الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولم تظهر إلا بعد انتهاء زمن الفتوحات، وهذا مثل كثير من آثار الفراعنة في (مصر)، فمعبد (أبو سمبل) مثلًا في (مصر) - وهو من أكبر معابد الفراعنة - كان مغمورًا بالرمال مع تماثيله وأصنامه إلى ما قبل قرن ونصف القرن تقريبًا، وأكثر الأصنام الموجودة في المتاحف المصرية في هذا الوقت لم تكتشف إلا قريبًا، وقد ذكر المقريزي (ت 845) أن أبا الهول مغمور تحت الرمال - في وقته - لم يظهر منه إلا الرأس والعنق فقط دون الباقي - بخلافه اليوم -
(1)
، وسئل الزركلي عن الأهرام وأبي الهول ونحوها: هل رآها الصحابة الذين دخلوا مصر؟! فقال: كان أكثرها مغمورًا بالرمال ولا سيما أبا الهول
(2)
.
*
تنبيهات:
1 -
يجب تبرئة الصحابة أن يقال فيهم أنهم تركوا الأوثان فلم يهدموها فهم أحرص الناس على إقامة التوحيد وشعائره، وإزالة الشرك ومظاهره، وهم الذين حفظوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم النصوص المعروفة التى تدل على حرمة التماثيل كلعن المصور. وبيان أنه أشد الناس عذابًا يوم القيامة. وأنه من أظلم الناس
…
إلخ.
2 -
لا يقال بعد هذا أن هذه الأصنام من آثار الجاهلية وقد تركها الصحابة والتابعون فيجب أن تترك. فإن إزالة آثار الشرك مع القدرة عليه من أولويات التوحيد التي حثت الشريعة عليه وأولته اهتمامها دليل ذلك زيارة على ما تقدم أن جبريل امتنع من دخول بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب تمثال كان في باب بيته فقد روى الترمذي - وصححه -، وأبو داود عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتاني جبريل فقال لي: أتيتك البارحة، فلم يمنعني أن أكون دخلت إلا أنه كان على الباب تماثيل، وكان في البيت قرام ستر فيه تماثيل وكان في البيت كلب، فمر برأس
(1)
الخطط للمقريزي 1/ 122.
(2)
شبه جزيرة العرب 4/ 1188.
التمثال الذي في البيت يقطع، فيصير كهيئة الشجرة، ومر بالستر فليقطع فليجعل منه وسادتان منبوذتين توطآن، ومر بالكلب فليخرج ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
، وعنه رضي الله عنه قال:"استأذن جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ادخل، فقال: كيف أدخل وفي بيتك ستر فيه تصاوير؟ فإما أن تقطع رؤوسها، أو تُجعل بساطًا يوطأ، فإنا معشر الملائكة لا ندخل بيتًا فيه تصاوير"
(2)
.
فإن جبريل أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقطع رأس التمثال الذي في بيته، وهل يقول قائل: إن هذا التمثال الذي في بيت (سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم) كان للعبادة؟!!
3 -
من أولويات التوحيد التي حثت الشريعة عليه سد الذرائع والطرق الموصلة إلى الشرك، وهذا أصل من أصول الإسلام ولا سيما في باب التوحيد وحماية جنابه، فتحرم هذه الأصنام للأدلة السابقة ولأنها أيضا من باب سد الذرائع، فوجود الأصنام بين ظهراني المسلمين لا شك أنه مظنة للشرك في القريب أو البعيد، والشريعة جاءت بسد الذرائع المفضية للمفاسد وكذلك الحال في بقاء الأصنام.
4 -
لا يقال أن المصلحة تقتضي ترك هذه التماثيل فإن أعظم المصالح على الإطلاق إقامة التوحيد وتشييد أركانه، وهدم الشرك وآثاره، ولا مفسدة أعظم من ترك صروح الشرك والوثنية عند القدرة عليها، وتأمل في قصة إبراهيم عليه السلام المذكورة في القرآن كيف جعل الأصنام جذاذًا ولم ينظر لمثل هذه المصالح الموهومة التي يمليها الشيطان على الرغم من عدم وجود المعين، ومن تسلطهم عليه. وتأمل في قصة وفد ثقيف عندما أسلموا ووفدوا على الرسول صلى الله عليه وسلم:
فإنهم لما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدع لهم الطاغية - وهي اللات - لا يهدمها ثلاث سنين، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم، فما برحوا يسألونه سنة سنة، ويأبى عليهم، حتى
(1)
أخرجه أبو داود (4158) والترمذي (2806) وقال حسن صحيح وأحمد (8032).
(2)
أخرجه النسائي (5367) وأحمد (8065).
سألوه شهرًا واحدًا بعد قدومهم، فأبى عليهم أن يدعها شيئًا مسمى، وإنما يريدون بذلك فيما يظهرون أن يسلموا بتركها من سفهائهم ونسائهم وذراريهم ويكرهون أن يروعوا قومهم بهدمها فبعث المغيرة بن شعبة وأبا سفيان بن حرب لهدمها
(1)
.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى في فوائد قصة ثقيف هذه: "ومنها أنه لا يجوز إبقاء مواضع الشرك والطواغيت بعد القدرة على هدمها وإبطالها يومًا واحدًا فإنها شعائر الكفر والشرك وهي أعظم المنكرات فلا يجوز الإقرار عليها مع القدرة البتة، وهذا حكم المشاهد التي بنيت على القبور التي اتخذت أوثانًا وطواغيت تعبد من دون الله، والأحجار التي تقصد للتعظيم والتبرك، والنذر والتقبيل، لا يجوز إبقاء شيء منها على وجه الأرض مع القدرة على إزالتها وكثير منها بمنزلة اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، أو أعظم شركًا عندها وبها. والله المستعان"
(2)
.
وقال أيضًا: "ومنها هدم مواضع الشرك التي تتخذ بيوتا للطواغيت وهدمها أحب إلى الله ورسوله وأنفع للإسلام والمسلمين من هدم الحانات والمواخير وهذا حال المشاهد المبنية على القبور التي تعبد من دون الله ويشرك بأربابها مع الله لا يحل إبقاؤها في الإسلام ويجب هدمها ولا يصح وقفها ولا الوقف عليها"
(3)
.
5 -
لا يقال أن الممنوع منها ما كان للعبادة فقد تناولت الأحاديث كافة أشكال التماثيل والتصاوير بمعناها ومعقولها، فتشملها بعلة التحريم؛ فإن علة حرمة التصاوير اتخاذها ذريعة لعبادتها من دون الله تعالى، وطريقًا للغلو فيها وتعظيمها، وهو بداية وقوع الشرك في بني آدم، كما تقدم في أسماء الرجال الصالحين من قوم نوح.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "وقال غير واحد من السلف: "كان هؤلاء قوما
(1)
انظر (الطبقات) لابن سعد 5/ 505، (تاريخ الطبري) 2/ 180.
(2)
زاد المعاد 3/ 506.
(3)
زاد المعاد 3/ 601.
صالحين في قوم نوح عليه السلام فلما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم".
فهؤلاء جمعوا بين الفتنتين: فتنة القبور، وفتنة التماثيل، وهما الفتنتان اللتان أشار إليهما رسول الله في الحديث المتفق على صحته عن عائشة رضي الله عنها أن أم سلمة رضي الله عنه ذكرت لرسول الله كنيسة رأتها بأرض الحبشة يقال لها مارية فذكرت له ما رأت فيها من الصور، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أولئك قوم إذا مات فيهم العبد الصالح أو الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله تعالى".
وفي لفظ آخر في الصحيحين: "أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأينها".
فجمع في هذا الحديث بين التماثيل والقبور، وهذا كان سبب عبادة اللات، فروى ابن جرير بإسناده عن سفيان عن منصور عن مجاهد (أفرأيتم اللات والعزى) قال:"كان يلت لهم السويق فمات فعكفوا على قبره"، وكذلك قال أبو الجوزاء عن ابن عباس رضي الله عنهما:"كان يلت السويق للحاج".
فقد رأيت أن سبب عبادة ود ويغوث ويعوق ونسرا واللات إنما كانت من تعظيم قبورهم ثم اتخذوا لها التماثيل وعبدوها كما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم"
(1)
.
كما أن فيها مضاهاة لخلق الله تعالى كما يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم "الذين يضاهون بخلق الله" قال ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى: "وقد تظاهرت دلائل الشريعة على المنع من التصوير والصور، ولقد أبعد غاية البعد من قال إن ذلك محمول على الكراهة، وإن هذا التشديد كان في ذلك الزمان لقرب العهد من الأوثان، وهذا الزمان حيث انتشر الإسلام وتمهدت قواعده لا يساويه في هذا المعنى، فلا يساويه في هذا التشديد - هذا أو معناه -، وهذا عندنا باطل قطعا؛ لأنه قد ورد في الأحاديثِ
(1)
إغاثة اللهفان 1/ 184.