الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال الشيخ صالح الفوزان في تعليق الحلقة والخيط ونحوهما: "إن كان يعتقد أنها سبب فقط والواقي هو الله سبحانه فهذا شرك أصغر؛ لأن الله لم يجعل هذه الأشياء سببًا"
(1)
.
قال الشيخ صالح آل الشيخ: "هذه القاعدة صحيحة - في الجملة - لكن قد يُشْكِل دخول بعض الأمثلة فيها".
ثالثا: أسباب محرمة لكن لا تدخل في الشرك:
مثل: العلاج بالدم، فإنه محرم ويقدح في التوكل الواجب. وكذلك التداوى بالخمر، والسرقة للحصول على المال.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "فيحرم على المرء أن يتداوى بشيء حرمه الله عليه، وذلك لأنه لو كان مصلحة للعباد ما حرم عليهم، ولم يجعل الله شفاء هذه الأمة فيما حرم عليها، وقد سئل صلى الله عليه وسلم عن التداوي بالخمر، فقال: "إنه داء وليس بدواء"
(2)
.
وقد يحصل أن يشفي الله المريض إذا تناول شيئًا من هذا المحرم، فيظن الظان أنه برئ منه، ولكنه فتنة وامتحان من الله، فإنه لا يبرأ منه - أي من هذا الدواء المحرم -، ولكن يبرأ عند هذا الدواء المحرم، ولهذا لا نجزم أهذا الرجل شفي من لحم هذا الذئب، بل إننا نجزم بأنه لا شفاء فيما حرمه الله عز وجل.
وقد تداول الناس كلامًا فهموه على غير وجهه وهو قاعدة شرعية: إن الضرورات تبيح المحظورات، فقالوا: إن الإنسان إذا اضطر إلى الدواء المحرم، فإنه له أن يتناول، وهذا خطأ؛ لأن الدواء لا ضرورة إليه، لأنه قد يشفى الإنسان بدون دواء، وكم من إنسان استعمل أدوية كثيرة مما هي مباحة له، ولم يشف بها؟ فإذا تركها شفاه الله عز وجل، وكم من إنسان مرض ولم يتناول أدوية فشفاه الله؟ وكم
(1)
إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد 1/ 195.
(2)
أخرجه مسلم (1984).
من إنسان مرض فاستعمل الأدوية على ما ينبغي ومع ذلك لم ينج من المرض؟
وبقي مريضًا مع تناولها، وبهذا عرفنا أنه لا ضرورة إلى الدواء لأمرين:
الأول: لأنه ربما يشفي بدون دواء.
الثاني: فإنه إذا تناوله فليس من المؤكد أن يشفى به، فعلم بهذا أنه لا ضرورة، وأن الدواء المحرم لا تنطبق عليه هذه القاعدة، وعليه فلا يجوز التداوي بالحرام.
وليس معنى قولنا: لا ضرورة إلى الدواء أننا نمنع من التداوي، أو أننا نحذر منه، بل إننا نرى أن القول الراجح في التداوي أنه أفضل من عدمه إذا كان يرجى نفعه"
(1)
.
أما الأسباب المكروهة من الاسترقاء والاكتواء وغيرها، فتركها أولى ومباشرتها تقدح في تمام التوكل المستحب، فإن القلوب تتعلق بالكي والاسترقاء تعلقًا زائدًا.
ويدل على ذلك حديث عمران بن حصين رضي الله عنه أن رسول الله قال: "يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفًا بغير حساب "قالوا: من هم يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون وعك ربهم يتوكلون"
(2)
، وأيضًا لحديث العقار بن المغيرة بن شعبة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من اكتوى أو استرقى فقد برئ من التوكل"
(3)
.
قال الشيخ سليمان بن عبد الله رحمه الله: "واعلم أن الحديث لا يدل على أنهم لا يباشرون الأسباب أصلًا كما يظنه الجهلة فإن مباشرة الأسباب في الجملة أمر فطري ضروري لا انفكاك لأحد عنه حتى الحيوان البهيم، بل نفس التوكل مباشرة لأعظم الأسباب كما قال تعالى:{وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق:3]، أي:
(1)
فتاوى منار الإسلام ص 746 - 748.
(2)
أخرجه البخاري (5705).
(3)
مسند الإمام أحمد (18364)، وابن ماجه (3489) وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، وانظر السلسلة الصحيحة (244).