الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإذن والرضى.
6 - الشبه التي يتعلق بها المشركون في طلب الشفاعة من غير الله:
بعض القبوريين يتعلق بشبه هي عند التحقيق دليل عليه وقد تقدم بيان ذلك في باب التوسل ونحن نذكره هنا زيادة في الإيضاح فمن ذلك:
1 -
حديث عثمان بن حنيف في قول الضرير: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد.
والمقصود هنا الدعاء أي دعاء نبيك محمد لأنه في أول الحديث قال: إن شئت دعوت لك، وطلب منه أن يدعو أن يستجيب لدعاء النبي صلى الله عليه وسلم فالمستشفع به هو دعاء النبي وليس ذات النبي صلى الله عليه وسلم، وقد سبق في باب (التوسل).
2 -
ومن شبههم أيضًا أنهم قالوا الاستشفاع بالأنبياء يجوز لأنكم تقولون إن الاستشفاع بالحي جائز والأنبياء أحياء، فنحن نستشفع بأحياء، فإذا كان الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون فالأنبياء من باب أولى.
* والجواب عن ذلك بما يأتي:
1 -
أن الله أخبر عنهم في القرآن أنهم ماتوا وانقطعت أعمالهم قال عز وجل: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر: 30] وقال صلى الله عليه وسلم: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله .. " فليس له عمل بعد الموت.
2 -
أن الله منعك أن تسألها من غيره.
وأما كونهم أحياء فنعم ولكنها حياة برزخية غير هذه الحياة.
قال ابن باز رحمه الله: "لا يجوز لأحد أن يطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم الشفاعة، لأنها ملك الله سبحانه، فلا تطلب إلّا منه، كما قال تعالى:{قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ} [الزمر: 44].
فتقول: "اللهم شفع فيَّ نبيك، اللهم شفع فيَّ ملائكتك، وعبادك المؤمنين، اللهم
شفع فيَّ أفراطي"، ونحو ذلك. وأما الأموات فلا يُطلب منهم شيء، لا الشفاعة ولا غيرها، سواء كانوا أنبياء أو غير أنبياء؛ لأن ذلك لم يشرع، ولأن الميت قد انقطع عمله إلا مما استثناه الشارع.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع، أو ولد صالح يدعو له".
وإنما جاز طلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم في حياته ويوم القيامة؛ لقدرته على ذلك، فإنه يستطيع أن يتقدم فيسأل ربه للطالب، أما في الدنيا فمعلوم، وليس ذلك خاصًا به، بل هو عام له ولغيره، فيجوز للمسلم أن يقول لأخيه: وليس لي إلى ربي في كذا وكذا، بمعنى: ادع الله لي، ويجوز للمقول له ذلك أن يسأل الله ويشفع لأخيه، إذا كان ذلك المطلوب مما أباح الله طلبه.
وأما يوم القيامة فليس لأحد أن يشفع إلا بعد إذن الله سبحانه، كما قال الله تعالى:{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255].
وأما حالة الموت فهي حالة خاصة لا يجوز إلحاقها بحال إنسان قبل الموت، ولا بحاله بعد البعث والنشور؛ لانقطاع عمل الميت، وارتهانه بكسبه إلا ما استثناه الشارع، وليس طلب الشفاعة من الأموات مما استثناه الشارع؛ فلا يجوز إلحاقه بذلك، لا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته حي حياة برزخية أكمل من حياة الشهداء ولكنها ليست من جنس حياته قبل الموت، ولا من جنس حياته يوم القيامة، بل حياة لا يعلم حقيقتها وكيفيتها إلا الله سبحانه؛ ولهذا تقدم في الحديث الشريف قوله عليه الصلاة والسلام: ما من أحد يسلم علي إلا ردّ علي روحي حتى أرد عليه.
فدل ذلك على أنه ميت، وعلى أن روحه قد فارقت جسده، لكنها ترد عليه عند السلام، والنصوص الدالة على موته صلى الله عليه وسلم من القرآن والسنة معلومة، وهو أمر متفق
عليه بين أهل العلم، ولكن ذلك لا يمنع حياته البرزخية، كما أن موت الشهداء لم يمنع حياتهم البرزخية المذكورة في قوله تعالى {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169].
وإنما بسطنا الكلام في هذه المسألة؛ لدعاء الحاجة إليه، بسبب كثرة من يشبه في هذا الباب، ويدعو إلى الشرك وعبادة الأموات من دون الله. فنسأل الله لنا ولجميع المسلمين السلامة من كل ما يخالف شرعه. والله أعلم"
(1)
.
3 -
ومن شبههم أيضًا أنهم يستدلون على الجواز بقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} [النساء: 64].
فيقولون: إذا طلبنا منه الاستغفار بعد موته كنا بمنزلة الذين طلبوا الاستغفار من الصحابة، ويخالفون بذلك إجماع الصحابة والتابعين لهم بإحسان وسائر المسلمين، فإن أحدًا منهم لم يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته أن يشفع له ولا سأله شيئًا ولا ذكر ذلك أحد من أئمة المسلمين في كتبهم
(2)
.
قال الشيخ السعدي: "وهذا المجيء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم مختص بحياته؛ لأن السياق يدل على ذلك، لكون الاستغفار من الرسول، لا يكون إلا في حياته. وأما بعد موته، فإنه لا يطلب منه شيء، بل ذلك شرك"
(3)
.
4 -
ومن شبههم أيضًا إطلاق القول بأن اللهُ ملّك المؤمنين الشفاعة.
قال الشيخ أبا بطين: "إطلاق القول بأن الله ملّك المؤمنين الشفاعة، خطأ، بل
(1)
بيان ما تشرع زيارته وما لا تشرع زيارته من مساجد المدينة النبوية 19 - 21.
(2)
انظر: الوسيلة والتوسل ص 121.
(3)
تفسير السعدي 149.