الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإذا كان قول (سيدنا وابن سيدنا) منهي عنه فلأن ذلك بسبب تعاظم الممدوح وذلك مما ينافيع كمال التوحيد كما يسبب غلو المادح في ممدوحه.
* الدليل من السنة: عَنْ عَبْدِ الله بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَقُولُوا لِلْمُنَافِقِ سَيِّدٌ فَإِنَّهُ إِنْ يَكُ سَيِّدًا فَقَدْ أَسْخَطْتُمْ رَبَّكُمْ عز وجل"
(1)
.
وعَنْ مُطَرِّفٍ بن عبد اللهُ بن الشخير قَالَ: قَالَ أَبي انْطَلَقْتُ فِي وَفْدِ بَنِي عَامِرٍ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَقُلْنَا: أَنْتَ سَيِّدُنَا. فَقَالَ: "السَّيِّدُ الله تبارك وتعالى". قُلْنَا: وَأَفْضَلُنَا فَضْلًا، وَأَعْظَمُنَا طَوْلًا فَقَالَ:"قُولُوا بقَوْلِكُمْ أَوْ بَعْضِ قَوْلِكُمْ وَلا يَسْتَجْرِيَنَّكُمْ الشَّيْطَانُ"
(2)
.
وعَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يُحَدّثُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: "لا يَقُلْ أَحَدُكُمْ أَطْعِمْ رَبَّكَ وَضِّئْ رَبَّكَ اسْقِ رَبَّكَ وَلْيَقُلْ سَيِّدِي مَوْلايَ وَلا يَقُلْ أَحَدُكُمْ عَبْدِي أَمَتِي وَلْيَقُلْ فَتَايَ وَفَتَاتِي وَغُلامِي"
(3)
.
حكم وفوائد:
1 - حكم تسمية المخلوق بالسيد
(4)
:
قال الإمام ابن القيم في: "اختلف الناس في جواز إطلاق السيد على البشر، فمنعه قوم، ونقل عن مالك، واحتجوا بأنه صلى الله عليه وسلم لما قيل له: يا سيدنا قال: "إنما السيد الله"". وجوزه قوم، واحتجوا بقول النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم للأنصار:"قوموا إلى سيدكم". وهذا أصح من الحديث الأول. قال هؤلاء: السيد أحد ما يضاف إليه، فلا يقال للتميمي أنه سيد كندة، ولا يقال لمالك أنه سيد البشر. قال: وعلى هذا فلا يجوز أن
(1)
سنن أبي داود (4977).
(2)
سنن أبي داود (4806).
(3)
أخرجه البخاري (2552).
(4)
الفتح 5/ 179. الدرر السنية 10/ 99.
يطلق على الله هذا الاسم وفي هذا نظر، فإن السيد إذا أطلق عليه تعالى، فهو بمعنى المالك، والمولى، والرب، لا بالمعنى الذي يطلق على المخلوق"
(1)
.
ونص العلماء على النهي عن قول السيد على الإطلاق أو جهة التعاظم.
قال الخطابي: "لا يقال السيد ولا المولى على الإطلاق إضافة إلا في صفة الله تعالى"
(2)
.
وقال ابن حجر: "ويحتمل أن يكون المراد النهي عن الإطلاق كما تقدم من كلام الخطابي ويؤيد كلامه حديث بن الشخير المذكور والله أعلم وعن مالك تخصيص الكراهة بالنداء فيكره أن يقول يا سيدي ولا يكره في النداء"
(3)
.
وقال الخطابي: "المعنى في ذلك كله راجع إلى البراءة من الكبر والتزام الذل والخضوع الله عز وجل وهو الذي يليق بالمربوب"
(4)
.
وقال النووي: "المراد بالنهي من استعماله على جهة التعاظم لا من أراد التعريف"
(5)
.
وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن: "وأما قول يا سيد، ومولاي .. إلخ، فهذه الألفاظ تستعملها العرب علي معانٍ، كسادة الرياسة والشرف، والمولى يطلق علي السيد، والحليف، والمعتق، والموالي بالنصرة والمحبة والعتق، وأطلق السيد علي الزوج كما قال تعالى {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} [يوسف: 25]: فإطلاق هذه الألفاظ علي هذا الوجه معروف لا يُنكر، وفي السنة من ذلك كثير، وأما إطلاق
(1)
بدائع الفوائد 3/ 213.
(2)
فتح الباري 5/ 180.
(3)
فتح الباري 5/ 180.
(4)
فتح الباري 5/ 180.
(5)
فتح الباري 5/ 180.
ذلك في المعاني الحديثة كمن يدّعي أن السيد هو الذي يُدعى ويُعظّم، والولي هو الذي ينبغي منه النصر والشفاعة، ونحو ذلك من المقاصد الخبيثة، فهذا لا يجوز، بل هو من أقسام الشرك"
(1)
.
وقال الشيخ ابن عثيمين: "والسيد يطلق على معان، منها: المالك، الزوج، والشريف المطاع، وسيدي هنا مضافة إلى ياء المتكلم وليست علي وجه الإطلاق فالسيد علي وجه الإطلاق لا يقال إلا لله عز وجل قال صلى الله عليه وسلم: "السيد الله""
(2)
.
وقال أيضًا: "إطلاق السيد علي غير الله تعالى إن كان يقصد معناه وهي السيادة المطلقة فهذا لا يجوز، وإن كان يقصد به مجرد الإكرام فإن كان المخاطب به أهلًا للإكرام فلا بأس به. ولكن لا يقول: السيد بل يقول يا سيد، أو نحو ذلك، وإن كان لا يقصد به السيادة والإكرام وإنما هو مجرد اسم فهذا لا بأس به"
(3)
.
والذي أراه أن النهي متعلق بالخطاب والمواجهة بذلك لأنَّهُ مظنة التعاظم
(4)
.
كما ينهى عنه إذا ترتب عليه خضوع وإذلال
(5)
. وقد سبق من كلام ابن عثيمين أنه أحد الوجوه في المنع قال: "أن النهي بالخطاب أي أن تخاطب الغير بقولك: أنت سيدي أو سيدنا، بخلاف الغائب؛ لأن المخاطب ربما يكون في نفسه عجب وغلو وترفع، ثم إن فيه شيئًا آخر وهو خضوع هذا المتسيد له وإذلال نفسه له بخلاف ما إذا جاء من الغير، مثل: "قوموا إلى سيدكم"، أو علي سبيل الغيبة كقول العبد: قال سيدي ونحو ذلك
…
إلخ"
(6)
.
(1)
الدرر السنية 5/ 411، 412.
(2)
مجموع فتاوى ابن عثيمين 10/ 927، 928.
(3)
مجموع فتاوى ابن عثيمين 3/ 109.
(4)
انظر فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم 1/ 196.
(5)
مجموع الفتاوى لابن عثيمين 10/ 924، 925. وانظر القول المفيد ط 1 - 3/ 97.
(6)
مجموع فتاوى ابن عثيمين 10/ 1106.
وفي نهي الرسول صلى الله عليه وسلم لمن قال أنت سيدنا وابن سيدنا بيان أن مواجهة المادح للممدوح بالمدح - ولو بما فيه: أنه من عمل الشيطان؛ لأن ذلك يسبب تعاظم الممدوح ويسبب غلو المادح حتى ينزل الممدوح منزلة لا يستحقها.
وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن: "فقد صح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه وقال في معنى قول الله تعالى: ({قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا} [الأنعام: 164]؛ أي إلهًا وسيدًا، وقال في قوله تعالى: {اللَّهُ الصَّمَدُ} [الإخلاص: 2]: إنه السيد الذي انتهي سؤدده. وأما استدلالهم بقول النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم للأنصار: "قوموا إلى سيدكم" فالظاهر أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لم يواجه سعدًا به، فيكون في هذا المقام تفصيل. والله أعلم"
(1)
.
فلا يجوز أن يواجه الإنسان ويقال له: يا سيد من باب المدح، ويجوز أن يقال هذا في حقه إذا كان غائبًا، وكان ممن يستحق هذا الوصف وهذا يجمع الأدلة.
وقد سئل الشيخ محمد بن إبراهيم عن قول يا سيدي فلان، فأجاب رحمه الله:"ما ينبغي أليس في رسول الله أسوة حسنة إذ قال وهو سيد الخلق: "لسيد الله"
(2)
.
وورد إلى فتاوى اللجنة سؤال هذا نصه:
"س: هل يجوز أن أقول للضابط في الشرطة أو القوات المسلحة: حاضر يا سيدي؟
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه، وبعد:
جـ: يجوز أن تقول له: حاضر ولا يجوز أن تقول له: يا سيدي؛ لقول النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لما قال له بعض الصحابة: أنت سيدنا. قال: "السيد الله تبارك وتعالى". رواه أبو داود بإسناد صحيح"
(3)
.
(1)
فتح المجيد ص 612.
(2)
فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم 1/ 196.
(3)
فتاوى اللجنة 2/ 105.
وقال ابن عثيمين: "جرى شرّاح هذا الحديث على أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم نهاهم عن قول: "سيدنا" فحاولوا الجمع بين هذا الحديث وبين قوله صلى الله عليه وسلم: "أنا سيد ولد آدم"، وقوله: "قوموا إلى سيدكم"، وقوله في الرقيق: "وليقل سيدي ومولاي". بواحد من ثلاثة أوجه:
الأول: أن النهي على سبيل الكراهة والأدب، والإباحة على سبيل الجواز.
الثاني: أن النهي حيث يخشى منه المفسدة، وهي التدرج إلى الغلو، والإباحة إذا لم يكن هناك محذور.
الثالث: أن النهي بالخطاب أي أن تخاطب الغير بقولك: أنت سيدي أو سيدنا، بخلاف الغائب؛ لأن المخاطب ربما يكون في نفسه عجب وغلو وترفع، ثم إن فيه شيئًا آخر وهو خضوع هذا المتسيد له وإذلال نفسه له بخلاف ما إذا جاء من الغير، مثل:"قوموا إلى سيدكم"، أو علي سبيل الغيبة كقول العبد: قال سيدي ونحو ذلك، لكن هذا يرد عليه إباحته صلى الله عليه وسلم للرقيق أن يقول لمالكه: سيدي.
والذي يظهر لي أن لا تعارض أصلا لأن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أذن لهم أن يقولوا بقولهم، لكن نهاهم أن يستجريهم الشيطان بالغلو مثل "السيد"؛ لأن السيد المطلق هو الله تعالى وعلى هذا فيجوز أن يقال: سيدنا وسيد بني فلان ونحوه، لكن بشرط أن يكون الموجه إليه السيادة أهلا لذلك، أما إذا لم يكن أهلا كما لو كان فاسقًا أو زنديقا فلا يقال له ذلك حتى ولو فرض أنه أعلى منه مرتبة أو جاها، وقد جاء في الحديث:"لا تقولوا للمنافق سيد فإنكم إذا قلتم ذلك أغضبتم الله". فإذا كان أهلا لذلك وليس هناك محذور، فلا بأس به، وأما إن خشي المحذور أو كان غير أهل فلا يجوز. والمحذور: هو الخشية من الغلو فيه"
(1)
.
(1)
مجموع الفتاوى لابن عثيمين 10/ 1106، 1107. وانظر القول المفيد ط 1 - 3/ 112، 279، 280.