بالعبادة لغير الله تعالى شرك لا يجوز.
وقد أشكل الأمر واشتبه بسجود التحية كسجود إخوة يوسف وأبويه وكذلك
(1)
شرح ثلاثة الأصول ص 44، 50.
(2)
أخرجه أبو داود (2140).
(3)
أخرجه ابن ماجه (1853).
(4)
مسند البزار (1461)(1470)، وأخرجه الإمام أحمد في المسند (19624).
سجود الملائكة لآدم عليه السلام. قال ابن كثير في قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا} [الكهف: 50] أي: "سجود تشريف وتكريم وتعظيم"
(1)
.
وقال بعضهم: إن السجود كان لله وجعل آدم قبلة لهم، وهو قول عارٍ من الصحة بعيد عن الصواب، قال شيخ الإسلام ابن تيمية:"وقال بعض الأغبياء: إن السجود إنما كان لله وجعل آدم قبله لهم، يسجدون إليه كما يسجد إلى الكعبة؛ وليس في هذا تفضيل له عليهم؛ كما أن السجود إلى الكعبة ليس فيه تفضيل للكعبة على المؤمن عند الله، بل حرمة المؤمن عند الله أفضل من حرمتها"
(2)
.
وفي تفسير آية البقرة ذكر ابن كثير معنى سجود الملائكة لآدم وذكر من الأقول أن: "هذا سجود تحية وسلام وإكرام كما قال تعالى: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَاأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا} [يوسف: 100] وقد كان هذا مشروعا في الأمم الماضية ولكنه نسخ في ملتنا ثم ذكر حديث معاذ السابق وضعف القولين الآخرين وهما كون السجدة لله وآدم قبله فيها كما قال تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78]، وكون المراد بالسجود الخضوع لا الانحناء ووضع الجبهة على الأرض واستظهر القول الأول أن السجدة لآدم إكرامًا وإعظامًا واحترامًا وسلامًا وهي طاعة الله عز وجل لأنها امتثال لأمره تعالى وقد قواه الرازي في تفسيره"
(3)
.
وعلى هذا فهناك سجود تحية، وهناك سجود عبادة ويختلف حكم التحية لغير الله عن حكم عبادة غير الله. ولا يلزم من السجود للشخص عبادته، بل يحتمل
(1)
تفسير ابن كثير 3/ 79.
(2)
مجموع الفتاوى 4/ 358.
(3)
تفسير ابن كثير 1/ 71.
العبادة، ويحتمل غيرها من التحية والاحترام كما في الحديث المذكور
(1)
، بخلاف السجود للصنم فإنه شرك في العبادة
(2)
ولا يحتمل أنه سجود تحية واحترام.
يقول ابن حجر الهيتمي الشافعي الفقيه: "ونقل الزركشي وغيره هذا الإشكال - أي الفرق بين السجود للوالد والسجود للصنم - ولم يجيبوا عليه، ويمكن أن يُجاب عنه بأن الوالد وردت الشريعة بتعظيمه بل ورد شرع غيرنا بالسجود للوالد كما في قوله: {وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا} بناء على إن المراد بالسجود ظاهره وهو وضع الجبهة، كما مشى عليه جمع، وأجابوا بأنه كان شرعًا لمن قبلنا ومشى آخرونه على أن المراد به الانحناء، وعلى كل فهذا الجنس قد ثبت للوالد ولو في زمن من الأزمان وشريعة من الشرائع فكان شبهة دارئة لكفر فاعله، بخلاف السجود لنحو الصنم أو الشمس فإنه لم يرد هو ولا ما يشبهه في التعظيم في شريعة من الشرائع، فلم يكن لفاعل ذلك شبهة لا ضعيفة ولا قوية، فكان كافرًا، ولا نظر لقصد التقرب فيما لم ترد الشريعة بتعظيمه بخلاف من وردت بتعظيمه فاندفع الاستشكال واتضح الجواب عنه كما لا يخفى"
(3)
.
فالسجود لغير الله إذا كان على وجه العبادة شرك أكبر مخرج من الملة.
قال ابن تيمية: "وأصناف العبادات الصلاة بأجزائها مجتمعة وكذلك أجزاؤها التي هي عبادة بنفسها من السجود والركوع والتسبيح والدعاء والقراءة والقيام لا يصلح إلا لله وحده
…
ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم معاذًا أن يسجد له وقال: لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها. ونهى عن الانحناء في التحية ونهاهم أن يقوموا خلفه في الصلاة وهو قاعد"
(4)
.
(1)
انظر: مجموع الفتاوى 1/ 372، 4/ 360.
(2)
انظر نواقض الإيمان الاعتقادية 235.
(3)
الإعلام بقواطع الإسلام (ص 18 - 19) المطبوع مع الزواجر.
(4)
مجموع الفتاوى 1/ 75.