الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأجيب عن ذلك بجوابين:
أ - أن الشفاعة هنا في تخفيف العذاب وليست في الخروج من النار وقد نص على ذلك القرطبي رحمه الله حيث قال: "فإن قيل: فقد قال الله تعالى: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} قيل له: لا تنفع في الخروج من النار، كعصاة الموحدين الذين يخرجون منها ويدخلون الجنة"
(1)
.
ب - أن هذا خاص بأبي طالب وهذا مال إليه البيهقي في كتابه البعث والنشور حيث قال: "صحت الرواية في شأن أبي طالب فلا معنى للإنكار من حيث صحة الرواية، ووجهه عندي أن الشفاعة في الكفار إنها امتنعت لوجود الخبر الصادق في أنه لا يشفع فيهم أحد وهو عام في حق كل كافر، فيجوز أن يخص منه ما ثبت الخبر بتخصيصه"
(2)
.
2 -
أن الرسول صلى الله عليه وسلم يشفع لأهل الموقف يوم القيامة، وفيهم المؤمن والكافر.
والجواب عن ذلك: أن شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم يومئذ لن تنجي الكفار من النار، بل هي لفصل القضاء بين الناس، وهذا شامل للمؤمنين والكفار.
*
حكم طلب الشفاعة من الرسول صلى الله عليه وسلم في الدنيا
(3)
:
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: "والشفاعة حق ولا تطلب في دار الدنيا إلا من الله تعالى كما قال تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: 18] وقال: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} [يونس: 106] "
(4)
.
(1)
التذكرة في أحوال الآخرة ص 282.
(2)
فتح الباري 11/ 431.
(3)
انظر للاستزادة: التوسل والوسيلة ص 121.الاقتضاء 2/ 823. تيسير العزيز الحميد ص 295. الدرر السنية 2/ 158. هذه مفاهيمنا ص 151، ص 167.
(4)
مجموعة مؤلفات الشيخ 5/ 113 باختصار.
وقال السهسواني: "طلب الشفاعة منه صلى الله عليه وسلم في حياته ثابت بلا شك، وكذلك طلب الشفاعة منه صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، وهذا لا ينكره أحد .. وأما حصول الإذن الآن بالشفاعة التي تكون يوم القيامة فثبوته غير مسّلم"
(1)
.
يقول ابن تيمية: "إن طلب شفاعته ودعائه واستغفاره بعد موته وعند قبره ليس مشروعا عند أحد من أئمة المسلمين ولا ذكر هذا أحد من الأئمة الأربعة وأصحابهم القدماء وإنما ذكر هذا بعض المتأخرين ذكروا حكاية عن العتبى أنه رأى أعرابيًا أتى قبره وقرأ هذه الآية وأنه رأى في المنام أن الله غفر له وهذا لم يذكره أحد من المجتهدين من أهل المذاهب المتبوعين الذين يفتى الناس بأقوالهم ومن ذكرها لم يذكر عليها دليلًا شرعيًا. ومعلوم أنه لو كان طلب دعائه وشفاعته واستغفاره عند قبره مشروعا لكان الصحابة والتابعون لهم بإحسان أعلم بذلك وأسبق إليه من غيرهم ولكان أئمة المسلمين يذكرون ذلك وما أحسن ما قال مالك: لا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها"
(2)
.
وهذه المسألة كانت مثار جدل بين من يتزلفون للقبور وبين من يدعون لإخلاص الدين لله وحده.
يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في كشف الشبهات": "فإن قال
(3)
:
(1)
صيانة الإنسان ص 363، ص 372. انظر: مجموع الفتاوى 1/ 134. الوسيلة والتوسل ص 121. هذه مفاهيمنا ص 167. الاقتضاء 2/ 823. الدرر السنية 2/ 158. هذه مفاهيمنا ص 151. تيسير العزيز الحميد ص 295 بتصرف يسير.
(2)
مجموع الفتاوى 1/ 241.
(3)
قال الشيخ ابن عثيمين: "قوله: فإن قال يعني إذا قال لك المشرك المشبه: هل تنكر شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم؟ وهو يقول هذا من أجل أن يلزمك بجواز دعاء النبي صلى الله عليه وسلم عسى أن يشفع لك عند الله إذا دعوته. فقل له: لا أنكر هذه الشفاعة ولا أتبرأ منها" شرح كشف الشبهات للشيخ محمد بن عثيمين من مجموع الفتاوى 7/ 69، 70.
أتنكر شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرأ منها؟ فقل، لا أنكرها ولا أتبرأ منها، بل هو صلى الله عليه وسلم، الشافع المشفع وأرجو شفاعته، ولكن الشفاعة كلها لله، كما قال الله تعالى {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ} [الزمر: 44].
ولا تكون إلا بعد إذن الله كما قال عز وجل: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255] ولا يشفع في أحد إلا من بعد أن يأذن الله فيه كما قال عز وجل {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: 28] وهو لا يرضى إلا التوحيد كما قال عز وجل: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85].
فإذا كانت الشفاعة كلها لله، ولا تكون إلا من بعد إذنه، ولا يشفع النبي صلى الله عليه وسلم، ولا غيره في أحد حتى يأذن الله فيه، ولا يأذن إلا لأهل التوحيد، تبين لك أن الشفاعة كلها لله فاطلبها منه، فأقول اللهم لا تحرمني شفاعته، اللهم شفعه فيَّ، وأمثال هذا.
فإن قال: النبي صلى الله عليه وسلم أعطي الشفاعة وأنا أطلبه مما أعطاه الله؟
فالجواب أن الله أعطاه الشفاعة ونهاك عن هذا فقال {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: 18] فإذا كنت تدعو الله أن يشفع نبيه فيك فأطعه في قوله: {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} ، وأيضًا فإن الشفاعة أعطيها غير النبي صلى الله عليه وسلم، فصح أن الملائكة يشفعون، والأولياء يشفعون، والأفراط يشفعون، أتقول: إن الله أعطاهم الشفاعة فأطلبها منهم؟
فإن قلت هذا رجعت إلى عبادة الصالحين التي ذكر الله في كتابه، وإن قلت: لا. بطل قولك: أعطاه الله الشفاعة وأنا أطلبه مما أعطاه الله""
(1)
.
(1)
كشف الشبهات انظر شرحها للشيخ محمد بن عثيمين من مجموع الفتاوى 7/ 69، 70.
ويعلق على هذا الشيخ ابن عثيمين قائلًا: "ثم إن هذا المشرك المشبه ليس يريد من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشفع له، ولو كان يريد ذلك لقال: اللهم شفع فيّ نبيك محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنه يدعو الرسول مباشرة ودعاء الله شرك أكبر مخرج من الملة، فكيف يريد هذا الرجل الذي يدعو مع الله غيره أن يشفع له أحد عند الله سبحانه وتعالى"
(1)
.
وفي الرد على من زعم إجماع الحنابلة وغيرهم على طلب الشفاعة من الرسول صلى الله عليه وسلم بعد موته عند زيارته. قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن: "وما علمت أحدًا من أهل العلم وأئمة الفتوى قال هذا، لا من الصحابة ولا من غيرهم؛ بل حكى الشيخ الإمام أحمد بن عبد الحليم: الإجماع على المنع من دعائه صلى الله عليه وسلم والطلب منه؛ وقرر: أن هذا من شعب الشرك الظاهرة
…
وقال الحافظ محمد بن عبد الهادي - من أكابر الحنابلة وعلمائهم -: "والسلف كلهم متفقون على أن الزائر لا يسأله شيئًا يعني النبي صلى الله عليه وسلم ولا يطلب منه ما يطلب منه في حياته، ويطلب منه يوم القيامة، لا شفاعة ولا استغفارًا؛ وقال أيضًا: والحكاية التي تنسب إلى مالك مع أبي جعفر المنصور، كذب عند أهل المعرفة بالنقل والتصحيح". انتهى"
(2)
.
وقد تقرر أن من جعل الأنبياء والملائكة وسائط بين الله وبين خلقه، كالحجاب الذين يكونون بين الملك ورعيته، بحيث يزعم أنهم يرفعون الحوائج إلى الله، وأن الله يرزق عباده، وينصرهم بتوسطهم، أي بمعنى: أن الخلق يسألونهم، وهم يسألون الله؛ فمن اعتقد هذا فهو كافر مشرك
(3)
.
(1)
المرجع السابق.
(2)
الدرر السنية 12/ 216 - 221.
(3)
الدرر السنية 11/ 14.
يقول ابن تيمية رحمه الله: "وإن أثبتم وسائط بين الله وبين خلقه كالحجاب الذين بين الملك ورعيته بحيث يكونون هم يرفعون إلى الله حوائج خلقه، فالله إنما يهدي عباده ويرزقهم بتوسطهم، فالخلق يسألونهم، وهم يسألون الله، كما أن الوسائط عند الملوك، يسألون الملوك حوائج الناس، لقربهم منهم، والناس يسألونهم أدبًا منهم أن يباشروا سؤال الملك، أو لأن طلبهم من الوسائط أنفع لهم من طلبهم من الملك، لكونهم أقرب إلى الملك من الطالب للحوائج، فمن أثبتهم وسائط على هذا الوجه فهو كافر مشرك، يجب أن يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، وهؤلاء مشبهون لله، شبهوا المخلوق بالخالق، وجعلوا لله أندادًا"
(1)
.
ويقول أيضًا: "من أثبت وسائط بين الله وبين خلقه، كالوسائط التي تكون بين الملوك والرعية فهو مشرك، بل هذا دين المشركين عباد الأوثان، كانوا يقولون: إنها تماثيل الأنبياء والصالحين، وإنها وسائل يتقربون بها إلى الله، وهو من الشرك، وهو من الشرك الذي أنكره الله على النصارى"
(2)
.
وبهذا يظهر لك جليًا حكم الاستشفاع بالأولياء والصالحين من أموات المسلمين؛ قال في التيسير: "فتبين أن دعاء الصالحين من الملائكة، والأنبياء وغيرهم شرك، كما كان المشركون الأولون يدعونهم ليشفعوا لهم عند الله فأنكر الله عليهم ذلك فأخبر أنه لا يرضاه ولا يأمر به كما قال تعالى:{وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 80]
(3)
.
وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن: "ولا ريب أن الاستشفاع بالموتى يتضمن أنواعًا من العبادة: سؤال غير الله، وإنزال الحوائج به من دون الله، ورجائه،
(1)
مجموع الفتاوى 1/ 126.
(2)
مجموع الفتاوى 1/ 134.
(3)
تيسير العزيز الحميد ص 281.