الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخامسة: أن يعلم صدقه فيجب أن يصدقه.
وهذا في الأمور الحسية، أما الأمور الشرعية في باب التحاكم فيجب أن يرضى باليمين ويلتزم بمقتضاها؛ لأن هذا من باب الرضا بالحكم الشرعي وهو واجب"
(1)
.
6 - حكم كثرة الحلف والحنث فيه:
قال الله تعالى: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا} [البقرة: 224].
وقال تعالى: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة: 89].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الحلف
(2)
منفقة للسلعة، ممحقة للبركة"
(3)
.
وعن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إياكم وكثرة الحلف البيع فإنه ينفق ثم يمحق"
(4)
.
وعن سلمان: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: أشيميط زان، وعائل مستكبر، ورجل جعل الله بضاعته، ولا يشتري إلا بيمينه، ولا يبيع إلا بيمينه"
(5)
.
(1)
مجموع فتاوى ابن عثيمين 10/ 810. وانظر القول المفيد ط 1 - 2/ 337.
(2)
والمراد بالحلف هنا الحلف الكاذب كما بينته رواية أحمد: "اليمين الكاذبة" في المسند 2/ 235، 234، 413.
(3)
أخرجه البخاري (2087)، ومسلم (1606)، ولفظه عند مسلم (ممحقة للربح).
(4)
أخرجه مسلم (1607).
(5)
أخرجه الطبراني بسند صحيح (6111). قال الشيخ سليمان بن عبد الله: "وهذه أعمال تدل على أن صاحبها إن كان موحدا فتوحيده ضعيف" تيسير العزيز الحميد ص 727.
قلت - القائل الشيخ سليمان -: "وسبب ذلك أنه امتهن اسم الله سبحانه جعله وسيلة لاكتساب المال والتغرير بالناس - والله أعلم -".
وفي الصحيحين عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم". قال عمران: فلا أدري: أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة "ثم إن بعدكم قومًا يشهدون ولا يستشهدون
(1)
، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يوفون ويظهر فيهم السمن"
(2)
.
وفيه عن ابن مسعود رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خير الناس قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته". قال إبراهيم - أي النخعي -: وكانوا يضربوننا على الشهادة والعهد ونحن صغار
(3)
.
قال السعدي رحمه الله: "أصل اليمين إنما شُرعت تأكيدًا للأمر المحلوف عليه وتعظيمًا للخالق، ومن تمام هذا التعظيم أن لا يُحلف بالله إلا صادقًا، ومن تمام هذا التعظيم أن يُحترم اسمه عن كثرة الحلف. فالكذب وكثرة الحلف تنافي التعظيم الذي هو روح التوحيد"
(4)
.
وفي تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا} [البقرة:224] يقول القرطبي رحمه الله "
…
وقيل: المعنى لا تستكثروا من اليمين بالله فإنه أهيب للقلوب، ولهذا قال تعالى:{وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} ، وذم من كثَّر اليمين فقال تعالى:{وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10)} [القلم: 10]، والعرب تمتدح بقلة الأيمان
(1)
والمعنى أنهم يؤدون الشهادة قبل أن تطلب منهم لاستخفافهم بالشهادة وعدم تحريهم الصدق وهذا بخلاف من في ترك شهادته فوات حق وضياعه فإن الشاهد عليه - حينئذ - التقدم بشهادته لإرجاع الحق إلى أهله وعليه يحمل حديث: خير الشهود الذين يشهدون قبل أن يستشهدوا. وفي رواية: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ألا أخبركم بخير الشهداء؟ الذي يأتي بشهادته قبل أن يُسألها" رواه مسلم (1719).
(2)
أخرجه البخاري (3650)، ومسلم (2535).
(3)
أخرجه البخاري (3651)، ومسلم (2533).
(4)
القول السديد في مقاصد التوحيد ص 149.
حتى قال قائلهم:
قليل الألايا حافظ ليمينه
…
وإن صدرت منه الألية برتِ
وعلى هذا {أَنْ تَبَرُّوا} معناه: أقِلِّوا الأيمان لما فيه من البر والتقوى، فإن الإكثار يكون معه الحنث وقلة رعي لحق الله تعالى، وهذا تأويل حسن
…
"
(1)
.
وقال ابن الجوزي رحمه الله: "وفي معنى الآية ثلاثة أقوال
…
:
الثالث: أن معناها لا تكثروا الحلف بالله وإن كنتم بارين مصلحين، فإن كثرة الحلف بالله ضرب من الجرأة عليه. هذا قول ابن زيد"
(2)
.
وفي تفسير قوله تعالى: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} قال في فتح المجيد:
"يقول ابن جرير رحمه الله في معنى الآية: لا تتركوها بغير تكفير.
وذكر غيره من المفسرين عن ابن عباس يريد: لا تحلفوا. وقال آخرون: احفظوا أيمانكم عن الحنث
(3)
فلا تحنثوا"
(4)
.
ثم بيَّن الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله أن القولين متلازمان فيلزم من كثرة الحلف كثرة الحنث مع ما يدل على الاستخفاف وعدم التعظيم لله وغير ذلك مما ينافي كمال التوحيد الواجب.
قال الشيخ السعدي في التفسير: "واحفظوا أيمانكم: أي الحلف بالله كاذبا وعن كثرة الأيمان، واحفظوها إذا حلفتم عن الحنث فيها، إلا إذا كان الحنث خيرا، فتمام الحفظ: أن يفعل الخير، ولا يكون يمينه عرضة لذي الخير"
(5)
.
(1)
تفسير القرطبي 3/ 97. والبيت لكُثيِّر عزة وقوله: "حافظ ليمينه" وصفٌ منه بأنه لا يحلف.
(2)
زاد المسير 1/ 228.
(3)
في مختار الصحاح: الحنث: الإثم والذنب، والحنث: الخُلْف في اليمين، وقال الراغب: وقيل حَنِثَ في يمينه إذا لم يفِ بها. انظر مادة (ح ن ث).
(4)
فتح المجيد ص 587.
(5)
تفسير السعدي لقوله تعالى: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة: 89].