الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قبيلة دوس وما حولها من العرب قد افتتنوا بذي الخلصة عندما عاد الجهل إلى تلك البلاد، فأعادوا سيرتها الأولى، وعبدوها من دون الله، حتى قام الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله بالدعوة إلى التوحيد، وجدّد ما اندرس من الدين، وعاد الإسلام إلى جزيرة العرب، فقام الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود رحمه الله، وبعث جماعة من الدعاة إلى ذي الخلصة، فخربوها، وهدموا بعض بنائها، ولما انتهى حكم آل سعود على الحجاز في تلك الفترة، عاد الجهال إلى عبادتها مرة أخرى، ثم لما استولى الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود رحمه الله على الحجاز، أمر عامله عليها، فأرسل جماعة من جيشه، فهدموها وأزالوا أثرها، ولله الحمد والمنة"
(1)
.
*
أدلة الكتاب والسنة على هدم الأصنام ووجوب ذلك على كل قادر:
1 -
قال الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام {وَتَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57) فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58)} [الأنبياء: 57 - 58]، وقال تعالى:{فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (91) مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ (92) فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ (93)} [الصافات: 91 - 93]، وقام الخليل عليه السلام - على قلة المناصر له - بتكسير آلهة قومه وأصنامهم، وقد قال تعالى:{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ} إلى قوله: {إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ} [الممتحنة: 4].
2 -
وقال تعالى عن موسى عليه السلام في العجل الذي اتخذه قومه إلهًا {وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا} [طه: 97]. مع
(1)
انظر: إتحاف الجماعة 1/ 522، 533. وسراة غامد وزهران ص 347، 349. وأشراط الساعة ص 162.
قوله تعالى عن الأنبياء ومنهم موسى عليه السلام {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 90].
3 -
وقال تعالى: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81)} [الإسراء: 81]، روى البخاري في صحيحه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة وحول الكعبة ثلاثمائة وستون نصبًا - وفي رواية صنمًا - فجعل يطعنها بعود في يده، وجعل يقول:{وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ} الآية
(1)
.
قال القرطبي -رحمه الله تعالى-: "في هذه الآية دليل على كسر نصب الأوثان إذا غلب عليهم"
(2)
.
4 -
وقال تعالى: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر: 5] قال أبو سلمة: والرجز الأوثان
(3)
.
5 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكمًا مقسطًا؛ فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد"
(4)
.
6 -
عن عمرو بن عبسة أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: وبأي شيء أرسلك؟ قال: "أرسلني بصلة الأرحام وكسر الأوثان وأن يوحد الله لا يشرك به شيء"
(5)
.
7 -
عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن لا تدع تمثالا إلا طمسته، ولا قبرا مشرفا إلا
(1)
البخاري (2478، 4287، 4720).
(2)
تفسير القرطبي 10/ 314.
(3)
أخرجه البخاري (2999)، ومسلم (235).
(4)
أخرجه البخاري (2222)(2476)(3448)، ومسلم (155).
(5)
أخرجه مسلم (832).
سويته"
(1)
. وقوله هنا: "تمثالًا" نكرة في سياق نفي فيعم جميع التماثيل
(2)
.
8 -
قال أسامة رضي الله عنه: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكعبة، ورأى صورًا، فدعا بدلو من ماء فأتيته به فجعل يمحوها، ويقول:"قاتل الله قومًا يصورون ما لا يخلقون"
(3)
.
9 -
تأمل هدمه صلى الله عليه وسلم وإزالته لأصنام الجاهلية بيده، وبعثه الصحابة لكسرها فقد بعث جرير بن عبد الله البجلي مع سرية لكسر صنم (ذي الخلصة) في اليمن، وبعث خالد بن الوليد إلى (نخلة) لهدم (العزى)، وبعث المغيرة بن شعبة وأبا سفيان بن حرب إلى (الطائف) لهدم (اللات)، وبعث علي بن أبي طالب إلى (الفُلس)
(4)
- صنم لطيء - لهدمه. وبعث عمرو بن العاص إلى (سواع) لكسره، وبعث الطفيل بن عمرو الدوسي إلى (ذي الكفين) صنم (دوس) لتحريقه، وبعث سعد بن زيد الأشهلي إلى (المشلل) لهدم (مناة).
وأما ما جاء عن الصحابة رضي الله عنهم والسلف في هدم الأصنام وإزالتها فكثير، منها:
1 -
روى ابن أبي شيبة عن لبابة عن أمها وكانت تخدم عثمان بن عفان أن عثمان بن عفان رضي الله عنه كان يصلي إلى تابوت فيه تماثيل، فأمر به فحك
(5)
.
2 -
وروى البيهقي في (سننه) عن أبي مسعود رضي الله عنه أن رجلا صنع له طعامًا فدعاه
(1)
أخرجه مسلم (969).
(2)
انظر في هذه القاعدة شرح الكوكب المنير 3/ 141.
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة بنحو هذا اللفظ (25212)، والطيالسي (657) والطبراني (407)، والهيثمي 5/ 173، والسيوطي في الجامع الصغير 5996، صحيح الجامع 4292، قال الحافظ: إسناده جيد.
(4)
زاد المعاد 3/ 458.
(5)
مصنف ابن أبي شيبة 1/ 399 رقم (4586).
فقال: أفي البيت صورة؟ قال: نعم، فأبى أن يدخل حتى كسر الصورة ثم دخل
(1)
.
3 -
وروى ابن أبي شيبة عن محمد بن سيرين أنه كان لا يترك لأهل فارس صنمًا إلا كسر ولا نارًا إلا أطفئت
(2)
.
4 -
قال ابن القيم: "وفي مسائل صالح، قال أبي: يقتل الخنزير، ويفسد الخمر، ويكسر الصليب.
وهذا قول أبي يوسف ومحمد بن الحسن وإسحاق بن راهويه وأهل الظاهر، وطائفة من أهل الحديث، وجماعة من السلف، وهو قول قضاة العدل"
(3)
.
5 -
وقال السرخسي: "ولو وجدوا في الغنائم صليبا من ذهب أو فضة أو تماثيل، أو دراهم، أو دنانير فيها التماثيل، فإنه ينبغي للإمام أن يكسر ذلك كله"
(4)
.
6 -
وفي الفتاوى الهندية: "إن وجدوا في الغنيمة قلائد ذهب أو فضة فيها الصليب والتماثيل، فإنه يستحب كسرها قبل القسمة"
(5)
.
7 -
وقال العز بن عبد السلام عن الجهاد: "وفيه الحقوق الثلاثة: أما حق الله فكمحو الكفر وإزالته من قلوب الكافرين، ومن ألسنتهم، وكتخريب كنائسهم، وكسر صلبانهم وأوثانهم"
(6)
.
8 -
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: "المنكرات من الأعيان والصور، يجوز إتلاف محلها تبعا لها، مثل الأصنام المعبودة من دون الله، لما كانت صورها منكرة: جاز إتلاف مادتها، فإذا كانت حجرا أو خشبا ونحو ذلك: جاز تكسيرها
(1)
رقم (14342)، 7/ 268.
(2)
المصنف 6/ 468 رقم (32988).
(3)
الطرق الحكمية ص 272.
(4)
شرح السير الكبير 3/ 1052.
(5)
الفتاوى الهندية 2/ 216.
(6)
قواعد الأحكام 1/ 131.
وتحريقها"
(1)
.
مسألة: حول بقاء شيء من الأصنام في بعض الأمصار التي فتحها الصحابة رضوان الله عليهم.
هناك أسئلة تدور حول عدم دك بعض حصون الشرك وبقاء بعض الآثار الوثنية التي نراها في عصرنا الحاضر ومنها: الأصنام التي في (مصر) من معبودات الفراعنة، وأصنام (بوذا)
(2)
في بلاد الأفغان مع أنها فتحت في أول العهد الإسلامي.
* وللجواب عن ذلك نقول:
اعلم أن التماثيل والتصاوير التي كانت في الجاهلية وأدركها المسلمون أثناء الفتوحات الإسلامية قد هدموها وأتلفوها قطعًا، فهم خير من نفذ وصية المصطفى صلى الله عليه وسلم، وقد بعثهم في حياته لهدم الأوثان ومحقها، بل وأتلفوا الكتب التي هي دون الأصنام كما ذكر ذلك ابن خلدون في مقدمته، قال:
"ولما فُتحت أرض فارس ووجدوا فيها كتبًا كثيرة كتب سعد بن أبي وقاص إلى عمر بن الخطاب ليستأذنه في شأنها ونقلها للمسلمين، فكتب إليه عمر: أن اطرحوها في الماء، فإن يكن ما فيها هدى فقد هدانا الله بأهدى منه، وإن يكن ضلالًا فقد كفانا الله، فطرحوها في الماء أو في النار وذهبت علوم الفرس فيها"
(3)
.
فإذا كان هذا عملهم في كتب أولئك فما بالك بأصنامهم ومعبوداتهم؟!!!.
فالسبب في بقاء بعض الأصنام والتماثيل والمعبودات في البلدان التي فتحوها
(1)
الطرق الحكمية ص 271.
(2)
(بوذا) يؤلّهه (البوذيون) في العالم ويصلون له، ويدين بالديانة البوذية أكثر من ستمائة مليون في العالم، وينتشرون في الصين واليابان ونيبال والهند وسيلان وغيرها (الموسوعة الميسرة) 2/ 772.
(3)
ابن خلدون في (مقدمته) ص 480.
لا يخرج عن ثلاثة:
السبب الأول: أن من هذه التماثيل ما كان داخلًا في كنائسهم ومعابدهم التي صولحوا عليها، فتترك بشرط عدم إظهارها، ففي الشروط العمرية المعروفة على أهل الذمة (وألا نضرب بنواقيسنا إلا ضربًا خفيًا في جوف كنائسنا، ولا نظهر عليها صليبًا
…
وألا نخرج صليبًا ولا كتابًا في أسواق المسلمين).
قال ابن القيم رحمه الله تعالى في شرح قوله (ولا نظهر عليها صليبًا): "لما كان الصليب من شعائر الكفر الظاهرة كانوا ممنوعين من إظهاره، قال أحمد في رواية حنبل: ولا يرفعوا صليبًا، ولا يظهروا خنزيرًا، ولا يرفعوا نارًا، ولا يظهروا خمرًا، وعلى الإمام منعهم من ذلك.
وقال عبد الرزاق حدثنا معمر عن عمرو بن ميمون بن مهران قال: كتب عمر بن عبد العزيز: أن يمنع النصارى في الشام أن يضربوا ناقوسًا، ولا يرفعوا صليبهم فوق كنائسهم، فإن قدر على من فعل من ذلك شيئًا بعد التقدم إليه فإن سلبه لمن وجده.
وإظهار الصليب بمنزلة إظهار الأصنام؛ فإنه معبود النصارى كما أن الأصنام معبود أربابها ومن أجل هذا يسمون عباد الصليب، ولا يمكنون من التصليب على أبواب كنائسهم وظواهر حيطانها ولا يتعرض لهم إذا نقشوا ذلك داخلها"
(1)
.
وقد كان السلف الصالح حريصين كل الحرص على منع إظهار دينهم فإن رأوا شيئا ظاهرا كسر قال الحطاب: "قال ابن حبيب: وإن أظهروا صلبهم في أعيادهم واستسقائهم كسرت وأدبوا"
(2)
.
وقال ابن حجر الهيتمي الشافعي: "ويمنعون - أي أهل الذمة - من إظهار منكر
(1)
أحكام أهل الذمة 2/ 719.
(2)
التاج والإكليل 4/ 602.
بيننا؛ نحو خمر، وخنزير، وناقوس: وهو ما يضرب به النصارى لأوقات الصلاة
…
إلى أن قال: ويتلف ناقوس لهم أظهر"
(1)
.
بل جاء المنع ممن هو دون الأصنام والنواقيس. قال ابن مفلح الحنبلي: "ويمنعون وجوبًا من إظهار خمر وخنزير، فإن فعلا أتلفناهما"
(2)
.
وقال السفاريني: "وما أظهروه من المحرمات في شرعنا تعين إنكاره عليهم، فإن كان خمرا جازت إراقته، وإن أظهروا صليبًا أو طنبورًا جاز كسره. وإن أظهروا كفرهم أدبوا على ذلك، ويمنعون من إظهار ما يحرم على المسلمين"
(3)
.
السبب الثاني: أن تكون التماثيل من القوة والإحكام بحيث يعجزون عن هدمها وإزالتها، مثل تلك التماثيل الهائلة المنحوتة في الجبال والصخور بحيث لا يستطيعون إزالتها أو تغييرها، وقد ذكر ابن خلدون في (المقدمة) أن الهياكل العظيمة جدًّا لا تستقل ببنائها الدولة الواحدة، بل تتم في أزمنة متعاقبة، حتى تكتمل وتكون ماثلة للعيان، قال "لذلك نجد آثارًا كثيرة من المباني العظيمة تعجز الدول عن هدمها وتخريبها، مع أن الهدم أيسر من البناء"
(4)
ثم مثَّل على ذلك بمثالين:
الأول: أن الرشيد عزم على هدم (إيوان كسرى) فشرع في ذلك وجمع الأيدي واتخذ الفؤوس وحماه بالنار وصب عليه الخل حتى أدركه العجز.
الثاني: أن المأمون أراد أن يهدم (الأهرام) في (مصر) فجمع الفعلة ولم يقدر
(5)
.
السبب الثالث: أن تكون التماثيل مطمورة تحت الأرض أو مغمورة بالرمال
(1)
تحفة المحتاج 9/ 302.
(2)
الفروع 6/ 276.
(3)
غذاء الألباب 1/ 240.
(4)
مقدمة ابن خلدون ص 383.
(5)
المرجع السابق.