الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "أما بالنسبة لفعل المقَدِّر فيجب على الإنسان الرضا به والصبر، وبالنسبة للمقدور فيجب عليه الصبر ويستحب له الرضا.
مثال ذلك: قدر الله على سيارة شخص أن تحترق، فكون الله قدر أن تحترق السيارة هذا قدر يجب على الإنسان أن يرضى به، لأنه من تمام الرضا بالله ربًا.
وأما بالنسبة للمقدور الذي هو احتراق السيارة، فالصبر عليه واجب، والرضا به مستحب وليس بواجب على القول الراجح.
والمقدور قد يكون طاعات، وقد تكون معاصي، وقد يكون من أفعال الله المحضة، فالطاعات يجب الرضا بها، والمعاصي لا يجوز الرضا بها من حيث هي مقدور، أما من حيث كونها قدر الله فيجب الرضا بتقدير الله بكل حال، ولهذا قال ابن القيم:
فلذلك نرضى بالقضاء ونسخط الـ
…
مقضي حين يكون بالعصيان
فمن نظر بعني القضاء والقدر إلى رجل يعمل معصية، فعليه الرضا؛ لأن الله هو الذي قدر هذا، وله الحكمة في تقديره، وإذا نظرنا إلى فعله، فلا يجوز له أن يرضى به لأنه معصية، وهذا هو الفرق بين القدر والمقدور"
(1)
.
6 - الفرق بين الرضا والصبر:
قال الشيخ سليمان بن عبد الله: "قال طائفة من السلف منهم عمر بن عبد العزيز، والفضيل، وأبو سليمان، وابن المبارك، وغيرهم: إن الراضي لا يتمنى غير حاله التي هو عليها بخلاف الصابر، وقال الخواص: الصبر دون الرضى، الرضى أن يكون الرجل قبل نزول المصيبة راض بأي ذاك كان، والصبر أن يكون بعد نزول المصيبة يصبر
(2)
.
(1)
القول المفيد 2/ 213، ومجموع الفتاوى 10/ 691.
(2)
الحلية 8/ 277.
وقال ابن رجب: كلام الخواص هذا عزم على الرضى ليس هو الرضى، فإنه إنما يكون بعد القضاء كما في الحديث:"وأسألك الرضى بعد القضاء"
(1)
لأن العبد قد يعزم على الرضى بالقضاء قبل وقوعه فإذا وقع انفسخت تلك العزيمة، فمن رضي بعد وقوع القضاء فهو الراضي حقيقة"
(2)
.
وقال ابن القيم مبينًا ضابط الرضا: "وليس من شرط الرضا ألا يحسَّ بالألم والمكاره بل ألا يعترض على الحكم ولا يتسخطه. ولهذا أشكل على بعض الناس الرضا بالمكروه وطعنوا فيه. قالوا: هذا ممتنع على الطبيعة. وإنما هو الصبر. وإلا كيف يجتمع الرضا والكراهة؟ وهما ضدان والصواب أنه لا تناقض بينهما وأن وجود التألم وكراهة النفس له لا ينافي الرضا كرضا المريض بشرب الدواء الكريه ورضا الصائم في اليوم الشديد الحرّ بما يناله من ألم الجوع والظمأ ورضا المجاهد بما يحصل له في سبيل الله من ألم الجراح وغيرها"
(3)
.
وقال الشيخ سليمان بن عبد الله في قوله تعالى: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [البينة: 8]: "وهذا دليل على فضيلة الرضى، وهو أن لا يعترض على الحكم ولا يتسخطه ولا يكرهه، وقد وصى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا فقال: "لا تتهم الله في شيء قضاه لك"
(4)
.
فإذا نظر المؤمن بالقضاء والقدر في حكمة الله ورحمته، وأنه غير متهم في قضائه، دعاه ذلك إلى الرضى، قال ابن مسعود: إن الله بقسطه وعلمه جعل الروح والفرح في اليقين والرضى، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط"
(5)
.
(1)
أخرجه النسائي (1306).
(2)
انظر تيسير العزيز الحميد ص 527.
(3)
المدارج لابن القيم 2/ 182.
(4)
مسند الإمام أحمد (23094).
(5)
تيسير العزيز الحميد ص 525.
7 -
أمور تتنافى مع الصبر أو تقدح في كماله:
1 -
الشكوى إلى المخلوق على سبيل التسخط.
2 -
الأنين.
3 -
الندب والنياحة
(1)
.
وهذه الأمور تحتاج إلى توضيح وتفصيل حتى يتبين منها ما يتنافى مع الصبر وما يقدح فيه أو يقدح في كماله وما لا يكون كذلك:
1 -
الشكوى: قال ابن القيم: "الشكوى نوعان:
أحدهما: الشكوى إلى الله، فهذا لا ينافي الصبر، كما قال يعقوب:{إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف: 86]، مع قوله:{فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} [يوسف: 83]، وقال أيوب:{مَسَّنِيَ الضُّرُّ} [الأنبياء: 83] مع وصف الله له بالصبر، وقال سيد الصابرين صلوات الله وسلامه عليه:"اللهم أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي، الخ .. ". وقال موسى صلى الله عليه وسلم: "اللهم لك الحمد، وإليك المشتكى، وأنت المستعان، وبك المستغاث، وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بك".
والنوع الثاني: شكوى المبتلى بلسان الحال والمقال، فهذه لا تجامع الصبر بل تضاده وتبطله"
(2)
.
وقال أيضًا رحمه الله: "والشكوى نوعان: شكوى بلسان المقال، وشكوى بلسان الحال، ولعلها أعظمها. ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم من أنعم عليه أن يظهر نعمة الله عليه. وأعظم من ذلك من يشتكي ربه وهو بخير؛ فهذا أمقت الخلق عند ربه. قال الإمام أحمد قال كعب الأحبار: "إن من حسن العمل سبحة الحديث، ومن شر العمل
(1)
انظر أيضًا الآداب الشرعية ص 30.
(2)
عدة الصابرين ص 31.
التحذيف" قيل لعبد الله: ما سبحة الحديث؟ قال: سبحان الله بحمده في خلال الحديث. قيل: فما التحذيف؟ قال: يصبح الناس بخير، فيسألون، فيزعمون أنهم بشر! "
(1)
.
وقال أيضًا رحمه الله: "ومما يقدح في الصبر إظهار المصيبة، والتحدث بها. وكتمانها رأس الصبر. وقال الحسن بن الصباح في مسنده عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من البر كتمان المصائب والأمراض والصدقة". وذكر أنه "من بث الصبر فلن يصبر" وروي من وجه آخر عن الحسن يرفعه: من البر كتمان المصائب، وما صبر من بث"
(2)
.
أما ما كان من إخبار عن الحال وشكوى مما يجده من ألم لا يصحبه تسخط للقدر فقد نقل ابن مفلح عن ابن تيمية قال: "ولا بأس أن يخبر بما يجده من ألم ووجع لغرض صحيح، لا لقصد الشكوى" ا. هـ
وإلى هذا ذهب أحمد وابن المبارك فاحتج أحمد بقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة لما قالت وارأساه قال: "بل أنا وارأساه"
(3)
، واحتج ابن المبارك بقول النبي صلى الله عليه وسلم لابن مسعود:"أجل إني أوعك كما يوعك رجلان منكم"
(4)
"
(5)
.
قال ابن القيم: "وأما إخبار المخلوق بالحال فإن كان للاستعانة بإرشاده أو معاونته والتوصل إلى زوال ضرره لم يقدح ذلك في الصبر كإخبار المريض للطبيب بشكايته"
(6)
.
(1)
عدة الصابرين ص 324، 325.
(2)
عدة الصابرين ص 326.
(3)
أخرجه البخاري (5665)، والإمام أحمد (26433).
(4)
أخرجه البخاري (5660) ومسلم (2571).
(5)
الآداب الشرعية 2/ 182، 183.
(6)
عدة الصابرين 323، وانظر ص 104.
وقد نقل ابن حجر كلامًا للقرطبي رحمه الله فقال: "وقد اتفقوا على كراهة شكوى العبد ربه، وشكواه إنما هو ذكره للناس على سبيل التضجر"
(1)
.
وقال ابن حجر رحمه الله: "وأما إخبار المريض الطبيب أو صديقه عن حاله فلا بأس به اتفاقا"
(2)
.
وقال أيضًا عند شرح حديث عائشة "وارأساه": "وفيه أن ذكر الوجع ليس بشكاية فكم من ساكت وهو ساخط وكم من شاك وهو راض فالمعول في ذلك على عمل القلب لا على نطق اللسان"
(3)
.
2 -
الأنين؛ قال ابن القيم: "وأما الأنين فهل يقدح في الصبر، فيه روايتان عن الإمام أحمد قال أبو الحسين: أصحهما الكراهة لما روي عن طاووس أنه كان يكره الأنين في المرض. وقال مجاهد: كل شيء يكتب على ابن آدم مما يتكلم حتى أنينه في مرضه قال هؤلاء: وإن الأنين شكوى بلسان الحال ينافي الصبر. وقال عبد الله بن الإمام أحمد: "قال لي أبي في مرضه الذي توفي فيه: أخرج إليّ كتاب عبد الله بن إدريس. فأخرجت الكتاب، فقال أخرج أحاديث ليث بن أبي سليم، فأخرجت أحاديث ليث، فقال: اقرأ عليّ أحاديث ليث، قال: قلت لطلحة: أن طاوس كان يكره الأنين في المرض، فما سمع له أنين حتى مات. فما سمعت أبي أنّ في مرضه إلى أن توفي.
والرواية الثانية: أنه لا يكره ولا يقدح في الصبر. قال بكر بن محمد عن أبيه سئل أحمد عن المريض يشكو ما يجد من الوجع، فقال: تعرف فيه شيئا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، حديث عائشة "وارأساه"
(4)
، وجعل يستحسنه.
(1)
فتح الباري 10/ 129.
(2)
فتح الباري 10/ 129.
(3)
الفتح لابن حجر 10/ 131.
(4)
سبق تخريجه.