الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تشريع الله، كالذي يعبد الصنم ويسجد للوثن، ولا فرق بينهما ألبتة بوجه من الوجوه، فهما واحد، وكلاهما مشرك بالله"
(1)
.
*
حكم من حكم بغير ما أنزل الله:
للحكم بغير ما أنزل الله أحوال وصور ينبغي النظر إليها وتدبر كلام العلماء فيها:
أولًا: "أن يجحد الحاكم بغير ما أنزل الله أحقية حكم الله ورسوله. وهو معنى ما رُوي عن ابن عباس واختاره ابن جرير أن ذلك هو جحود ما أنزل الله من الحكم الشرعي، وهذا مما لا نزاع فيه بين أهل العلم، فإن الأصول المتقررة المتفق عليها بينهم أن من جحد أصلًا من أصول الدين أو فرعا مجمعا عليه، أو أنكر حرفا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم قطعيا فإنه كافر الكفر الناقل عن الملة"
(2)
.
ومعنى الجحود أنه يكذب وينكر أن هذا حكم الله عز وجل، وهذا كفر بالاتفاق قال تعالى:{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14)} [النمل: 14]، وقال سبحانه:{فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام: 33].
ثانيًا: "ألا يجحد الحاكم بغير ما أنزل الله كونَ حكم الله ورسوله حقا، لكن اعتقد أن حكم غير الرسول صلى الله عليه وسلم أحسن من حكمه وأتم وأشمل لما يحتاجه الناس من الحكم بينهم عند التنازع، إما مطلقا أو بالنسبة لما استجد من الحوادث، التي نشأت عن تطور الزمان وتغير الأحوال، فلا ريب أنه كفر لتفضيله أحكام المخلوقين التي هي محض زبالة الأذهان، وصرف نحاتة الأفكار على حكم
(1)
أضواء البيان الشنقيطي 7/ 162.
(2)
تحكيم القوانين ص 14. لمعرفة معنى الجحود انظر: باب (كفر الجحود والتكذيب).
الحكيم الحميد"
(1)
.
ذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب هذه الحالة ضمن نواقض الإسلام، فقال:"من اعتقد أن غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه، أو أن حكم غيره أحسن من حكمه، كالذي يفضل حكم الطواغيت على حكمه فهو كافر"
(2)
.
وفي تفسير قول الله تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)} [المائدة: 50] يقول محمود الألوسي رحمه الله: "لا شك في كفر من يستحسن القانون ويفضله على الشرع ويقول هو أوفق بالحكمة وأصلح للأمة، ويتميز غيظًا ويتقصف غضبًا إذا قيل له في أمر: أمر الشرع فيه كذا، كما شاهدنا ذلك في بعض من خذلهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم
…
"
(3)
.
ثالثًا: "ألَّا يعتقد كونه أحسن من حكم الله ورسوله، لكنه اعتقد أنه مثله، فهذا كالنوعين اللذين قبله في كونه كافرا الكفر الناقل عن الملة لما يقتضيه ذلك من تسوية المخلوق بالخالق، والمناقضة والمعاندة لقوله عز وجل {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11] "
(4)
.
فإذا سوّى الحاكم حكم غير الله بحكم الله جلا جلاله فهذا كفر مخرج من الملة كما قال تعالى: {فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ} [النحل: 74]، وقال تعالى:{هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم: 65]، وقال تعالى:{فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا} وأنتم تعلمون [البقرة: 22].
رابعًا: "ألا يعتقد كون حكم الحاكم بغير ما أنزل الله مماثلًا لحكم الله ورسوله
…
لكن اعتقد جواز الحكم بما يخالف حكم الله ورسوله فهذا كالذي قبله
(1)
تحكيم القوانين ص 14. وانظر فتاوى محمد بن إبراهيم 12/ 288.
(2)
مجموعة مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب 1/ 386.
(3)
روح المعاني 28/ 20، 21.
(4)
تحكيم القوانين ص 16.
يصدق عليه ما يصدق عليه، لاعتقاده جواز ما علم بالنصوص الصحيحة الصريحة القاطعة تحريمه"
(1)
.
قال ابن تيمية رحمه الله: "ولا ريب أن من لم يعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله على رسوله فهو كافر، فمن استحل أن يحكم بين الناس بما يراه عدلا من غير اتباع لما أنزل الله فهو كافر، فإنه ما من أمة إلا وهي تأمر بالحكم بالعدل، وقد يكون العدل في دينها ما رآه أكابرهم، بل كثير من المنتسبين إلى الإسلام يحكمون بعاداتهم التي لم ينزلها الله كسواليف البادية، وكأوامر المطاعين فيهم، ويرون أن هذا هو الذي ينبغي الحكم به دون الكتاب والسنة، وهذا هو الكفر.
فإن كثيرًا من الناس أسلموا، ولكن مع هذا لا يحكمون إلا بالعادات الجارية لهم التي يأمر بها المطاعون، فهؤلاء إذا عرفوا أنه لا يجوز الحكم إلا بما أنزل الله، فلم يلتزموا ذلك بل استحلوا أن يحكموا بخلاف ما أنزل الله فهم كفار، وإلا كانوا جهالًا"
(2)
.
ويقول ابن القيم: "إن اعتقد أن الحكم بما أنزل الله غير واجب، وأنه مخير فيه مع تيقنه أنه حكم الله، فهذا كفر أكبر"
(3)
.
ويقول ابن أبي العز الحنفي: "إن اعتقد أن الحكم بما أنزل الله غير واجب، وأنه مخير فيه، أو استهان به
(4)
مع تيقنه أنه حكم الله، فهذا كفر أكبر"
(5)
.
وقال ابن باز رحمه الله: "من حكم بغير ما أنزل وهو يعلم أنه يجب عليه الحكم بما
(1)
تحكيم القوانين ص 16. وانظر: تفسير القرطبي 6/ 191، وتفسير الطبري 6/ 146.
(2)
منهاج السنة النبوية: 5/ 130.
(3)
مدارج السالكين 1/ 337. وانظر باب (نواقض الإسلام - الناقض التاسع).
(4)
أي استخف بالحكم بما أنزل الله.
(5)
شرح العقيدة الطحاوية 2/ 446.
أنزل الله وأنه خالف الشرع ولكن استباح هذا الأمر ورأى أنه لا حرج عليه في ذلك وأنه يجوز له أن يحكم بغير شريعة الله فهو كافر كفرا أكبر عند جميع العلماء؛ كالحكم بالقوانين الوضعية التي وضعها الرجال من النصارى أو اليهود أو غيرهم ممن زعم أنه يجوز الحكم بها أو زعم أنها أفضل من حكم الله، أو زعم أنها تساوي حكم الله وأن الإنسان مخير إن شاء حكم بالقرآن والسنة وإن شاء حكم بالقوانين الوضعية. من اعتقد هذا كفر بإجماع العلماء"
(1)
.
وقال رحمه الله في موضع آخر: "وهكذا من يحكّم القوانين الوضعية بدلا من شرع الله ويرى أن ذلك جائز، ولو قال إن تحكيم الشريعة أفضل فهو كافر لكونه استحل ما حرم الله"
(2)
.
خامسًا: التشريع العام والتبديل، والتشريع هو أن يشرع تشريعا عاما يخالف حكم الله. وهو حق خالص لله وحده لا شريك له. من نازعه في شيء منه فهو مشرك قال تعالى:{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: 21].
يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية: "أي: هم لا يتبعون ما شرع الله لك من الدين القويم، بل يتبعون ما شرع لهم شياطينهم من الجن والإنس من تحريم ما حرموا عليهم من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام، وتحليل أكل الميتة والدم والقمار إلى نحو ذلك من الضلالات والجهالة الباطلة التي كانوا قد اخترعوها في جاهليتهم من التحليل والتحريم والعبادات الباطلة والأموال الفاسدة"
(3)
.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والإنسان متى حلل الحرام المجمع عليه أو
(1)
مجموع فتاوى ابن باز ص 992.
(2)
مجموع فتاوى ابن باز ص 991، وانظر للاستزادة: باب (كفر الاستحلال).
(3)
تفسير ابن كثير 4/ 113.
حرم الحلال المجمع عليه أو بدل الشرع المجمع عليه كان كافرا مرتدا باتفاق الفقهاء وفي مثل هذا نزل قوله على أحد القولين {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44] أي هو المستحل للحكم بغير ما أنزل الله"
(1)
.
وقال رحمه الله: "من طلب أن يطاع مع الله، فهذا يريد من الناس أن يتخذوا من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله، والله سبحانه أمر أن لا يعبد إلا إياه، وأن لا يكون الدين إلا له"
(2)
.
وفي تفسير قول الله تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)} [المائدة: 50]. قال ابن كثير: "ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم، المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شر، وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والإصطلاحات، التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن مَلِكِهم "جنكيز خان"، الذي وضع لهم "الياسق"، وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها عن شرائع شتى، من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه، فصارت في بنيه شرعًا متبعًا، يقدمونه على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن فعل ذلك فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله، فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير
…
"
(3)
.
(1)
الفتاوى 3/ 267.
(2)
مجموع الفتاوى 14/ 329.
(3)
تفسير ابن كثير 2/ 63، وانظر البداية لابن كثير 13/ 119.
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: "الخامس: وهو أعظمها وأظهرها معاندة للشرع، ومكابرة لأحكامه، ومشاقة لله ولرسوله، ومضاهاة بالمحاكم الشرعية إعدادا وإمدادا وإرصادا وتأصيلا، وتفريعا وتشكيلا وتنويعا وحكما وإلزاما ومراجع ومستمدات، فكما أن للمحاكم الشرعية مراجع مستمدات، مرجعها كلها إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فلهذه المحاكم مراجع هي لقانون الملفق من شرائع شتى وقوانين كثيرة كالقانون الفرنسي والقانون الأمريكي، والقانون البريطاني وغيرها من القوانين
…
فأي كفر فوق هذا الكفر، وأي مناقضة للشهادة بأن محمدا رسول الله، بعد هذه المناقضة"
(1)
.
وقال رحمه الله أيضًا: "وأما الذي قيل فيه كفر دون كفر، إذا حاكم إلى غير الله مع اعتقاد أنه عاص وأن حكم الله هو الحق، فهذا الذي يصدر منه المرة ونحوها، وأما الذي جعل قوانين بترتيب وتخضيع فهو كفر، وإن قالوا أخطأنا وحكم الشرع أعدل"
(2)
.
وقال ابن عثيمين رحمه الله: "من لم يحكم بما أنزل الله استخفافا به، أو احتقارًا له، أو اعتقادًا أن غيره أصلح منه، وأنفع للخلق أو مثله فهو كافر كفرًا مخرجا عن الملة، ومن هؤلاء من يضعون للناس تشريعات تخالف التشريعات الإسلامية لتكون منهاجًا يسير الناس عليه، فإنهم لم يضعوا تلك التشريعات المخالفة للشريعة الإسلامية إلا وهم يعتقدون أنها أصلح وأنفع للخلق، إذ من المعلوم بالضرورة العقلية، والجبلة الفطرية أن الإنسان لا يعدل عن منهاج إلى منهاج يخالفه إلا وهو يعتقد فضل ما عدل إليه ونقص ما عدل عنه"
(3)
.
(1)
تحكيم القوانين ص 7.
(2)
فتاوى محمد بن إبراهيم 12/ 280. وانظر أيضا 6/ 189.
(3)
المجموع الثمين 1/ 36.