الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دينهم الحق. على أن بعض العلماء - رحمهم الله تعالى - رأى عموم هذا الحديث لأمة محمد صلى الله عليه وسلم. قال ابن رجب رحمه الله في شرحه لهذا الحديث: "المراد أنه يئس أن تجتمع الأمة على الشرك الأكبر""
(1)
.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "يأس الشيطان أن يعبد في جزيرة العرب لا يدل على عدم الوقوع؛ لأنه لما حصلت الفتوحات وقوي الإسلام ودخل الناس في دين الله أفواجًا أيس أن يعبد سوى الله في هذه الجزيرة. فالحديث خبر عما وقع في نفس الشيطان ذلك الوقت ولكنه لا يدل على انتفائه في الواقع"
(2)
.
والأدلة التي تدل على وقوع الشرك في الجزيرة كثيرة منها وقوع الردة في عهد أبي بكر الصديق ومنها أحاديث صحيحة صرحت بذلك كحديث: "لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس على ذي الخلصة"
(3)
. وحديث: "لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى"
(4)
ومعلوم أن "ذو الخلصة" و"اللات" و "العزى". مكان وجودهم جزيرة العرب.
حدود جزيرة العرب وكلام أهل العلم فيه:
جزيرة العرب يحدها من الغرب: بحر القلزم، ويقال: بحر الحبشة ويعرف الآن باسم: البحر الأحمر. ومن الجنوب: بحر العرب ويقال: بحر اليمن. ومن الشرق: خليج البصرة ويعرف الآن باسم: الخليج العربي. وهذا التحديد من هذه الجهات الثلاث محل اتفاق بين الجغرافيين. وأما الحد الشمالي: فساحل البحر الأحمر الشرقي الشمالي وما على مُسامَتِتِه شرقًا من مشارف الشام وأطراره (الأردن
(1)
خصائص جزيرة العرب ص 33.
(2)
مجموع فتاوى ابن عثيمين 2/ 205.
(3)
أخرجه البخاري (7116)، ومسلم (2906).
(4)
أخرجه مسلم (2907).
حاليًا) ومنقطع السماوة من ريف العراق.
وقد وقع خلاف بين العلماء والفقهاء في حدود جزيرة العرب التي يؤمر الكافر بالخروج منها فمنهم من جعل الأمر بإخراج الكفار شاملًا الجزيرة كلها ومنهم من جعله لجزء منها ولكل منهم أدلة وإليك أقوالهم:
قال الأزهري: "قال أبو عبيد عن الأصمعي: جزيرة العرب: ما بين عدن أبين
(1)
إلى أطراف الشام في الطول وأما العرض فمن جدة وما والاها من شط البحر إلى ريف العراق.
وقال أبو عبيدة: هي ما بين حفر أبي موسى إلى أقصى تهامة في الطول. وأما العرض فما بين رمل يبرين إلى منقطع السماوة"
(2)
.
وقال الخليل: "إنما قيل لها "جزيرة العرب"؛ لأن بحر الحبش، وبحر فارس، والفرات قد أحاطت بها، ونسبت إلى العرب؛ لأنها أرضها، ومسكنها ومعدنها"
(3)
.
قال الفيومي في المصباح المنير: "ونقل البكري أن جزيرة العرب: مكة والمدينة واليمن واليمامة، وقال بعضهم: جزيرة العرب خمسة أقسام: تهامة، ونجد، وحجاز، وعروض، ويمن، فأما تهامة: فهي الناحية الجنوبية من الحجاز، وأما نجد فهي الناحية التي بين الحجاز والعراق، وأما الحجاز: فهو جبل يقبل من اليمن حتى يتصل بالشام، وفيه المدينة وعمان، وسمي حجازًا لأنه حجز بين نجد وتهامة، وأما العروض: فهو اليمامة إلى البحرين، وأما اليمن: فهو أعلى من تهامة،
(1)
قال محقق تهذيب اللغة: "في الأصل بسكون الدال وهي عدن المشهورة بلد أو مدينة بأقصى بلاد اليمن على ساحل البحر، أضيفت إلى (أبين) كأبيض وهو رجل من حمير لأنه عدن بها أي أقام".
(2)
تهذيب اللغة، المصباح المنير للفيومي، الصحاح، النهاية (ج ز ر) التمهيد 1/ 172، أحكام أهل الذمة 1/ 177.
(3)
أحكام أهل الذمة 1/ 178.
هذا قريب من قول الأصمعي"
(1)
.
ويقول ابن حجر: "قال الزبير بن بكار في أخبار المدينة أخبرت عن مالك، عن ابن شهاب قال: جزيرة العرب: المدينة. قال الزبير: قال غيره: جزيرة العرب ما بين العذيب
(2)
إلى حضرموت، قال الزبير: وهذا أشبه، وحضرموت آخر اليمن "
(3)
.
وذكر الباجي عن مالك أنه قال: "جزيرة العرب: منبت العرب، قيل لها: جزيرة العرب، بإحاطة البحور والأنهار بها"
(4)
.
وقال مالك أيضًا: "أرى أن يجلوا من أرض العرب كلها؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يجتمع دينان في جزيرة العرب"
(5)
.
وهذه الرواية تلتقي مع التحديد الجغرافي. وتأتي روايات أخرى.
وفي رواية بكر بن محمد عن أبيه قال: سألت أبا عبد الله - يعني: الإمام أحمد - عن جزيرة العرب؟ فقال: "إنما الجزيرة موضع العرب، وأي موضع يكون فيه أهل السواد والفرس، فليس هو جزيرة العرب، موضع العرب: الذي يكونون فيه"
(6)
.
وروى ابنه عبد الله عنه، قال:"سمعت أبي يقول في حديث: "لا يبقى دينان في جزيرة العرب": تفسيره: ما لم يكن في يد فارس والروم. قيل له: ما كان خلف
(1)
المصباح المنير (ج ز ر).
(2)
العذيب من أرض العراق بعد القادسية بأربعة أميال على حدود البادية كما جاء في معجم البلدان.
(3)
فتح الباري 6/ 171.
(4)
انظر المنتقى 7/ 195.
(5)
المغني 9.
(6)
انظر الأحكام السلطانية 196، أحكام أهل الذمة 1/ 176، 177.
العرب؟ قال: نعم"
(1)
.
وقال النووي: "وأضيفت إلى العرب لأنها الأرض التي كانت بأيديهم قبل الإسلام وديارهم التي هي أوطانهم وأوطان أسلافهم"
(2)
.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: "جزيرة العرب: هي من بحر القُلْزم إلى بحر البصرة، ومن أقصى حِجْرِ اليمامة إلى أوائل الشام؛ بحيث كانت تدخل اليمن في دارهم، ولا تدخل فيها الشام، وفي هذه الأرض كانت العرب حين البعث وقبله
…
"
(3)
.
وقال الشيخ بكر أبو زيد: "ولهذا التّحديد بالمياه الإقليمية الثلاثة صارت تعرف عند المتأخرين باسم "شبه جزيرة العرب"، وإنما قيل: "جزيرة العرب"؛ بحكم إحاطتها بثلاثة أبحر، ولأن الحد الشمالي، وإن كان إلى مشارف الشام وريف العراق؛ فإن ما وراء ذلك من أنهار: بردى، ودجلة، والفرات، متصل برأس الخليج العربي، فكأن التجوز في الإطلاق بحكم المجاورة"
(4)
.
وما سبق من الروايات والأقوال يلتقي بعضها مع التحديد الجغرافي المشهور بأن الجزيرة موضع العرب المحاط بالمياه الإقليمية الثلاثة.
لكن هل يُمنع اليهود والنصارى من سكناها جميعا؟ في هذا خلاف قديم، فمنهم من يرى أن الحد الجغرافي هو التحديد الصحيح وهو أحد الأقوال عند الإمامين مالك وأحمد رحمهما الله وهو قول يذكر لشيخ الإسلام ونصره الشيخ بكر أبو زيد والقول الآخر أنها خاصة بالحجاز وما والاها.
(1)
أحكام أهل الملل للخلال 24، 25 الأحكام السلطانية 196، أحكام أهل الذمة 1/ 177.
(2)
مسلم بشرح النووي 11/ 93.
(3)
اقتضاء الصراط المستقيم ص 166 ط - الفقي.
(4)
خصائص جزيرة العرب ص 18، 19.
واستدل أصحاب القول الثاني بحديث أبي عبيدة بن الجرَّاح رضي الله عنه قال: آخرُ ما تكلَّم به النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "أخرجوا يهودَ أهل الحجاز، وأهل نجران من جزيرة العرب، واعلموا أن شرار الناس الذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"
(1)
.
وفي رواية: "أخرجوا اليهودَ من الحجاز"
(2)
.
وقالوا إن الحديث وإن ورد فيه الأمر بإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب، إلا أن المراد بعض الجزيرة لا كلها، بدليل أن عمر رضي الله عنه أخرج يهود خيبر وفدك ولم يخرج أهل تيماء، وهي من جزيرة العرب، فإن عمر رضي الله عنه لما تولى الخلافة كان يهود في خيبر وال نجران في نجران والمجوس في هجر واشتغل بالفتوحات خارج جزيرة العرب فتح فارس والشام، ومصر وقبرص، وأخرج عمر رضي الله عنه يهود خيبر لما نقضوا العهد، وأبقى يهود اليمن، ومجوس الأحساء.
قال مالك: عمرُ أجلى أهل نجران ولم يُجلوا من تيماء؛ لأنها ليست من بلاد العرب، فأما الوادي فإني أرى إنما لم يُجل من فيها من اليهود أنهم لم يروها من أرض العرب"
(3)
.
وفي شرح مسلم عند ذكر إجلاء عمر لليهود من خيبر، وفيه:(فأجلاهم عمر إلى تيماء وأريحاء) قال النووي: "وفي هذا دليل أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم بإخراج اليهود
(1)
أخرجه الإمام أحمد في (المسند)(3/ رقم 1691/ 221) والبخاري في (التاريخ الكبير)(4/ 57) والدارمي في (السنن)(2/ 233) وأبو يعلى الموصلي في (المسند)(2/ رقم 872/ 177) والبيهقي في (الكبرى)(9/ 208) من طرقٍ عن يحيى بن سعيد عن إبراهيم بن ميمون ثنا سعد بن سمرة بن جندب عن أبيه به. وإسناده صحيحٌ، وصححه الإمام ابن عبد البر في (التمهيد)(1/ 169) والعلامة الألباني في (الصحيحة) رقم 1132.
(2)
[تلخيص الحبير 12 - 2311].
(3)
السنن) (كتاب الخراج)(باب في إخراج اليهود من جزيرة العرب)(3/ رقم 3033/ 425) وانظر (شرح السنة) للبغوي (11/ 180)(التمهيد)(1/ 169 - 173).
والنصارى من جزيرة العرب إخراجهم من بعضها، وهو الحجاز خاصة؛ لأن تيماء من جزيرة العرب لكنها ليست من الحجاز والله أعلم"
(1)
.
قال بشر بن عمر: "قلت لمالك إننا لنرجو أن تكون من جزيرة العرب يريد البصرة، لأنه لا يحول بيننا وبينكم نهر، فقال: ذلك إن كان قومك تبؤوا الدار والإيمان"
(2)
.
قال النووي: "وحكى الهروي عن مالك: أن جزيرة العرب هي المدينة والصحيح المعروف عن مالك أنها مكة والمدينة واليمامة واليمن
(3)
، وأخذ بهذا الحديث مالك، والشافعي وغيرهما من العلماء، فأوجبوا إخراج الكفار من جزيرة العرب، وقالوا: لا يجوز تمكينهم من سكناها، ولكن الشافعي خص هذا الحكم ببعض جزيرة العرب، وهو الحجاز، وهو عنده: مكة، والمدينة، واليمامة وأعمالها دون اليمن وغيره مما هو من جزيرة العرب، بدليل آخر مشهور في كتبه وكتب أصحابه"
(4)
.
(1)
شرح مسلم 10/ 213، 213.
(2)
التمهيد 1/ 173.
(3)
روى الزهري عن مالك قال: "جزيرة العرب: المدينة، ومكة، واليمامة، واليمن". واليمامة كانت داخلة في عمل المدينة، وكان أمرها مضطربا حسب الولاية في العصرين الأموي والعباسي، فأحيانا تضاف إلى المدينة، وأحيانا تفرد برأسها. انظر خصائص جزيرة العرب 22. وقال ابن عبد البر في التمهيد:"قال مالك بن أنس: جزيرة العرب: المدينة ومكة واليمامة واليمن وقال المغيرة بن شعبة: جزيرة العرب: المدينة ومكة واليمن وقرياتها" التمهيد 1/ 172، وانظر المنتقى 7/ 195.
وقال يعقوب بن محمد: سألت المغيرة بن عبد الرحمن عن جزيرة العرب؟ فقال: مكة والمدينة واليمامة واليمن ذكره الإمام البخاري في (الجامع الصحيح كتاب الجهاد باب جوائز الوفد /6 ص 170 - فتح).
(4)
مسلم بشرح النووي 11/ 93.
وألَّف الحسين بن محمد بن سعيد اللاعى المعروف بالمغربى، قاضي صنعاء ومحدثها رسالة في حديث:"أخرجوا اليهود من جزيرة العرب" رجح فيها: أنه إنما يجب إخراجهم من الحجاز فقط محتجًا بما في رواية. بلفظ: "أخرجوا اليهود من الحجاز"
(1)
.
وقال الرملي: "ليس المراد جميع جزيرة العرب، بل الحجاز منها لأن عمر أجلاهم منه وأقرهم باليمن مع أنه منها"
(2)
.
* قال ابن قدامة بعد أن ذكر رواية عن الإمام أحمد في "جزيرة العرب المدينة وما والاها"
(3)
: "يعني أن الممنوع من سكنى الكفار به: المدينةُ وما والاها - وهو مكة، واليمامة، وخيبر، والينبع، وفدك، ومخاليفها، وما والاها - وهذا قول الشافعي
…
فكأن جزيرة العرب في تلك الأحاديث أريد بها الحجاز، وإنما سمي حجازًا لأنه حجز بين تهامة ونجد، ولا يمنعون أيضا من أطراف الحجاز كتيماء وفدك ونحوهما؛ لأن عمر لم يمنعهم من ذلك"
(4)
.
وقال ابن تيمية رحمه الله: "وقد أمر النبي في مرض موته أن تخرج اليهود والنصارى من جزيرة العرب - وهي الحجاز - فأخرجهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه من المدينة وخيبر وينبع واليمامة ومخاليف هذه البلاد"
(5)
.
وفي اختيارات ابن تيمية رحمه الله: "ويُمنعون من المقام في الحجاز، وهو [أي:
(1)
البدر الطالع 1/ 230، الأعلام للزركلي 2/ 256.
(2)
نهاية المحتاج 8/ 90.
(3)
قال ابن القيم: "قول الإمام أحمد: "جزيرة العرب: المدينة وما والاها" يريد مكة واليمامة وخيبر والينبع وفدك ومخالفيها. وهذا قول الشافعي لأنهم لم يجلوا من تيماء ولا من اليمن "انظر أحكام أهل الذمة 1/ 178.
(4)
المغني 13/ 242 - 244.
(5)
الفتاوى 28/ 630.
الحجاز]: مكة والمدينة واليمامة والينبع وفدك وتبوك ونحوها وما دون المنحني، وهو عقبة الصوان من الشام كمعان"
(1)
.
وقال ابن حجر: "لكن الذي يمنع المشركون من سكناه منها الحجاز خاصة، وهو مكة والمدينة واليمامة وما والاها، لا فيما سوى ذلك مما يطلق عليه اسم جزيرة العرب؛ لاتفاق الجميع على أن اليمن لا يمنعون منها، مع أنها من جملة جزيرة العرب، هذا مذهب الجمهور"
(2)
.
قال العلَّامة الفقيه يحيى بن أبي الخير العمراني الشافعي: "وما روي أن أحدًا من الخلفاء الراشدين أجلى مَن في اليمن من أهل الذمة وإن كانت من جزيرة العرب، فدل على ما ذكرناه
(3)
، وروي أيضا أن نصارى نجران أتوا عليًا رضي الله عنه فقالوا له: إن الكتاب بيدك والشفاعة على لسانك، وإن عمر أخرجنا من أرضنا، فرُدَّنا إليها، فقال علي رضي الله عنه: إن عمر كان رشيدًا في فعله، وإني لا أُغيِّرُ شيئًا فعله عمر. ونجران ليست من الحجاز، وإنما لنقضهم الصُّلح الذي صالحهم النبي صلى الله عليه وسلم على ترك الربا"
(4)
.
ويتبين بهذا أن هناك فرق بين وصف جزيرة العرب وبين تخصيص الحكم ببعض هذه الجزيرة، يوضح هذا أن شيخ الإسلام في الاقتضاء لما تحدث عن اسم العرب واسم العجم والاشتباه بين العجم والفرس تكلم بعده عن اسم العرب ثم ذكر لسانهم وأصلهم ومساكنهم فقال: "مساكنهم كانت أرض العرب، وهي جزيرة
(1)
اختيارات البعلي ص 264.
(2)
الفتح 6/ 198 تحت الحديث رقم 3053.
(3)
حيث بين أن المراد بجزيرة العرب في هذه الأخبار: الحجاز، وهي: مكة والمدينة واليمامة ومخالفيها.
(4)
البيان شرح كتاب (المهذب) للشيرازي (12/ 289).
العرب التي هي من بحر القلزم إلى بحر البصرة، ومن أقصي حجر اليمامة إلى أوائل الشام، بحيث كانت تدخل اليمن في دارهم، ولا تدخل فيها الشام، وفي هذه الأرض كانت العرب حين البعث وقبله" ثم ذكر رحمه الله أنهم سكنوا المشرق والمغرب
…
الخ فلم يكن كلامه حول معنى الحديث أو حول إخراج المشركين منه بل حول العرب فقط.
ولما أراد معنى الحديث قال كما في الاختيارات: ويُمنعون من المقام في الحجاز، وهو [أي: الحجاز]: مكة والمدينة واليمامة والينبع وفدك وتبوك ونحوها وما دون المنحني، وهو عقبة الصوان من الشام كمعان"
(1)
.
وعلى هذا فإن العالم قد يصف جزيرة العرب بما هو أبعد من مكة والمدينة وما حولها لكنه يرى تخصيص الأمر بإخراج المشركين ببعض تلك الجزيرة.
ومما يُستدل به على بطلان حمل الحديث على جزيرة العرب التي في اصطلاح الجغرافيِّين؟
قول الشافعي في الأم: "لم أعلم أن أحدا أجلى أحدا من أهل الذمة من اليمن وقد كانت بها ذمة وليست بحجاز، فلا يجليهم أحد من اليمن ولا بأس أن يصالحهم على مقامهم باليمن، وقد تقدم نقل النووي عن الشافعي رحمه الله أنه خص هذا الحكم ببعض جزيرة العرب وهو الحجاز وهو عنده مكة والمدينة واليمامة وأعمالها دون اليمن"
(2)
.
وما ذكره النووي عن الشافعي حكاه ابن حجر
(3)
اتفاقًا، وقال ابن القيم حاكيًا مذهب الشافعي: "وقد أدخل بعض أصحاب الشافعي اليمن في جزيرة العرب
(1)
اختيارات البعلي ص 264.
(2)
شرح النووي على صحيح مسلم 11/ 93، 94.
(3)
فتح الباري 6/ 171.
ومنعهم من الإقامة فيها وهذا وَهْمٌ فإن النبي بعث معاذًا قبل موته إلى اليمن وأمره أن يأخذ من كل حالم دينارًا وأقرهم فيها وأقرهم أبو بكر بعده وأقرهم عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم ولم يجلوهم من اليمن مع أمر رسول الله بإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب فلم يعرف عن إمام أنه أجلاهم من اليمن، وإنما قال الشافعي وأحمد يخرجون من مكة والمدينة واليمامة وخيبر وينبع ومخاليفها ولم يذكرا اليمن ولم يجلوا من تيماء أيضًا، وكيف يكون اليمن من جزيرة العرب وهي وراء البحر فالبحر بينها وبين الجزيرة، فهذا القول غلط محض"
(1)
.
* فائدة (1): المياه الإقليمية للحجاز وما والاها وما فيها من الجزر تابعة له في الحكم وهذا ما وضحه الإمام الشافعي حيث قال - رحمه الله تعالى -: "لا يمنع أهل الذمة من ركوب بحر الحجاز - أي على سبيل العبور -، ويمنعون من المُقام في سواحله، وكذا إن كانت في بحر الحجاز جزائر وجبال تسكن؛ منعوا من سكناها؛ لأنها من أرض الحجاز"."
(2)
.
* فائدة (2): سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن المدينة هل هي من الشام فأجاب - رحمه الله تعالى -: "مدينة النبي صلى الله عليه وسلم من الحجاز باتفاق أهل العلم، ولم يقل أحد من المسلمين ولا غيرهم أن المدينة النبوية من الشام، وإنما يقول هذا جاهل بحد الشام والحجاز، جاهل بما قاله الفقهاء وأهل اللغة وغيرهم، ولكن يقال المدينة شامية، ومكه يمنية: أي المدينة أقرب إلى الشام، ومكة أقرب إلى اليمن وليست مكة من اليمن، ولا المدينة من الشام.
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم في مرض موته: أن تخرج اليهود والنصارى من جزيرة العرب - وهي الحجاز فأخرجهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه من المدينة، وخيبر، وينبع،
(1)
أحكام أهل الذمة 1/ 185.
(2)
الأم 4/ 178، وعنه الموسوعة الكويتية 3/ 129، خصائص جزيرة العرب ص 24.