الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
178 - شهادة أن محمدًا رسول اللّه
*
[الإيمان بالرسل - النبوة]
الشهادة لغة: قال الجوهري: "الشهادة: خبرٌ قاطع.
والمشاهدة: المعاينة، وشَهدَهُ شُهودًا، أي حَضرَه، فهو شاهدٌ. وقومٌ شُهودٌ، أي حُضورٌ، وشهد له بكذا أي أدّى ما عنده من الشهادة، فهو شاهد"
(1)
.
وفي مقاييس اللغة لابن فارس: شهد: الشين والهاء والدال أصلٌ يدلُّ على حضور وعلم وإعلام، لا يخرُج شيءٌ من فروعه عن الذي ذكرناه. من ذلك الشهادة، يجمع الأصول التي ذكرناها من الحضور، والعلم، والإعلام. يقال: شهد يشهد شهادةً. اهـ.
قال الإمام القاضي ابن أبي العز: "وعبارات السلف في "شهد" تدور على الحكم والقضاء، والإعلام، والبيان، والإخبار، وهذه الأقوال كلها حق لا تنافي بينها، فإن الشهادة تتضمن كلام الشاهد وخبره، وتتضمن إعلامه وإخباره وبيانه، فلها أربع مراتب:
فأول مراتبها: علم ومعرفة واعتقاد لصحة المشهود به وثبوته.
وثانيها: تكلُّمه بذلك، وإن لم يُعلم به غيره، بل يتكلم بها مع نفسه ويذكرها وينطق بها أو يكتبها.
وثالثها: أن يُعلم غيره بها بما يشهد به، ويُخبره به، ويبينه له.
ورابعها: أن يُلزمه بمضمونها ويأمرَه به.
* انظر مراجع النبوة، الدرر السنية 12/ 540.
(1)
مختار الصحاح (ش هـ د).
فشهادة الله سبحانه لنفسه بالوحدانية والقيام بالقسط تضمنت هذه المراتب الأربع: علمه سبحانه بذلك، وتكلمه به، وإعلامه، وإخباره لخلقه به، وأمرهم وإلزامهم به"
(1)
.
وفي الشرع قال القاضي عياض: "والإيمان به صلى الله عليه وسلم هو تصديق نبوته ورسالة الله له وتصديقه في جميع ما جاء به، وما قاله، ومطابقة تصديق القلب بذلك شهادة اللسان بأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا اجتمع التصديق به بالقلب والنطق بالشهادة بذلك اللسان ثم الإيمان به والتصديق له"
(2)
.
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب: "معنى شهادة أن محمدًا رسول الله: طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما عنه نهى وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع"
(3)
.
وقال الشيخ محمد بن عثيمين: "معنى شهادة "أن محمدًا رسول الله" هو الإقرار باللسان والإيمان بالقلب بأن محمد بن عبد الله القرشي الهاشمي رسول الله عز وجل إلى جميع الخلق من الجن والإنس كما قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)} [الذاريات: 56] ولا عبادة لله تعالى إلا عن طريق الوحي الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1)} [الفرقان: 1].
ومقتضى هذه الشهادة أن تصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخبر، أن تمتثل أمره فيما أمر، وأن تجتنب ما عنه نهى وزجر، وأن لا تعبد الله إلا بما شرع، ومقتضى هذه
(1)
شرح العقيدة الطحاوية 1/ 44، وانظر مدارج السالكين 3/ 151.
(2)
الشفاء 2/ 3.
(3)
ثلاثة الأصول من شرح الشيخ ابن عثيمين انظر مجموع فتاوى ابن عثيمين 6/ 71.
الشهادة أيضًا أن لا تعتقد أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم، حقًّا في الربوبية وتصريف الكون، أو حقًّا في العبادة، بل هو صلى الله عليه وسلم عبد لا يعبد ورسول لا يكذب، ولا يملك لنفسه ولا لغيره شيئًا من النفع أو الضر إلا ما شاء الله كما قال الله تعالى:{قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} [الأنعام: 50] فهو عبد مأمور يتبع ما أمر به، وقال الله تعالى:{قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (21) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا} [الجن: 21، 22] وقال سبحانه: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 188].
وبهذا تعلم أنه لا يستحق العبادة لا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من دونه من المخلوقين، وأن العبادة ليست إلا لله تعالى وحده {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 162، 163]. وأن حقه صلى الله عليه وسلم، أن تنزله المنزلة التي أنزله الله تعالى إياها وهي أنه عبد الله ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه"
(1)
.
قال الشيخ ابن عثيمين: "ويلزم من هذه الشهادة أن تتبعه في شريعته وفي سُنَّته وأن لا تبتدع في دينه ما ليس منه ولهذا نقول إن أصحاب البدع الذين يبتدعون في شريعة الرسول صلى الله عليه وسلم ما ليس منها إنهم لم يحققوا شهادة أن محمدًا رسول الله"
(2)
.
وشهادة أن محمدًا رسول الله كما تقتضي الإيمان به تقتضي الإيمان بجميع الرسل لما بينهما من التلازم، وكذلك الكتب التي جاءت بها الرسل
(3)
.
(1)
مجموع فتاوى ابن عثيمين شرح ثلاثة الأصول 6/ 71.
(2)
شرح رياض الصالحين 2/ 323.
(3)
انظر: التنبيهات السنية للرشيد 11.