الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
170 - شرك التسمية
*
من تمام الشكر ألا يُعبَّد الاسم إلا لله وتعبيد الاسم لغير الله حرام وشرك ينافي كمال التوحيد.
* ومن الأدلة على شرك الطاعة: قول الله تعالى: {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الأعراف: 190].
* معنى قوله تعالى: {جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا} :
ذكر المفسرون عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "لما تغشاها آدم حملت فأتاهما إبليس فقال: إني صاحبكما الذي أخرجتكما من الجنة لتطيعنني أو لأجعلنّ له قرني أيّل فيخرج من بطنك فيشقه ولأفعلن ولأفعلن يُخوِّفُهما، سمياه عبد الحارث، فأبيا أن يطيعاه فخرج ميتًا، ثم حملت فأتاهما فقال مثل قوله فأبيا أن يطيعاه فخرج ميتًا. ثم حملت فأتاهما فذكر لهما فأدركهما حُبُّ الولد فسمياه عبد الحارث، فذلك قوله: {جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا} "
(1)
.
وقال عكرمة: "ما أشرك آدم ولا حواء وكان لا يعيش لهما ولد فأتاهما الشيطان فقال: إن سركما أن يعيش لكما ولد فسمياه عبد الحارث فهو قوله {جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا} "
(2)
.
* تيسير العزيز الحميد ص 637. فتح المجيد ص 521. حاشية كتاب التوحيد لابن قاسم ص 332. القول المفيد لابن عثيمين ط 1 - 3/ 57، ط 2 - 3/ 72 ومن المجموع 10/ 884. الدين الخالص 2/ 105. دعوة التوحيد محمد خليل هراس ص 85. جهود علماء الحنفية ص 387.
(1)
انظر تفسير ابن جرير الطبري للآية 190 من سورة الأعراف 9/ 146.
(2)
تفسير ابن جرير الطبري للآية 190 من سورة الأعراف 9/ 146، 147.
وقال قتادة: "كان آدم عليه السلام لا يولد له ولد إلا مات، فجاءه الشيطان فقال: إن سرك أن يعيش ولدك هذا فسمه عبد الحارث، ففعل قال: فأشركا في الاسم ولم يشركا في العبادة"
(1)
.
وقال أيضًا: "شركًا في طاعته ولم يكن شركًا في عبادته"
(2)
.
وقال مجاهد: "كان لا يعيش لآدم وامرأته ولد فقال لهما الشيطان: إذا ولد لكما ولد فسمياه عبد الحارث ففعلا وأطاعاه فذلك قول الله {جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا}
(3)
.
وذكر ابن جرير الطبري قولًا آخر فقال: "وقال آخرون: بل المعنيّ بذلك رجل وامرأة من أهل الكفر من بني آدم جعلا الله شركاء من الآلهة والأوثان حين رزقهما ما رزقهما من الولد، وقالوا معنى الكلام: هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها - أي هذا الرجل الكافر - حملت حملًا خفيفًا فلما أثقلت دعوتما الله ربكما، قالوا: وهذا مما ابتديء به الكلام على وجه الخطاب، ثم رد إلى الخبر عن الغائب كما قيل:{هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ} .
ثم ذكر من قال ذلك - وهو الحسن البصري - وعقب عليه بقوله:
قال أبو جعفر: وأولى القولين بالصواب قول من قال عنى بقوله: {جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا} في الاسم لا في العبادة، وأن المعني بذلك آدم وحواء لإجماع الحجة من أهل التأويل على ذلك"
(4)
.
(1)
تفسير ابن جرير الطبري للآية 190 من سورة الأعراف 9/ 147.
(2)
تفسير ابن جرير الطبري للآية 190 من سورة الأعراف 9/ 147.
(3)
تفسير ابن جرير الطبري للآية 190 من سورة الأعراف 9/ 148.
(4)
تفسير ابن جرير الطبري للآية 190 من سورة الأعراف 9/ 148.
وممن أبطل القصة أو قال أن الآية عائدة إلى بني آدم: ابن حزم وابن كثير في تفسيره وابن القيم وابن عثيمين وغيرهم.
وقال ابن كثير في التفسير: "وأما نحن فعلى مذهب الحسن البصري رحمه الله في هذا، وأنه ليس المراد من هذا السياق آدم وحواء"
(1)
.
وقال ابن القيم رحمه الله "
…
فالنفس الواحدة وزوجها آدم وحواء واللذان جعلا له شركاء فيما آتاهما المشركون من أولادهما، ولا يلتفت إلى غير ذلك مما قيل إن آدم وحواء كانا لا يعيش لهما ولد فأتاهما إبليس، فقال: إن أحببتما أن يعيش لكما ولد فسمِّياه عبد الحارث، ففعلا، فإن الله سبحانه اجتباه وهداه، فلم يكن ليشرك به بعد ذلك"
(2)
.
ويذكر الإمام ابن القيم الاستطراد في القرآن ويتعرض له في كتبه ذاكرًا من أمثلته آدم وحواء فيقول: "
…
بل هذا استطراد من الشيء إلى نظيره وشبهه ولازمه وله نظائر في القرآن كثيرة كقوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً} إلى آخر الآية، فاستطرد من الشخص المخلوق من الطين وهو آدم إلى النوع المخلوق من النطفة وهم أولاده وأوقع الضمير على الجميع بلفظ واحد ومثله قوله تعالى:{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} إلى آخر الآيات
…
"
(3)
.
ونرى الشيخ صلاح الدين الصفدي يناقش شيخ الإسلام في ثبوت هذه القصة فيقول: "سألت الشيخ الإمام العلامة تقي الدين أحمد بن تيمية رحمه الله سنة سبع مئة
(1)
تفسير ابن كثير للآية 190 من سورة الأعراف.
(2)
روضة المحبين ص 289.
(3)
هداية الحيارى ص 187، وانظر شفاء العليل 1/ 263.
وثمانية عشر أو سنة سبع مئة وسبعة عشر بدمشق المحروسة عن قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا
…
} على قوله تعالى: {فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الأعراف:189 - 190]؛ فأجاب بما قاله المفسرون في الجواب، وهو آدم وحواء، وأن حواء لما أثقلت بالحمل أتاها إبليس في صورة رجل، وقال: أخاف من هذا الذي في بطنك أن يخرج من دبرك أو يشق بطنك وما يدريك لعله يكون بهيمةً أو كلبًا، فلم تزل في همٍّ حتى أتاها ثانيًا وقال: سألت الله أن يجعله بشرًا سويًا، وإن كان كذلك، فسميه "عبد الحارث"، وكان اسم إبليس في الملائكة "الحارث"؛ فذلك قوله تعالى:{فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا} . وهذا مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ فقلت له: هذا فاسد من وجوه:
الأول: أنه تعالى قال في الآية الثانية {فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُون} ؛ فهذا دليل على أن القصة في حق جماعة.
الثاني: أنه ليس لإبليس في الكلام ذكر.
الثالث: أن الله تعالى علَّمَ آدم الأسماء كلَّها؛ فلابد وأنه كان يعلم أن الحارث اسمٌ لإبليس.
الرابع: أنه تعالى قال: {أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ} [الأعراف: 191]، وهذا يدل على أن المراد به الأصنام، الآن "ما" لما لا يعقل، ولو كان إبليس؛ لقال:"من" هي التي لمن يعقل.
فقال الشيخ تقي الدين: "قد ذهب بعض المفسرين إلى أن المراد بهذا قصي؛ لأنَّهُ سمى أولاده الأربعة: عبد مناف، وعبد العزى، وعبد قصي، وعبد الدار، والضمير في "يشركون" له ولأعقابه الذين يسمون أولادهم بهذه الأسماء وأمثالها.
قلت: وهذا أيضًا فاسد؛ لأنَّهُ تعالى قال: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا
زَوْجَهَا} وليس كذلك إلا آدم؛ لأن الله تعالى خلق حواء من ضلعه.
فقال [أي: ابن تيمية،]: المراد بهذا أن زوجته - زوجة قصي - من جنسه قرشية عربية؛ فما رأيت التطويل معه"" اهـ
(1)
.
وقد أبطل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله هذه القصة فقال:
"وهذه القصة باطلة من وجوه:
الوجه الأول: أنه ليس في ذلك خبر صحيح عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وهذا من الأخبار التي لا تتلقى إلا بالوحي، وقد قال ابن حزم عن هذه القصة: إنها رواية خرافة مكذوبة موضوعة.
الوجه الثاني: أنه لو كانت هذه القصة في آدم وحواء لكان حالهما إما أن يتوبا من الشرك أو يموتا عليه، فإن قلنا ماتا عليه كان ذلك أعظم من قول بعض الزنادقة.
إذا ما ذكرنا آدم وفعاله .... وتزويجه بنتيه بابنيه بالخنا
علمنا بأن الخلق من نسل فاجر ....... وأن جميع الناس من عنصر الزنا
فمن جوّز موت أحد من الأنبياء علي الشرك فقد أعظم الفرية، وإن كان تابا من الشرك فلا يليق بحكمة الله وعدله ورحمته أن يذكر خطأهما، ولا يذكر توبتهما منه، فيمتنع غاية الامتناع أن يذكر الله الخطيئة من آدم وحواء وقد تابا، ولم يذكر توبتهما، والله تعالى إذا ذكر خطيئة بعض أنبيائه ورسله ذكر توبتهم منها كما في قصة آدم نفسه حين أكل من الشجرة وزوجه وتابا من ذلك.
الوجه الثالث: أن الأنبياء معصومون من الشرك باتفاق العلماء.
الوجه الرابع: أنه ثبت في حديث الشفاعة أن الناس يأتون إلى آدم يطلبون منه الشفاعة فيعتذر بأكله من الشجرة وهو معصية، ولو وقع منه الشرك لكان اعتذاره
(1)
الغيث المسجح 2/ 24 - 25.
به أقوى وأولى وأحرى.
الوجه الخامس: أن في هذه القصة أن الشيطان جاء إليهما وقال: أنا صاحبكما الذي أخرجكما من الجنة. وهذا لا يقوله من يريد الإغواء، وإنما يأتي بشيء يقرب قبول قوله، فإذا قال:"أنا صاحبكما الذي أخرجكما من الجنة" فسيعلمان علم اليقين أنه عدو لهما فلا يقبلان منه صرفًا ولا عدلًا.
الوجه السادس: أن في قوله في هذه القصة: "لأجعلن له قرني أيل" إما أن يُصدِّقا أن ذلك ممكن في حقه وهذا شرك في الربوبية، لأنَّهُ لا يقدر على ذلك إلا الله أولا يُصدِّقا فلا يمكن أن يقبلا قوله وهما يعلمان أن ذلك غير ممكن في حقه.
الوجه السابع: قوله تعالى: {فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الأعراف: 190] بضمير الجمع ولو كان آدم وحواء لقال: عما يشركان.
فهذه الوجوه تدل علي أن هذه القصة باطلة من أساسها، وأنه لا يجوز أن يعتقد في آدم وحواء أن يقع منهما شرك بأي حال من الأحوال، والأنبياء منزهون عن الشرك مبرئون منه باتفاق أهل العلم، وعلي هذا فيكون تفسير الآية كما أسلفنا أنها عائدة إلى بني آدم الذين أشركوا شركًا حقيقيًّا فإن منهم مشركًا ومنهم موحدًا"
(1)
.
ولكن الفريق الثاني - الذين أثبتوا القصة - لهم أدلة ظاهرة كما تبيَّن لنا من قول قتادة ومجاهد وابن جرير الطبري، وقد أوضح قولهم القرطبي فقال:
"قال المفسرون: كان شركا في التسمية والصفة لا في العبادة والربوبية. وقال أهل المعاني: إنهما لم يذهبا إلى أن الحارث ربهما بتسميتهما ولدهما عبد الحارث لكنهما قصدا إلى أن الحارث كان سبب نجاة الولد فسمياه به كما يسمي الرجل نفسه عبد ضيفه على جهة الخضوع له لا علي أن الضيف ربه كما قال حاتم:
(1)
مجموع الفتاوى لابن عثيمين 10/ 894، 895، وانظر القول المفيد ط 1 - 3/ 67، 68.
وإني لعبد الضيف ما دام ثاويًا .... وما فيَّ إلا تيك من شيمة العبد"
(1)
وقال جلال الدين السيوطي في تفسير الجلالين: "فلما آتاهما ولدًا صالحًا جعلا له شركاء، وفي قراءة بكسر الشين والتنوين أي شِركًا فيما آتاهما بتسميته عبد الحارث ولا ينبغي أن يكون عبدًا إلا لله وليس بإشراك في العبودية لعصمة آدم"
(2)
.
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: "إنَّ هذا الشرك في مجرد تسمية، لم تُقصد حقيقتها"
(3)
.
وقد علَّق علي ذلك الشيخ عبد الرحمن بن حسن بقوله: "وهو مَحْمَل حسن، يُبيِّن أن ما وقع من الأبوين، من تسميتهما ابنهما عبد الحارث: إنما هو مجرد تسمية، لم يقصدا تعبيدَه لغير الله، وهذا معنى قول قتادة: شُركاء في طاعته، ولم يكن في عبادته"
(4)
وقال الشيخ سليمان بن عبد الله رحمه الله: "وإذا تأملت سياق الكلام من أوله إلى آخره مع ما فسره به السلف تبين قطعًا أن ذلك في آدم وحواء عليهما السلام فإن فيه غير موضع يدل علي ذلك والعجب ممن يكذب بهذه القصة وينسى ما جرى أول مرة
…
وليس المحذور في هذه القصة بأعظم من المحذور في المرة الأولى"
(5)
.
ويؤيد صحة القصة الشيخ عبد العزيز بن باز فيقول: "بل هو كما قال ابن عباس وغيره من السلف، وإن المعصية قد وقعت منهما، والمعصية قد تقع من الأنبياء إذا كانت صغيرة كما قال العلماء، ويُحتمل أنهما حينما فعلًا ذلك كانا يعتقدان جواز ذلك فلهذا فعلاه ولم يعلما أنه منكر وإنما كرهاه أولًا ثم خضعا لوسوسته
(1)
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 7/ 338 - 339. وقال بعد ذلك: "وقال قوم: إن هذا راجع إلى جنس الآدميين والتبيين عن حال المشركين من ذرية آدم عليه السلام، وهو الذي يُعوَّل عليه".
(2)
تفسير الجلالين للآية 190، من سورة الأعراف.
(3)
انظر: فتح المجيد ص 526.
(4)
المرجع السابق.
(5)
تيسير العزيز الحميد ص 638، 639.