الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعن أبي بكر رضي الله عنه أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لما قال: "الشرك فيكم أخفى من دبيب النمل" قال: قلنا: يا رسول الله، وهل الشرك إلا ما عُبد من دون الله أو دُعي مع الله؟ قال:"ثكلتك أمك يا صديق، الشرك فيكم أخفى من دبيب النمل، ألا أخبركم بقول يذهب صغاره وكباره - أو صغيره وكبيره؟ - " قلت: بلى يا رسول الله. قال: "تقول كل يوم ثلاث مرات: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئًا وأنا أعلمه، وأستغفرك لما لا أعلم، والشرك أن تقول: أعطاني الله وفلان، والند: أن يقول الإنسان: لولا فلان قتلني فلان"
(1)
.
وفي رواية عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتذاكر المسيح الدجال، فقال:"ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟ " قال: قلنا: بلي، قال:"الشرك الخفي: أن يقوم الرجل يصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر الرجل"
(2)
.
*
العلاقة بين الشرك الخفي والشرك الأصغر:
بعض العلماء يجعل الشرك الخفي قسمًا مستقلًا، وبعضهم يجعله من أقسام الشرك الأصغر، وفي حديث محمود بن لبيد سمى الرياء الشرك الأصغر، وقد جاءت نقول عن العلماء تبين أنه من الشرك الأصغر ذكر ذلك إمام الدعوة محمد بن عبد الوهاب حين قال:"الثالثة: أي الرياء من الشرك الأصغر"
(3)
. وقرر ذلك الشيخ سليمان بن عبد الله في تيسير العزيز الحميد
(4)
. وظاهر كلام السعدي رحمه الله
(1)
مسند أبي يعلي 1/ 60، 61 رقم (54)، مجمع الزوائد 10/ 224.
(2)
أخرجه الإمام أحمد (11252)(19835)، وابن ماجة (4240).
(3)
كتاب التوحيد مع تيسير العزيز الحميد ص 119.
(4)
المصدر السابق.
أن الخفي مرادف للأصغر حيث قال: "والشرك في توحيد الإلهية والعبادة ينافي التوحيد في كل المنافاة وهو نوعان: شرك أكبر جلي، وشرك أصغر خفي"
(1)
.
أما الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله فيرى أن الشرك الخفي قد يكون من الشرك الأكبر، وقد يكون من الشرك الأصغر، قال رحمه الله:"وهناك شرك يقال له: الشرك الخفي، ذكر بعض أهل العلم أنه قسم ثالث، واحتج عليه صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد الخدري: أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: "ألا أنبئكم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟ " قالوا: بلي يا رسول الله. قال: "الشرك الخفي: يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر رجل إليه". خرجه الإمام أحمد.
والصواب: أن هذا ليس قسمًا ثالثًا، بل هو من الشرك الأصغر، وهو قد يكون خفيًا؛ لأنَّهُ يقوم بالقلوب، كما في هذا الحديث، وكالذي يقرأ يُرائي، أو يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر يرائي، أو يجاهد يرائي، أو نحو ذلك.
وقد يكون خفيًا من جهة الحكم الشرعي بالنسبة إلى بعض الناس كالأنواع التي في حديث ابن عباس السابق.
وقد يكون خفيًا وهو من الشرك الأكبر، كاعتقاد المنافقين، فإنهم يراءُون بأعمالهم الظاهرة، وكفرهم خفي لم يظهروه، كما في قوله تعالى:{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142) مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ} [النساء: 142 - 143] والآيات في كفرهم وريائهم كثيرة، نسأل الله العافية.
وبما ذكرنا يعلم أن الشرك الخفي لا يخرج عن النوعين السابقين: شرك أكبر، وشرك أصغر، وإن سمي خفيًا: فالشرك يكون خفيًا ويكون جليًا.
(1)
القول السديد ص 24.
فالجلي: دعاء الأموات والاستغاثة بالأموات والنذر لهم، ونحو ذلك.
والخفي: ما يكون في قلوب المنافقين يصلون مع الناس، ويصومون مع الناس، وهم في الباطن كفار يعتقدون جواز عبادة الأوثان والأصنام، وهم على دين المشركين، فهذا هو الشرك الخفي؛ لأنَّهُ في القلوب.
وهكذا الشرك الخفي الأصغر، كالذي يقصده بقراءته ثناء الناس، أو بصلاته أو بصدقته أو ما أشبه ذلك، فهذا شرك خفي، لكنه شرك أصغر.
فاتضح بهذا أن الشرك شركان: أكبر، وأصغر، وكل منهما يكون خفيًا: كشرك المنافقين، وهو أكبر، ويكون خفيًا أصغر كالذي يقوم يرائي في صلاته أو صدقته أو دعائه الله، أو دعوته إلى الله أو أمره بالمعروف أو نهيه عن المنكر أو نحو ذلك"
(1)
.
(1)
مجموع فتاوي ابن باز 1/ 46، 47.