الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الحديث الثّاني](1):
[206]
: عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: "أَنَّهَا كَانَتْ تُرَجِّلُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهِيَ حَائِضٌ، وَهُوَ مُعْتَكِفٌ فِي الْمَسْجِدِ، وَهِيَ فِي حُجْرَتِهَا، يُنَاوِلُهَا رَأْسَهُ"(2).
وَفِي رِوَايَةٍ [أخْرَى](3): "وَكَانَ لا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إلَّا لِحَاجَةِ الإِنْسَانِ"(4).
وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ:"إنْ كُنْتُ لأَدْخُلُ الْبَيْتَ لِلْحَاجَةِ وَالْمَرِيضُ فِيهِ، فَمَا أَسْأَلُ عَنْهُ إلَّا وَأَنَا مَارَّةٌ"(5).
قوله: "أنَّها كَانَت": لا بُدّ هُنا من تقدير قَول، أي:"أنها قالت: كنت أُرَجّله"، ثُم أتى بحكاية خبرها عن نفْسها على طَريق الخبر عن فِعْلها؛ لأنّها هي الحاكية للحديث، فانتقل الكَلامُ من المتكلّم إلى الغَيبة بحَسب حِكَاية الرّاوي. ويحتمل أن يكُون الرّاوي عنها غيرها ممن شَاهَد فِعْلها (6)، ولم يُذكَر، والواجبُ ذِكْره إنْ كَان.
وجملة "تُرجّل" في محلّ خَبر "كَان".
وجملة "وهي حائض" في محلّ الحال من فاعل "تُرجّل".
وجملة "وهو مُعتكِف" في محلّ الحال من "رسول الله صلى الله عليه وسلم". و"الواو" فيهما "واو" الحال.
(1) بموضعه فراغ بالأصل. ورتّب الناسخ الأحاديث التالية له ونسي عَدّ هذا، ولهذا سوف يتم ترتيب الأحاديث التالية على الصّحيح. فتنبه.
(2)
رواه البخاري (296) في الحيض، ومسلم (297)(9) في الحيض.
(3)
سقط بالنسخ، وأضيفت لأنّ ابن فرحون شَرَح عليها وذكر أنها موجُودة في نُسخة قُرئت على صاحب العُمدة. وهذا هو الموضع المناسب لها كما فهمته من الشرح.
(4)
مسلم (297) في الحيض، وأحمد في "المسند"(6/ 262).
(5)
مسلم (297)(7) في الحيض.
(6)
بل الرّاوي عنها هو عُروة بن الزبير، وقد صرّح بأنها أخبرته. وراجع: البخاري (296، 2046) ومُسلم (297/ 9).
ويجوز الحال من المضَاف إليه، ويكون العامِلُ في الحال العاملَ في المضاف إليه، وقيل: معنى الإضافة. (1)
وهل يجوز في "مُعتكف" النّصب على الحال؟ ويكُون خَبر "هو" في المجرور، أي:"وهُو كَائنٌ في المسْجد مُعتكفًا"، فينصب الحَال [مِن](2) الضّمير في "كَائن" المقَدّر في المجرور.
قُلتُ: أمّا على مَذْهَب البصريين فلا يجوزُ؛ لأنّ العَامِل ليس بفِعْل ولا مُشبه [للفِعْل، و](3) الحَالُ لا يتقَدّم إلا على العَامِل الفِعْلي أو مَا أشْبَه الفِعْل. (4)
وأمّا على مَذْهَب الكُوفيين: فيتقَدّم الحالُ على العَامِل، مِن مَعْنويٍّ أو غيره. ومنه قَول الشّاعر:
إِذَا الْمَرْءُ أَعْيَتْهُ السِّيَادَةُ نَاشِئًا
…
فمَطْلَبها كَهْلًا عليه شَديد (5)
(1) انظر: البحر المحيط (1/ 646)، (6/ 482)، إرشاد الساري (1/ 379)، عقود الزبرجد (21/ 361)، نتائج الفكر (ص 245، 246)، شرح الأشموني (2/ 19 وما بعدها)، أوضح المسالك (2/ 269 وما بعدها)، توضيح المقاصد والمسالك (2/ 707)، همع الهوامع للسيوطي (2/ 305، 306).
(2)
غير واضحة بالأصل. والمثبت من (ب).
(3)
غير واضحة بالأصل. والمثبت من (ب).
(4)
انظر: البحر المحيط (8/ 549)، شرح المفصل لابن يعيش (2/ 42)، اللمحة (1/ 379، 380)، التبيين عن مذاهب النحويين (ص 383)، أسرار العَربية (ص 151، 154)، الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين (1/ 203)، شرح الكافية الشافية (2/ 743 وما بعدها، 752 وما بعدها)، توضيح المقاصد والمسالك (2/ 708 وما بعدها)، شرح الأشموني (2/ 21)، شرح التصريح (1/ 595).
(5)
البيتُ من البحر الطويل، وهو من الشعر الحماسي، يُنسب للمعلوط السعدي، أو لعبد الرحمن بن حسان. وفي رواية:". . . عليه عسير". ويُروى: "أعيته المروءة". انظر: البحر المحيط (8/ 549)، فتح القدير للشوكاني (4/ 376)، نشوة الطرب في تاريخ جاهلية العرب (ص 446، 447)، شرح لامية العجم للدميري (ص 104)، زهر الأكم في الأمثال والحكم (3/ 183)، شرح الأشموني (2/ 18).
فـ "كهلًا" حَالٌ من الضّمير في "عَليه" المجرور، والعَامِلُ فيه مَعْنَوي. (1)
وتحريرُ هذه المسأَلة - أعْني: مَسْأَلَة تَقَدّم الحَال على عَامِلها - أتْقَنَ ضَبْطها الشّيخ "جمال الدّين ابن هِشَام"، فقَال:
للحَال مَع عَامِلها ثَلاث حَالات: -
أحدها، وهي الأصْل: جوازُ التقديم على عاملها والتأخير، وذلك إذا كان العاملُ فعلًا مُتصرّفًا، نحو:"جَاء زَيد رَاكبًا"، يجوز:"رَاكبًا جَاء زيد"؛ لقُوّة العَامِل. ومنه قوله تعالى: {خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ} [القمر: 7]، فـ["خُشّعًا"](2) حَالٌ من الضّمير في "يخرجون"، وقد تقَدّم على عَامِله.
وقد يكُون العاملُ صفة تُشبه الفِعْل المتصرّف، نحو:"زيد مُنطلق مُسرعًا"، يجوز:"زيد مُسرعًا مُنطلقٌ"، فـ "مُسرعًا" حَالٌ من ضَمير "مُنطلق"، و"مُنطَلِق" صِفَة مُشبهة للفِعْل.
الحالة الثانية: أنْ تتقَدّم [الحالُ على](3) عَامِلها وجُوبًا، كما إذا كَان لها صَدْر الكَلام، نحو:"كيف جَاء زيد؟ ".
الحالة الثالثة: أن تتأخّر عنه وجُوبًا، وذلك إذا كَان العَامِلُ فِعْلًا جَامدًا، نحو:
(1) انظر: البحر المحيط (8/ 549)، شرح المفصل (2/ 42)، التبيين عن مذاهب النحويين (ص 383)، أسرار العربية (ص 151، 154)، الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين (1/ 203)، اللمحة (1/ 379، 380)، شرح الكافية الشافية (2/ 743 وما بعدها، 752 وما بعدها)، توضيح المقاصد (2/ 708)، شرح الأشموني (2/ 18، 21)، شرح التصريح (1/ 595)، جامع الدروس العربية (3/ 90، 91).
(2)
بالأصل في هذا الموضع وفي الآية: "خاشعًا".
(3)
غير واضحة بالأصل. وفي (ب): "معمولها على".
"ما أحسنه مُقبلًا"، أو صفة تُشبه الفِعْل الجامِد، وهو اسمُ التفضيل، نحو:"هو أفصَحُ النّاس خَطيبًا"، أو مَصْدَرًا، نحو:"أعجَبني اعتكافُ أخيك صَائمًا"، أو اسم فِعْل، نحو:"نِزال مُسرعًا"، أو لفظًا مُضَمّنًا معنى الفِعْل دون حُروفه، نحو:{فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً} [النمل: 52]، أو يكون العَامِل عَرَضَ له مانعٌ، نحو:"لأصبر مُحتَسبًا" و"لأعتكفنّ صَائمًا"؛ فإنّ مَا كَان في حيز "لام الابتداء" أو "لام القَسَم" لا يتقَدّم [عليها](1).
ويُستثنى من "أفعَل التفضيل": مَا كَان عَامِلًا في حَالين أحدهما [مُفَضّلة](2) عن الأخْرى؛ فإنه يجب تقديم الحال الفَاضِلة، كـ "هذا بُسرًا أطيب منه رُطبًا"، وقولك:"زيد مفردًا أنفع من عمرو مُعَانًا".
ويُستثنى مِن المضَمّن معنى الفِعْل دون حُروفه: أنْ يكُون ظَرفًا أو مجرورًا مخبرًا بهما؛ فيجُوز بقِلَّة توسُّط الحال بين المخبر عنه والمخبر به، [كقراءة] (3) الحسَن:"وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٍ بِيَمِينِهِ"(4)، وهو قولُ الأخْفَش. (5)
إذا ثبت ذلك: فمَسْألتنا من هَذا القِسْم الجائِز بقِلّة؛ لأنّ "هُو" مُبتدأ، و"في المسْجد" خَبره، و"مُعْتكفًا" حَالٌ مِن ضَمير مُتعَلّق بحَرْف الجرّ، فتقَدّمه في قَولك:"هُو مُعتَكِفًا في المسْجِد"، كقَوله تَعَالى:"وَالسَّمَوَاتُ مَطْويَّاتٍ بِيَمِينِهِ" على قراءَة
(1) غير واضحة بالأصل. ولعلها: "عليهما". والمثبت من (ب).
(2)
غير واضحة بالأصل. وفي (ب): "منفصلة".
(3)
غير واضحة بالأصل. والمثبت من (ب).
(4)
من سورة [الزمر: 67]. وقد قرأ بها - أي: بكسر التاء المنوّنة في "مطويات" - عيسى بن عُمر، وكذا قرأ الجَحدَريُّ. والنّاس على رَفعها. انظر: تفسير ابن عَطيّة (4/ 541)، فتح القدير للشّوكاني (4/ 545).
(5)
انظر: أوضح المسالك (2/ 271 وما بعدها)، شرح الأشموني (2/ 21)، شرح التصريح (1/ 594 وما بعدها).
"الحَسَن".
وهذا التقديرُ إنّما ذَكَرتُه تقريبًا للمُبتَدي وتمرينًا للمُنتهي؛ [لأنّ الرّواية](1): "وهو مُعتكِفٌ في المسجد"، إلا أنْ يثبت غير ذلك.
قوله: "وهي في حُجرتها": جملة أخْرى حَاليّة [من](2) الضّمير في "تُرَجّل"، حَال بعْد حَال، وجَارٍ على قَول مَن أجاز تعَدّد الحال، وهُم الجمهور. (3)
و"الْحُجْرَة": "الموضع المتحجّر - المنفرد - بحَائط أو غيره"، وجمعه "حُجَر" و"حُجرَات" بضَم "الجيم"[وفتحها](4)، كـ "غُرْفة وغُرَف غُرفَات". وأمّا "حَجْرة القَوم" فبفتح "الحاء" [أي:"ناحية دارهم"] (5)، والجمع "حَجرات" كـ "جمرات"، ويجوز "حَجْر" كـ "جمر". (6)
وجملة "يُناوِلها رَأسَه" في محلّ الحال في ضَمير "يعتكف"، أو جملة مُستأنفة لا محلّ لها من الإعراب. و"المناوَلة" مجازيّة، من مجاز التشبيه. و"الرّأس" مُذكّر بلا خِلاف.
قوله: "وفي رواية": يتعلّق حرف الجر بفِعل محذُوف، أي:"وجاء في رواية". وتكون جملة "أنّ عائشة. . . إلى آخره" مُبتدأ، والخبرُ في المجرور، أي: "في رواية: قول
(1) غير واضحة بالأصل. والمثبت من (ب).
(2)
غير واضحة بالأصل. والمثبت من (ب).
(3)
انظر: البحر المحيط (1/ 116، 117)، مغني اللبيب (ص 733)، أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك (2/ 277 وما بعدها)، شرح الأشموني (2/ 26)، شرح التصريح (1/ 602، 603)، الصبان (2/ 274)، النحو الوافي (2/ 387).
(4)
غير واضحة بالأصل. والمثبت من (ب).
(5)
غير واضحة بالأصل. وسقط من (ب).
(6)
انظر: الصحاح (2/ 623)، النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 342)، لسان العرب (4/ 168، 169)، المصباح المنير (1/ 122).
عائشة".
و"أخْرَى": صِفَة لـ "رواية"، وهي تأنيثُ "آخَر"، وعَلامة الجرّ فيه فتْحَة مُقَدّرة؛ لأنّه لا ينصَرف؛ لأَلِف التأنيث المقْصُورة. (1) وقَد تقَدّم في الحديث الثّالث من "باب العيدين" مِن الكَلام على "أخْرى" طَرَف، فليُنظر هُنالك. وليست لَفْظَة "أخْرَى" في كُلّ نُسَخ "العُمْدة"، ووَجَدتها في نُسْخَة قُرِئَت على "الشّيخ".
قوله: "وكَان لا يَدخُلُ البيت": فاعلُ "يدخُل": "ضَمير النبي صلى الله عليه وسلم". والجملة مُستأنَفَة. وتَقَدّم الكَلامُ على تعَدّي "دَخَل" في الأوّل من "باب الاستطابة".
قوله: "إلا لحاجة الإنسان": الاستثناءُ مُفرغ، يعمَل ما قبل "إلّا" فيما بعدها (2)؛ فتتعَلّق "لحاجَة" بـ "يدْخُل".
قوله: "وفي رِوَايةٍ": تقَدّم قَريبًا تعَلّق حَرف الجرّ به.
و"قَالَت": في محلّ خَبر "أنّ".
قوله: "إنْ كُنتُ": "إنْ" هُنا المخفّفة من الثقيلة، أي:"إنّي كُنت". و"كان" واسمها وخبرها في محلّ خَبر "إن".
و"اللام" في "لأدخُل" هي "اللام" الفَارِقَة بين المخفّفة والنافية. ودَخَلت "اللام" على خَبر "كان"؛ لأنّ "كَان" واسمها وخبرها أحَد جزأي خَبر "إن". وذَهَب الكُوفيون إلى أنّ "إنْ" في مِثْل هَذا نافية، و"اللام" بمَعنى "إلّا". (3) وتقَدّم الكَلامُ على
(1) انظر: الصحاح (2/ 577)، شرح المفصل (1/ 163)، (4/ 134، 135)، همع الهوامع (1/ 97)، لسان العرب (4/ 13، 14).
(2)
انظر: البحر المحيط لأبي حيان (3/ 265)، (5/ 293)، (7/ 121)، أوضح المسالك (2/ 222)، مُغني اللبيب (ص 516)، شرح التصريح (1/ 414، 539)، شرح شذور الذهب لابن هشام (ص 342).
(3)
انظر: البحر المحيط (2/ 17)، (5/ 126)، التبيان في إعراب القرآن (1/ 124)، =