الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بل هو ريق مصحوب برقية وتربة للاستشفاء وليس لمجرد التبرك"
(1)
.
سابعًا: حكم أخذ الأجرة على الرقية:
دلت الأحاديث على جواز أخذ الأجرة على الرقية، فقد جاء في البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله"
(2)
.
وقال صلى الله عليه وسلم لمن قرأ على المعتوه: "كُلْ فلَعمْري لَمَنْ أكلَ برُقيةٍ باطل لقد أكلت برقَيْةِ حقٍّ"
(3)
.
ومن ذلك حديث أبي سعيد الخدري الذي قرأ على الملدوغ وفيه: "
…
فانطلق يتفل عليه ويقرأ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] فكأنما نشط فأعطوهم قطيعا من الغنم فذكروا ذلك للرسول صلى الله عليه وسلم فقال: "وما يدريك أنها رقية؟ " ثم قال: "قد أصبتم، اقسموا واضربوا لي معكم سهمًا" فضحك النبي صلى الله عليه وسلم "
(4)
.
قال النووي: "هذا الراقي هو أبو سعيد الخدري"
(5)
.
قال ابن حجر في تعليقه على هذا الحديث: "نعم وقعت للصحابة قصة أخرى في رجل مصاب بعقله فقرأ عليه بعضهم فاتحة الكتاب فبرأ، وقال: إن سياقه وسببه مختلف عن حديث أبي سعيد
…
مما يدل على أنهما قصتان"
(6)
.
6 -
فائدة: العين حق وأدلة ذلك كثيرة معلومة.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "هي سهام تخرج من نفس الحاسد والعائن، نحو المحسود والمعيون، تصيبه تارة، وتخطئه تارة، فإن صادفته مكشوفًا لا وقاية عليه
(1)
مجموع فتاوى ابن عثيمين 1/ 108 - 109.
(2)
أخرجه البخاري (5737).
(3)
أخرجه أبو داود (3420) والإمام أحمد (22180).
(4)
أخرجه البخاري (2276)، (5749) ومسلم (2201).
(5)
شرح النووي على صحيح مسلم 14/ 187.
(6)
الفتح 4/ 455.
أثرت فيه ولا بد، وإن صادفته حذرًا شاكي السلاح لا منفذ فيه للسهام، لم تؤثر فيه وربما ردت السهام على صاحبها"
(1)
.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: "نظر باستحسان مشوب بحسد من خبيث الطبع تحصل للمنظور منه ضرر"
(2)
.
قال ابن عثيمين رحمه الله: "هي ما يسميها العامة الآن "النحاتة" وبعضهم يسميها "النفس" وبعضهم يسميها "الحسد""
(3)
.
ومن أدلة القرآن على إثبات العين: قول الله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة: 2].
قال ابن كثير رحمه الله: "وفي هذه الآية دليل على أن العين إصابتها وتأثيرها حق بأمر الله عز وجل"
(4)
.
ومن الأدلة أيضًا قوله تعالى: {وَقَالَ يَابَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} [يوسف: 67].
قال ابن عباس ومحمد بن كعب ومجاهد والضحاك وقتادة والسدي وغير واحد: "إنه خشي عليهم العين، وذلك أنهم كانوا ذوي جمال وهيئة حسنة، ومنظر بهاء، فخشي عليهم أن يصيبهم الناس بعيونهم فإن العين حق تستنزل الفارس عن فرسه"
(5)
.
ومن الأدلة أيضًا قوله تعالى: {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} [الفلق: 5].
قال ابن القيم رحمه الله: "فكل عائن حاسد وليس كل حاسد عائنًا، فلما كان
(1)
الطب النبوي لابن القيم (131).
(2)
فتح الباري لابن حجر العسقلاني 10/ 200.
(3)
القول المفيد على كتاب التوحيد 1/ 119.
(4)
تفسير ابن كثير (4/ 524 - 525).
(5)
تفسير ابن كثير (2/ 630).
الحاسد أعم من العائن كانت الاستعاذة منه استعاذة من العائن"
(1)
.
ومن السنة حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله يأمرني أن أسترقي من العين"
(2)
.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "العين حق ولو كان شئ سابق القدر لسبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا"
(3)
.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "العين حق ونهى عن الوشم"
(4)
.
وعن أم سلمة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في بيتها جارية في وجهها سفعة فقال: "استرقوا لها فإن بها النظرة"
(5)
.
وسوف نتناول هنا الطرق المشروعة في علاج إصابة العين بعد وقوعها ولذلك حالتان:
الحالة الأولى: أن يُعرف العائن وفي هذه الحالة يؤمر العائن بالاغتسال للمعين ودليل ذلك حديث ابن عباس السابق: "وإذا استغسلتم فاغسلوا"
(6)
.
والمنصود طُلب منكم الاغتسال وقال صلى الله عليه وسلم لعامر بن ربيعة: "اغتسل له".
ومما جاء في صفة الاغتسال: اغتسال عامر بن ربيعة حيث غسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه، وأطراف رجليه، وداخلة إزاره في قدح ثم صب على سهل بن حنيف فراح سهل مع الناس ليس به بأس
(7)
. وجاءت صفات أخرى غير هذا والاغتسال يزيل أضرار العين بإذن الله.
(1)
الطب النبوي لابن القيم (131).
(2)
أخرجه البخاري (5738) ومسلم (2195)(56).
(3)
أخرجه مسلم (2188)(42) والترمذي (2062).
(4)
أخرجه البخاري (5740)، ومسلم، وأبو داود (3879).
(5)
أخرجه البخاري (5739) ومسلم (2197).
(6)
أخرجه مسلم (2188).
(7)
أخرجه الإمام أحمد (16076) وابن ماجه (3509).
وحكم اغتسال العائن واجب وهو رأي ابن عبد البر
(1)
للحديث السابق ولا صارف عن الوجوب.
قال المازري: "يجب على العائن ذلك ويقضى عليه به إذا طلب منه ذلك لاسيما إذا خيف على المعين الهلاك"
(2)
.
الحالة الثانية: إذا لم يُعرف العائن فإنه يُداوم على الرقى الشرعية لحديث عائشة قالت: "أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أو أمر - أن يُسترقَى من العين"
(3)
.
وهذا عام لكل رقية مشروعة، فجميع الرقى المشروعة طريقة لعلاج هذا الداء
(4)
.
وقد سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين عن العين هل هي تصيب الإنسان؟ وكيف تعالج؟ وهل التحرز منها ينافي التوكل؟ فأجاب رحمه الله بقوله: "رأينا في العين أنها حق ثابت شرعًا وحسًّا قال الله تعالى: {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ} [القلم: 51] قال ابن عباس رضي الله عنهما وغيره في تفسيرها أي يعينوك بأبصارهم، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "العين حق ولو كان شيء سابق القدر سبقت العين وإذا استغسلتم فاغسلوا". رواه مسلم. ومن ذلك ما رواه النسائي وابن ماجه أن عامر بن ربيعة مر بسهل بن حنيف وهو يغتسل فقال: "لم أر كاليوم ولا جلد مُخبَّأة" فما لبث أن لُبِطَ به فأُتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل له: أدرك سهلًا صريعًا فقال: "من تتهمونه؟ " قالوا عامر بن ربيعة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "علام يقتل أحدكم أخاه، إذا رأى أحدكم من أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة"
(5)
. ثم دعا بماء فأمر عامرًا أن يتوضأ فيغسل وجهه ويديه
(1)
التمهيد لابن عبد البر 6/ 241، 13/ 19 - 70.
(2)
الفتح 10/ 204.
(3)
أخرجه البخاري (5738).
(4)
وقد ذكر الإمام ابن القيم بعض الرقى لعلاج العين: كالمعوذتين والإكثار منها، وفاتحة الكتاب، وآية الكرسي، والتعوذات النبوية وأطال النفس في ذلك انظر كتاب زاد المعاد 4/ 162 - 174.
(5)
أخرجه ابن ماجه، كتاب الطب، باب العين (3509).
إلى المرفقين، وركبتيه وداخلة إزاره وأمره أن يصب عليه، وفي لفظ: يكفأ الإناء من خلفه. والواقع شاهد بذلك ولا يمكن إنكاره.
وفي حالة وقوعها تستعمل العلاجات الشرعية وهي
(1)
:
1 -
القراءة: فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا رقية إلا من عين أو حمة"
(2)
. وقد كان جبريل يرقي النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول:"باسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، من شر كل نفس، أو عين حاسد الله يشفيك، باسم الله أرقيك"
(3)
.
2 -
الاستغسال: كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم عامر بن ربيعة في الحديث السابق ثم يصب على المصاب.
أما الأخذ من فضلاته العائدة من بوله أو غائطه فليس له أصل، وكذلك الأخذ من أثره، وإنما الوارد ما سبق غسل أعضائه وداخلة إزاره ولعل مثلها داخلة غترته وطافيته وثوبه، والله أعلم.
والتحرز من العين مندمًا لا بأس به ولا ينافي التوكل بل هو التوكل؛ لأن التوكل الاعتماد على الله سبحانه مع فعل الأسباب التي أباحها أو أمر بها وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين ويقول: "أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة". ويقول هكذا كان إبراهيم يعوذ إسحاق وإسماعيل عليهما السلام. رواه البخاري"
(4)
.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "وقد جرت العادة عندنا أنهم يأخذون من العائن ما يباشر جسمه من اللباس مثل الطاقية وما أشبه ذلك ويربصونها بالماء ثم
(1)
لا زال كلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله موصولًا.
(2)
أخرجه البخاري، كتاب الطب، باب من اكتوى أو كوى غيره (5704). ومسلم.
(3)
تقدم تخريجه.
(4)
فتاوى أركان الإسلام للشيخ ابن عثيمين ص 132، 133.