الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
148 - الرسول صلى الله عليه وسلم
- *
سبق تعريف السب وأنه الكلام الذي يقصد به الانتقاص والاستخفاف، وسأتناول بشيء من التفصيل حكم من سب الرسول صلى الله عليه وسلم أو تنقَّصه أو شتمه أو عابه أو استهزأ به.
قال صاحب الإنصاف: "من سب الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم كفر"
(1)
. ثم قرر أن: "حكم من تنقص النبي صلى الله عليه وسلم حكم من سبه صلوات الله وسلامه عليه"
(2)
.
قال أبو مصعب
(3)
: "سمعنا مالكًا يقول -: من سبَّ النبي صلى الله عليه وسلم أو شتمه، أو عابه، أو تنقصه قتل، مسلمًا كان أو كافرًا، ولا يستتاب"
(4)
.
وقال ابن وهب: "قال مالك: من قال إن رداء النبي صلى الله عليه وسلم وسخ أراد عيبه، قُتل"
(5)
.
* الشفا للقاضي عياض 2/ 934، 938. التمهيد لابن عبد البر 6/ 167 - 168. أحكام القرآن القرطبي 8/ 83. الصارم المسلول على شاتم الرسول لشيخ الإسلام ابن تيمية. أحكام أهل الذمة لابن القيم 2/ 830، 890. عمدة القارئ للعيني 24/ 82. فتح الباري 12/ 281. لوامع الأنوار للسفاريني 1/ 396 الدرر السنية 10/ 179. مجموع الفتاوى لابن باز 2/ 527. المسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد في العقيدة الأحمدي 2/ 95. منهج الإمام مالك في العقيدة 419. الإمام الخطابي ومنهجه في العقيدة لأبي عبد الرحمن العلوي ص 365. نواقض الإيمان القولية والعملية ص 164.
(1)
الإنصاف 10/ 326.
(2)
الإنصاف 10/ 333.
(3)
أبو مصعب: أحمد بن أبي بكر الزهري، قاضي المدينة وعالمها، وهو من رواة الموطأ (التقريب 78).
(4)
الشفا 2/ 936، 937. الصارم المسلول ص 311.
(5)
الشفا 2/ 937، 938.
وقال أبو بكر بن المنذر: "أجمع عوام
(1)
أهل العلم علي أن من سبَّ النبي صلى الله عليه وسلم يقتل، وممن قال ذلك مالك بن أنس، والليث، وأحمد، وإسحق، وهو مذهب الشافعي. قال القاضي عياض: وهو مقتضي قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ولا تقبل توبته عند هؤلاء المذكورين، وبمثله قال أبو حنيفة وأصحابه، والثوري وأهل الكوفة والأوزاعي في المسلم"
(2)
.
وقال الإمام إسحاق بن راهويه: "أجمع المسلمون علي أن من سب الله أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم أو دفع شيئا مما أنزل الله عز وجل؛ أو قتل نبيا من أنبياء الله عز وجل: أنه كافر بذلك وإن كان مقرًا بكل ما أنزل الله"
(3)
.
وقال القاضي: "قال محمد بن سحنون: أجمع العلماء على أن شاتم النبي صلى الله عليه وسلم والمتنقص له كافر، والوعيد جارٍ عليه بعذاب الله له، وحكمه عند الأمة القتل، ومن شك في كفره وعذابه كفر. وقال أبو سليمان الخطابي: لا أعلم أحدًا من المسلمين اختلف في وجوب قتله إذا كان مسلمًا"
(4)
.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "قد اتفقت نصوص العلماء من جميع الطوائف علي أن التنقص له كفر مبيح للدم"
(5)
.
وقال ابن باز: "كل من سب الله سبحانه بأي نوع من أنواع السب أو سب الرسول محمدا صلى الله عليه وسلم، أو غيره من الرسل بأي نوع من أنواع السب أو سب الإسلام أو تنقص أو استهزأ بالله أو برسوله صلى الله عليه وسلم، فهو كافر مرتد عن الإسلام إن كان يدّعي الإسلام أو تنقص
(1)
المقصود: جمع عامة بمعنى جماعة كثيرة، وليس المراد العامي.
(2)
الشفا 2/ 933 الصارم المسلول ص 3 - 4. فتح الباري 12/ 281.
(3)
الصارم المسلول 2/ 15.
(4)
الشفا 2/ 934 - 935. وقد نقل هذا القول شيخ الإسلام في الصارم المسلول 2/ 15 - 16.
(5)
الصارم المسلول 527.
بإجماع المسلمين لقول الله عز وجل {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 65 - 66] "
(1)
.
وقال في الشفا: "قال أبو حنيفة وأصحابه من برئ من محمد صلى الله عليه وسلم أو كذب به فهو مرتد حلال الدم إلا أن يرجع"
(2)
.
وقال القاضي عياض: "أن يكون القائل لما قال في جهته عليه السلام غير قاصد للسب، والإزراء، ولا معتقد له. ولكنه تكلم في جهته عليه السلام بكلمة الكفر من لعنه، أو سبه، أو تكذيبه أوإضافة ما لا يجوز عليه، أو نفي ما يجب له مما هو في حقه صلى الله عليه وسلم نقيصه مثل أن ينسب إليه إتيان كبيرة. أو مداهنة في تبليغ الرسالة. أو في حكم بين الناس. أو يغض من مرتبته أو شرف نسبه أو وفر علمه، أو زهده، أو يكذب بما اشتهر به من أمور أخبر بها وتواتر الخبر بها عن قصد لرد خبره. أو يأتي بسفه من القول، وقبيح من الكلام، ونوع من السب في حقه. وإن ظهر بدليل حاله، أنه لم يتعمد ذمه ولم يقصد سبه. إما لجهالة حملته علي ما قاله. أو الضجر، أو سكر اضطره إليه، أو قلة مراقبة وضبط للسانه، وعجرفة، وتهور في كلامه.
فحكم هذا الوجه حكم الوجه الأول القتل. وإن تلعثم. إذ لا يعذر أحد في الكفر بالجهالة، ولا بدعوى زلل اللسان ولا بشيء مما ذكرناه إذا كان عقله في فطرته سليمًا، إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان"
(3)
.
وقوله: "إذ لا يُعذر أحد في الكفر بالجهالة" لأن سب الرسول صلى الله عليه وسلم مما لا يتصور جهله بل هو من المعلوم من الدين بالضرورة.
يقول السبكي: "وفي هذا بحث زائد وهو أن القتل هل هو لعموم الردة أو
(1)
مجموع فتاوى ابن باز 2/ 527.
(2)
الشفا ص 975.
(3)
انظر: الشفا بتعريف حقوق المصطفى ص 971، 972.
لخصوص السَّبِّ؟ أو لهما معا؟
…
ولا شك أن الردة موجبة للقتل بالإجماع والنصوص، وخصوصُ السبِّ موجبٌ للقتل بحديث:"من سب نبيا فاقتلوه" ويترتب الحكم على الأذى وبترتيب الحكم علي خصوص الوصف يشعر بأنه هو العِلّة، وقد وُجِد في السابّ المسلم المعنيان جميعًا، أعني: الردة والسب فيكون اجتمع علي قتله علتان، كل منهما موجبة للقتل، والقتلَ حدٌّ لكل منهما، وقد تجتمع عِلّتان شرعيتان علي معلول واحد؛ ولهذا البحث أثر يظهرُ فيما إذا صدر السَّبُّ من كافر فإنه انفرد فيه السبُّ عن الارتداد وفيما إذا تاب السابُّ وأسلم"
(1)
.
وهذا الإجماع الذي نقلناه عن العلماء منصوص في قتل الساب سواء كان مسلمًا أو ذميًا. إلا أن أبا حنيفة وأصحابه خالفوا الإجماع في قتل الذمي وانتقاض عهده بالسب
(2)
. وذكروا أن ما هم عليه من الشرك أعظم. وقولهم مردود؛ لأنه مخالف للنص والإجماع. أما الإجماع فقد تقدم ذكره وأما النص فقد ثبت في سنن أبي داود عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: "أَنَّ أَعْمَى كَانَتْ لَهُ أُمُّ وَلَدٍ تَشْتُمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَتَقَعُ فِيهِ فَيَنْهَاهَا فَلا تَنْتَهِي وَيَزْجُرُهَا فَلا تَنزجِرُ قَالَ فَلَمَّا كَانَتْ ذَاتَ لَيْلَةٍ جَعَلَتْ تَقَعُ فِي النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَتَشْتُمُهُ فَأَخَذَ الْمِغْوَلَ فَوَضَعَهُ فِي بَطْنِهَا وَاتَّكَأَ عَلَيْهَا فَقَتَلَهَا فَوَقَعَ بَيْنَ رِجْلَيْهَا طِفْلٌ فَلَطَّخَتْ مَا هُنَاكَ بِالدَّمِ فَلَمَّا أَصْبَحَ ذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَجَمَعَ النَّاسَ فَقَالَ: "أَنْشُدُ الله رَجُلا فَعَلَ مَا فَعَلَ لِي عَلَيْهِ حَقٌّ إِلَّا قَامَ" فَقَامَ الأَعْمَى يَتَخَطَّى النَّاسَ وَهُوَ يَتَزَلْزَلُ حَتَّى قَعَدَ بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَال: يَا رَسُولَ الله أَنَا صَاحِبُهَا، كَانَتْ تَشْتُمُكَ وَتَقَعُ فِيكَ، فَأَنْهَاهَا فَلا تَنتهِي وَأَزْجُرُهَا فَلا تَنزجِرُ وَلِي مِنْهَا ابْنَانِ مِثْلُ اللُّؤْلُؤَتَيْنِ وَكَانَتْ بِي رَفِيقَةً، فَلَمَّا كَانَ الْبَارِحَةَ جَعَلَتْ تَشْتُمُكَ وَتَقَعُ
(1)
السيف المسلول ص 154، 155 وانظر أحكام الذمة لابن القيم 2/ 30، 890. مسائل الإمام أحمد 2/ 96 - 97.
(2)
عمدة القارئ للعيني 4/ 82 ومختصر الطحاوي 262 وفتح القدير مع الهداية 6/ 98.