الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
حكم رد خبر الآحاد:
أنكر العلماء على من رد خبر الآحاد حيث ثبت إجماع أهل العلم على وجوب الأخذ بالحديث الصحيح ولو كان آحادًا.
قال ابن عبد البر: "وأجمع أهل العلم من أهل الفقه والأثر في جميع الأمصار فيما علمت، على قبول خبر الواحد العدل، وإيجاب العمل به، إذا ثبت ولم ينسخه غيره من أثر أو إجماع، على هذا جميع الفقهاء في كل عصر من لدن الصحابة إلى يومنا هذا إلا الخوارج وطوائف من أهل البدع شرذمة لا تعد خلافًا.
وقد أجمع المسلمون على جواز قبول الواحد السائل المستفتي لما يخبره به العالم الواحد إذا استفتاه فيما لا يعمله، وقبول خبر الواحد العدل فيما يخبر به مثله، وقد ذكر الحجة عليهم في ردهم أخبار الآحاد جماعةٌ من أئمة الجماعة وعلماء المسلمين، وقد أفردت لذلك كتابًا موعبًا كافيًا، والحمد لله"
(1)
.
وقال العلامة ابن القيم بعد حكاية إجماع الصحابة على قبول أخبار الصحابة رضي الله عنهم: "فممن نصَّ على أن خبر الواحد يفيد العلم: مالك والشافعي وأصحاب أبي حنيفة وداود بن علي وأصحابه كأبي محمد بن حزم ونص عليه الحسين بن علي الكرابيسي والحارث بن أسد المحاسبي.
قال ابن خويز منداد في كتابه "أصول الفقه": وقد ذكر خبر الواحد الذي لم يروه الواحد والاثنان: "ويقع بهذا الضرب أيضًا العلم الضروري، نصَّ على ذلك مالك""
(2)
.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية بعد أن قسّم الأخبار إلى متواتر وآحاد فقال بعد ذكر المتواتر -: "وأما القسم الثاني من الأخبار فهو ما لا يرويه إلا الواحد العدل
(1)
التمهيد (1/ 2). وانظر للاستزادة شرح التنقيح ص 356، 357.
(2)
مختصر الصواعق المرسلة 2/ 362 - 363.
ونحوه، ولم يتواتر لفظه ولا معناه، ولكن تلقته الأمة بالقبول عملًا به، أو تصديقًا له، كخبر عمر بن الخطاب رضي الله عنه:"إنما الأعمال بالنيات" وأمثال ذلك، فهذا يفيد العلم اليقيني عند جماهير أمة محمد صلى الله عليه وسلم من الأولين والآخر، أما السلف فلم يكن بينهم في ذلك نزاع، وأما الخلف فهذا مذهب الفقهاء الكبار من أصحاب الأئمة الأربعة"
(1)
.
وقال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين رضي الله عنه: "الفصل الأول: في أدلة من قال إن خبر العدل يفيد العلم وبيان ما يرد عليها، والجواب عنه. هذا القول هو مذهب جمهور السلف وأكثر المحدثين والفقهاء من أتباع الأئمة الأربعة وغيرهم، وهو الصحيح عن الإمام أحمد رحمه الله، فقد اشتهر عنه القطع بأحاديث الرؤية والعلم بمدلولها .. "
(2)
.
وردُّ خبر الآحاد يترتب عليه مفاسد عظيمة. قال أبو المظفر السمعاني:
"وربما يرتقي هذا القول - أي رد أخبار الآحاد - إلى أعظم. هذا، فإن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أدى هذا الدين إلى الواحد فالواحد من أصحابه، وهذا الواحد يؤديه إلى الأمة، وينقله عنه، فإذا لم يُقبل قول الراوي لأنَّهُ واحد، رجع العيب إلى المؤدي، نعوذ بالله من هذا القول البشع، والاعتقاد القبيح" اهـ
(3)
.
وقال الشيخ الألباني رحمه الله: "فالحق ما قلته: إن هذا القول الباطل يؤدي بأصحابه إلى الإقصار في العقيدة على القرآن وحده أسوة بالقرآنيين، وبعض الأمثلة المتقدمة كاف لإثبات ما قلته
…
" ثم أضاف رحمه الله قائلًا: "الوجه العشرون: هناك حكمة تروى عن عيسى عليه الصلاة والسلام تقول في حق المتنبئين
(1)
مختصر "الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة" لابن القيم 2/ 372 - 373.
(2)
أخبار الآحاد ص 57.
(3)
مختصر الصواعق المرسلة 608، 609.
الدجالين الكذبة: "من ثمارهم تعرفونهم" فمن شاء من المسلمين أن يعرف ثمرة ذلك القول الباطل: أن العقيدة لا تثبت بحديث الآحاد، فليتأمل فيما سنسوقه من العقائد الإسلامية التي تلقاها الخلف عن السلف، وجاءت الأحاديث متضافرة متوافرة شاهدة عليها، وحينئذ يتبين له خطورة ذلك القول الذي يتبناه المخالفون دون أن يشعروا بما يؤدي إليه من الضلال البعيد من إنكار ما عليه المسلمون من العقائد الصحيحة، وهاك ما يحضرني الآن منها:
نبوة آدم علية السلام وغيره من الأنبياء الذين لم يذكروا في القرآن.
أفضلية نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على جميع الأنبياء والرسل.
شفاعته صلى الله عليه وسلم العظمى في المحشر.
شفاعته صلى الله عليه وسلم لأهل الكبائر من أمته.
معجزاته صلى الله عليه وسلم كلها ما عدا القرآن، ومنها معجزة انشقاق القمر، فإنها مع ذكرها في القرآن تأولوها بما ينافي الأحاديث الصحيحة المصرحة بانشقاق القمر معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
صفاته صلى الله عليه وسلم البدنية وبعض شمائله الخلقية.
الأحاديث التي تتحدث عن بدء الخلق وصفة الملائكة والجن، والجنة والنار، وأنهما مخلوقتان، وأن الحجر الأسود من الجنة.
خصوصياته صلى الله عليه وسلم التي جمعها السيوطي في كتاب (الخصائص الكبرى) مثل دخول الجنة ورؤية أهلها وما أعد للمتقين فيها، وإسلام قرينه من الجن وغير ذلك.
القطع بأن العشرة المبشرين بالجنة من أهل الجنة.
الإيمان بسؤال منكر ونكير في القبر.
الإيمان بعذاب القبر.
الإيمان بضغطة القبر.
الإيمان بالميزان ذي الكفتين يوم القيامة.
الإيمان بالصراط.
الإيمان بحوضه صلى الله عليه وسلم وأن من شرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبدًا.
دخول سبعين ألفًا من أمته صلى الله عليه وسلم الجنة بغير حساب.
سؤال الأنبياء في المحشر عن التبليغ.
الإيمان بكل ما صح في الحديث في صفة القيامة والحشر والنشر.
الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره، وأن الله تعالى كتب علي كل إنسان سعادته أو شقاوته ورزقه وأجله.
الإيمان بالقلم الذي كتب كل شيء.
الإيمان بأن القرآن كتاب الله حقيقة لا مجازًا.
الإيمان بالعرش والكرسي حقيقة لا مجازًا.
الإيمان بأن أهل الكبائر لا يخلدون في النار.
وأن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر في الجنة.
وأن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء.
وأن الله ملائكة سياحين يبلغون النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم سلام أمته عليه.
الإيمان بمجموع أشراط الساعة كخروج المهدي، ونزول عيسى عليه السلام وخروج الدجال، ودابة الأرض من موضعها، وغيرها مما صحت به الأحاديث.
وأن المسلمين يفترقون على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، وهي التي تتمسك بما كان عليه الصحابة من عقيدة وعبادة وهدى.
الإيمان بجميع أسماء الله الحسنى وصفاته العليا مما جاء في السنة الصحيحة، كالعلي والقدير وصفة الفوقية والنزول وغيرها.
الإيمان بعروجه صلى الله عليه وسلم إلى السماوات العلي، ورؤيته آيات ربه الكبرى.
هذه بعض العقائد الإسلامية الصحيحة التي وردت في الأحاديث الثابتة المتواترة أو المستفيضة، وتلقتها الأمة بالقبول، وهي تبلغ المئات، وما أظن أحدًا من المسلمين يجرؤ على إنكارها، أو التشكيك فيها"
(1)
.
وقد رد الشيخ ابن جبرين على شبهة من قال أن من رد شيئًا من الأصول والعقائد يكفر وأخبار الآحاد لا يكفر من رد منها شيئًا للاختلاف في ثبوتها، فقال حفظه الله: "فيقال: سبق أن استدل بهذا علي أن الآحاد لا تفيد العلم مطلقًا، وأجيب هناك بأن من اتضحت له السنة ولو آحادًا وتحقق ثبوتها عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ثم ردها بدون تأويل ولا شبهة، وقامت عليه الحجة فإنه يكفر، لتظاهره برد شيء مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه، ومن رد شيئًا من دين الرسول كمن رد جميعه.
وعلى هذا فلا فرق بين الأصول والفروع في التكفير، فتخصيص الأصول لا دليلٌ عليه"
(2)
.
ومما يحسن ذكره هنا أقوال أهل العلم في حكم من أنكر الإجماع المعلوم:
بيّن شيخ الإسلام معنى الإجماع فقال: "معنى الإجماع أن تجتمع علماء المسلمين على حكم من الأحكام وإذا ثبت إجماع الأمة علي حكم من الأحكام لم يكن لأحد أن يخرج عن اجماعهم فإن الأمة لا تجتمع علي ضلالة ولكن كثيرًا من المسائل يظن بعض الناس فيها إجماعا ولا يكون الأمر كذلك بل يكون القول الآخَر أرجح في الكتاب والسنة"
(3)
.
فقد تقدم بعض النقل في كفر من أنكر الإجماع المعلوم، قال الإمام النووي رحمه الله: "أطلق الإمام الرافعي القول بتكفير جاحد مجمع عليه، وليس هو على إطلاقه، بل
(1)
(2)
أخبار الآحاد في الحديث النبوي ص 131.
(3)
مجموع الفتاوى 20/ 10.
من جحد مجمعا عليه فيه نص، وهو من أمور الإسلام الظاهرة التي يشترك في معرفتها الخواص والعوام كالصلاة والزكاة أو الحج أو تحريم الخمر أو الزنا ونحو ذلك فهو كافر، ومن جحد مجمعا عليه لا يعرفه إلا الخواص كاستحقاق بنت الابن السدس مع بنت الصلب، وتحريم نكاح المعتدة .... فليس بكافر"
(1)
.
قال ابن تيمية: "وقد تنازع الناس في مخالف الإجماع هل يكفر علي قولين والتحقيق أن الإجماع المعلوم يكفر مخالفه كما يكفر مخالف النص بتركه لكن هذا لا يكون إلا فيما علم ثبوت النص به وأما العلم بثبوت الإجماع في مسألة لا نص فيها فهذا لا يقع وأما غير المعلوم فيمتنع تكفيره وحينئذ فالإجماع مع النص دليلان كالكتاب والسنة، وتنازعوا في الإجماع هل هو حجة قطعية أو ظنية والتحقيق أن قطعية قطعي وظنية ظني والله أعلم"
(2)
.
وفي قوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} الآية قال رحمه الله: "وهذه الآية تدل على أن إجماع المؤمنين حجة من جهة أن مخالفتهم مستلزمة لمخالفة الرسول وإن كل ما أجمعوا عليه، فلابد أن يكون فيه نص عن الرسول، فكل مسألة يقطع فيها بالإجماع وبانتفاء المنازع من المؤمنين فإنها مما بين الله فيه الهدى ومخالف مثل هذا الإجماع يكفر كما يكفر مخالف النص البين وأما إذا كان يظن الإجماع ولا يقطع به فهنا قد لا يقطع أيضًا بأنها مما تبين فيه الهدى من جهة الرسول ومخالف مثل هذا الإجماع قد لا يكفر بل قد يكون ظن الإجماع خطأ والصواب في خلاف هذا القول، وهذا هو فصل
(1)
روضة الطالبين 2/ 146، وانظر 10/ 65، ومسلم بشرح النووي 1/ 173، ونهاية المحتاج شرح المنهاج 7/ 411.
(2)
مجموع الفتاوى 19/ 269، 270.