الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فهو من جنس التتار الذي يقدمون حكم الياسق على حكم الله ورسوله"
(1)
.
وقال ابن كثير رحمه الله كما في النقل السابق: "فمن فعل ذلك فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير"
(2)
.
وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله: "فمن خالف ما أمر الله به رسوله صلى الله عليه وسلم بأن حكم بين الناس بغير ما أنزل الله أو طلب ذلك اتباعا لما يهواه ويريده فقد خلع ربقة الإسلام والإيمان من عنقه وإن زعم أنه مؤمن"
(3)
.
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: "السادس: ما يحكم به كثير من رؤساء العشائر والقبائل في البوادي ونحوهم من حكايات آبائهم وأجدادهم وعاداتهم التي يسمونها "سلومهم" يتوارثون ذلك منهم ويحكمون به ويحضون على التحاكم إليه عند النزاع بقاء على أحكام الجاهلية وإعراضًا ورغبة عن حكم الله ورسوله فلا حول ولا قوة إلا بالله"
(4)
.
أحكام وفوائد:
1 - متى يكون الحكم بغير ما أنزل الله كفرا أصغر
؟:
جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44] أنه قال: "ليس بالكفر الذي يذهبونه إليه"
(5)
، وفي رواية أنه قال:"كفر لا ينقل عن الملة"
(6)
.
(1)
مجموع الفتاوى 35/ 407، وانظر أيضًا 27/ 58، 59، 28/ 524.
(2)
انظر: البداية 13/ 119، 128.
(3)
فتح المجيد 2/ 657.
(4)
تحكيم القوانين ص 19.
(5)
أخرجه الحاكم في المستدرك 2/ 313، والمروزي في تعظيم قدر الصلاة 2/ 521.
(6)
أخرجه الطبري في التفسير 6/ 256، وابن أبي حاتم في التفسير 4/ 1142. الحاكم في المستدرك 2/ 313، والمروزي في تعظيم قدر الصلاة 2/ 522.
وقال عطاء: "كفر دون كفر، وظلم دون ظلم، وفسق دون فسق"
(1)
.
وقال طاووس: "ليس بكفر ينقل عن الملة"
(2)
.
وجاء عن مجاهد أنه قال في قوله تعالى: {فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} قال: العاصون
(3)
.
وقال ابن عبد البر رحمه الله: "وقد ضلت جماعة من أهل البدع من الخوارج والمعتزلة في هذا الباب فاحتجوا بهذه الآثار ومثلها في تكفير المذنبين واحتجوا من كتاب الله بآيات ليست على ظاهرها مثل قوله تعالى {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} "
(4)
.
وقال: "أجمع العلماء على أن الجور في الحكم من الكبائر لمن تعمد ذلك عالمًا به رويت في ذلك آثار شديدة عن السلف
…
"
(5)
.
وقال القرطبي رحمه الله: "إن حكم به - أي بغير ما أنزل الله - هوىً ومعصية فهو ذنب تدركه المغفرة على أصل أهل السنة في الغفران للمذنبين"
(6)
.
ويقول ابن تيمية رحمه الله: "وأما من كان ملتزمًا لحكم الله ورسوله باطنًا وظاهرًا، لكن عصى واتبع هواه، فهذا بمنزلة أمثاله من العصاة"
(7)
.
(1)
أخرجه ابن جرير في تفسيره 6/ 256، والمروزي في تعظيم قدر الصلاة 2/ 522. وابن أبي حاتم 4/ 1146.
(2)
أخرجه ابن جرير في تفسيره 6/ 256، والمروزي في تعظيم قدر الصلاة. 2/ 522. وابن أبي حاتم 4/ 1146.
(3)
ابن أبي حاتم 4/ 1148.
(4)
التمهيد لابن عبد البر 17/ 16.
(5)
التمهيد لابن عبد البر 5/ 74، 75.
(6)
تفسير القرطبي 6/ 191.
(7)
منهاج السنة 5/ 131.
وقال ابن القيم رحمه الله: "إن اعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله في هذه الواقعة، وعدل عنه عصيانًا، مع اعترافه بأنه مستحق للعقوبة، فهذا كفر أصغر"
(1)
.
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: "فانظر كيف سجل الله تعالى على الحاكمين بغير ما أنزل الله الكفر، والظلم، والفسوق، ومن الممتنع أن يسمي الله سبحانه الحاكم بغير ما أنزل الله كافرًا ولا يكون كافرًا، بل هو كافر مطلقًا إما كفر عمل، وإما كفر اعتقاد، وما جاء عن ابن عباس رضي الله عنه في تفسيره هذه الآية من رواية طاووس وغيره يدل أن الحاكم بغير ما أنزل الله كافر إما كفر اعتقاد ناقل عن الملة، وإما كفر عمل لا ينقل عن الملة"
(2)
.
ثم قال في موضع آخر مبينا ذلك رحمه الله: "وأما القسم الثاني: من قسمي كفر الحاكم بغير ما أنزل الله وهو الذي لا يُخرِجُ من الملة، فقد تقدم أن تفسير ابن عباس رضي الله عنه لقول الله عز وجل: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} قد شمل ذلك القسم وذلك في قوله رضي الله عنه: "كفر دون كفر"، وقوله أيضًا: "ليس الكفر الذي تذهبون إليه" اهـ. وذلك أن تحمله شهوته وهواه على الحكم في القضية بغير ما أنزل الله مع اعتقاده أن حكم الله ورسوله هو الحق واعترافه على نفسه بالخطأ ومجانبة الهدى، وهذا وإن لم يخرجه كفره عن الملة فإنه معصية عظمى أكبر من الكبائر، كالزنا وشرب الخمر، والسرقة، واليمين الغموس، وغيرها فإن معصية سماها الله في كتابه كفرًا أعظم من معصية لم يسمها كفرًا"
(3)
.
ويقول الشنقيطي رحمه الله: "من لم يحكم بما أنزل الله معتقدًا أنه مرتكبٌ حرامًا فاعلٌ قبيحًا، فكفره وظلمه وفسقه غير مخرج عن الملة"
(4)
.
(1)
مدارج السالكين 1/ 336، وانظر شرح الطحاوية 2/ 446.
(2)
تحكيم القوانين ص 13.
(3)
تحكيم القوانين ص 20. انظر فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم 12/ 291.
(4)
أضواء البيان 2/ 104، وانظر الأضواء 2/ 109.
وقال ابن باز: "أما من حكم بغير ما أنزل الله لهوىً، أو لحظ عاجل وهو يعلم أنه عاصٍ لله ولرسوله وأنه فعل منكرًا عظيمًا، وأن الواجب عليه الحكم بشرع الله فإنه لا يكفر بذلك الكفر الأكبر، لكنه قد أتى منكرًا عظيمًا ومعصية كبيرة وكفرًا أصغر كما قال ذلك ابن عباس ومجاهد وغيرهما من أهل العلم، وقد ارتكب بذلك كفرًا دون كفر، وظلمًا دون ظلم وفسقًا دون فسق، وليس هو الكفر الأكبر وهذا قول أهل السنة والجماعة"
(1)
.
وقال ابن عثيمين رحمه الله: "وصف الله الحاكمين بغير ما أنزل الله بثلاثة أوصاف: قال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44]، وقال تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة: 45]، وقال تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة:47]، واختلف أهل العلم في ذلك: فقيل: إن هذه الأوصاف لموصوف واحد، لأن الكافر ظالم لقوله تعالى:{وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: 254]. وفاسق لقوله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ} [السجدة: 20] أي كفروا.
وقيل إنها لموصوفين متعددين، وإنها على حسب الحكم، وهذا هو الراجح: فيكون كافرًا في ثلاثة أحوال:
أ - إذا اعتقد جواز الحكم بغير ما أنزل الله، بدليل قوله تعالى:{أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} [المائدة:50]، فكل ما خالف حكم الله فهو من حكم الجاهلية، بدليل الإجماع القطعي على أنه لا يجوز الحكم بغير ما أنزل الله، فالمُحل والمُبيح للحكم بغير ما أنزل الله مخالف لإجماع المسلمين القطعي، وهذا كافر مرتد، وذلك كمن
(1)
مجموع فتاوى ابن باز ص 992.
اعتقد حل الزنا أو الخمر أو تحريم الخبز أو اللبن.
ب - إذا اعتقد أن حكم غير الله مثل حكم الله.
ج - إذا اعتقد أن حكم غير الله أحسن من حكم الله.
بدليل قول الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)} [المائدة:50] فتضمنت الآية أن حكم الله أحسن الأحكام بدليل قوله تعالى مقررا ذلك: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (8)} [التين: 8]، فإذا كان الله أحسن الحاكمين أحكامًا وهو أحكم الحاكمين فمن ادعى أن حكم غير الله مثل حكم الله أو أحسن فهو كافر، لأنه مكذب للقرآن.
ويكون ظالمًا إذا اعتقد أن الحكم بغير ما أنزل الله أحسن الأحكام وأنه أنفع للعباد والبلاد وأنه الواجب تطبيقه، ولكن حمله البغض والحقد للمحكوم عليه حتى حكم بغير ما أنزل الله فهو ظالم.
ويكون فاسقًا: إذا كان حكمه بغير ما أنزل الله لهوى في نفسه مع اعتقادة أن حكم الله هو الحق، لكن حكم بغيره لهوى في نفسه، أي محبة لما حكم به لا كراهية لحم الله ولا ليضر أحدًا به، مثل: أن يحكم لشخص لرشوة رُشِيَ إياها، أو لكونها قريبًا أو صديقًا، أو يطلب من ورائه حاجة، وما أشبه ذلك مع اعتقاده بأن حكم الله هو الأمثل والواجب اتباعه، فهذا فاسق، وإن كان أيضًا ظالمًا، لكن وصف الفسق في حقه أولى من وصف الظلم.
أما بالنسبة لمن وضع قوانين تشريعية مع علمه بحكم الله، وبمخالفة هذه القوانين لحكم الله، فهذا قد بدل الشريعة بهذه القوانين فهو كافر لأنه لم يرغب بهذا القانون عن شريعة الله إلا وهو يعتقد أنه خير للعباد والبلاد ومن شريعة الله"
(1)
.
(1)
مجموع فتاوى ابن عثيمين 10/ 740 - 742. وانظر القول المفيد ط 1 - 2/ 268. وانظر شرح ثلاثة الأصول من المجموع 6/ 161.