الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَاب مَا يجُوزُ قَتْلُه
الحديث الأوّل:
[218]
: عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ كُلُّهُنَّ فَاسِقٌ، يُقْتَلْنَ فِي الْحَرَمِ: الْغُرَابُ، وَالْحِدَأَةُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ"(1).
وَلِمُسْلِمٍ: "يُقْتَلُ خَمْسٌ فَوَاسِقُ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ"(2).
قَال الشّيخُ تقيّ الدِّين: المشْهُورُ في الرِّواية: "خمسٌ - بالتنوين - فَواسِقُ"، ويجوز:"خمسُ فَواسِقَ" بالإضافة من غير تنوين، وهذه الرواية التي ذَكرها المصنفُ تدُلّ على صِحّة المشهور، فإنّه أخْبر عَن "خمسٌ" بقوله:"كُلّهن فَواسِق"، وذلك يقتضي أنْ يُنَوَّن "خمسٌ"، وتكُون "فَوَاسِقُ" خَبرًا.
وبَين التنوين والإضَافة فَرْقٌ دَقيق في المعْنَى، وذَلك أنّ الإضَافَة تقتضي الحُكمَ على خمْس مِن الفَواسِق بالقَتْل، ورُبّما يُشْعِر التخصيصُ بخِلافِ الحُكْم في غَيرها بطَريق المفْهُوم. وأمّا مَع التنوين: فإنّه يقتضي وَصْفَ الخَمْس بالفِسْق مِن جَهَة المعْنى، وقد يُشْعرُ بأنّ الحُكْمَ المرَتّبَ على ذَلك - وهُو القَتْلُ - مُعَلّل بما جُعِل وَصْفًا، وهُو الفِسْقُ؛ فيقتضي ذَلِك التّعْميم لكُلّ فَاسِق مِن الدّوَاب، وهُو ضِدّ مَا اقتَضَاه الأوّل من العُمُوم، وهُو التخصيص. انتهى. (3)
قوله: "خمسٌ مِن الدَّوَاب": "خمس" مُبتدأ، وسَوّغ الابتداء به وصفه بالمجْرور، أي:"خمسٌ كَائنات مِن الدّوَاب".
و"كُلّهن": مُبتدأ، و"فَوَاسِق" خَبره، والجمْلَة صِفَة لـ "خمس" ثانية؛ فـ "فَواسِق"
(1) رواه البخاري (1829) في جزاء الصيد، ومسلم (1198)(71) في الحج.
(2)
رواه مسلم (1198)(67) في الحج.
(3)
انظر: إحكام الأحكام (2/ 64، 65).
لا ينْصَرف؛ لأنّه على صِيْغَة مُنتَهَى الجمُوع (1).
و"دَوَاب" أيْضًا من غير تعريف لا ينصرف؛ لأنّه على صيغة منتهى الجموع، وإنما انصرف لأنّ كُلّ مَا لا ينصَرف إذا دَخَله [التعريف](2) بالأَلِف واللام انصَرَف، وقَبِل الجرّ بالكَسر. (3)
و"دَوَابّ: جمعُ "دابّة"، أصْلها: "دابية" كـ "قائمة"، فأدْغِمَت "الياء" الأوْلى في الثّانية، وكُلّ مَاش على الأرْض "دَابّة". (4)
و"كُلّ" مِن ألفاظ التأكيد، وتقَع مُبتدأ كثيرًا، والتأكيدُ هُنا لا يجوزُ؛ لأنّ "خمسًا" نَكِرة، والنّكِرَةُ لا تُؤَكّد (5)، ولأنّ الكَلامَ ينقطع ارتباط بعضه من بعض. وتقَدّم الكَلامُ على "كُلّ" في الحديث الأوّل مِن الكتاب. وأضيف هُنا "كُلّ" إلى مَعْرفة؛ فجَرَى الخبر على لَفْظِه، وهو "فَاسِق"؛ لأنّ لَفْظَ "كُلّ" مُفْرَد مُذَكّر، ولَو [أعاد] (6) على مَا أضيف إليه لقَالَ:"فَاسِقَة".
ومتى أضيف "كُلّ" إلى نَكِرَة جَرَى تَابعها وكُلّ مَا هُو لها على لَفْظ مَا أضيفت إليه، كقَوله تعالى:{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: 185]، فلو قُلتَ:"كُلّ امرأة" أنّثت صِفَتها؛ فقُلت: "تأتيني"، ولو قُلتَ:"كُلّ رَجُل" قُلتَ: "يأتيني"، ولو قُلت:"يأتوني" كَانَ خِلافَ القَاعِدَة. (7)
(1) راجع: المفصل (ص 35)، تاج العروس للزبيدي (24/ 21، 22)، المغرب للمطرزي (ص 519)، النحو المصفى (ص 47).
(2)
بالأصل: "للتعريف". والمثبت من (ب).
(3)
انظر: شرح التسهيل (1/ 41)، شرح القطر (ص 52).
(4)
انظر: الإعلام لابن الملقن (6/ 137)، الصحاح للجوهري (1/ 124)، لسان العرب لابن منظور (1/ 369).
(5)
انظر: نتائج الفكر (ص 217)، توضيح المقاصد (1/ 550).
(6)
غير واضحة بالأصل. والمثبت من (ب).
(7)
انظر: البحر المحيط (1/ 371)، فتح الباري (6/ 132)، شواهد التَّوضيح (ص =
قوله: "فاسِق": قَالَ الجوهري: يُقَال: "فَسق الرّجُل"، "يفسُق" و"يفسِق" بضَمّ "السّين" وكسْرها، "فِسْقًا" و"فسوقًا". (1)
قال ابن الأعرابي: لم يُسمع قَط مِن كَلام الجاهلية ولا في شعرهم "فاسق". (2)
قال (3): وهذا عَجَب، وهو كَلامٌ عَرَبي. و"الفسيق":"الدائمُ الفِسْق". (4)
وخَبرُ المبتدأ: جملة "يُقْتَلْنَ"، أو يكُون "كُلّهنّ فَاسِق" في محلّ الخَبر، أو جملة مُعترضة لا محلّ لها، ومتى جعل "كُلّهن فَواسِق" الخبر كَان جملة "يُقْتَلْنَ" في مَوضِع خَبر بعْد الخبر.
قوله: "في الحَرَم": الألِف واللام إمّا للعَهْد، ويُراد به "حَرَم المسْجِد الحَرَام"، أو يُرَاد "حَرَم مَكّة والمدينة"؛ فتكون لحقيقتها. (5)
قوله: "الغُرَاب" ومَا عُطِفَ عليه: بَدَلٌ مِن الضّمير القَائِم مَقَام الفَاعِل في "يُقْتَلْن"، ويحتمَل أنْ يكُون خَبر مُبتدأ محذُوف، أي:"هُنّ الغُراب. . .".
قوله: "ولمسْلِم: يُقْتَلُ خَمْسٌ فَوَاسِقُ في الْحِلِّ وَالْحَرَمِ": حَرفُ الجر يتعلّق بـ "يُقْتَلن".
و"الغُرابُ" ومَا بَعْدَه أسماءُ أجْنَاس. وأسماءُ الأجْنَاس [أُوقِعَت أوّلًا](6) على مُسَمّياتها مِن غَير أنْ تكُون مَنْقُولة مِن شَيءٍ، فإنْ وُجِد مِنْها ما يُمكِن اشتقاقه حُمِل
= 250)، عُقود الزبرجد (3/ 60، 61)، شرح التسهيل (3/ 245، 300).
(1)
انظر: الصحاح (4/ 1543).
(2)
انظر: الصحاح (4/ 1543).
(3)
القائلُ هو "الأخفش"، كما يظهر من كلام "الصّحاح".
(4)
انظر: الصحاح (4/ 1543).
(5)
راجع: سبل السلام (2/ 361).
(6)
كذا بالنسخ. وفي "البحر المحيط": "إذا وقعت".
على أنّه مُشتَقّ، إلا أنّ ذَلك قَليلٌ جِدًّا؛ لأنّ الأكثر فيها أنْ تكُون غير مُشتَقّة، كـ "تُرَاب" و"حَجَر" و"مَاء". (1)
ويُمكِن أنْ يكون "غُراب"[مأخُوذًا](2) مِن "الاغتراب"؛ فإنّ العَرَب تتشاءم به، وتزعُم أنّه دَالّ على "الفِرَاق"(3)، قال الشَّنْفَرَى:
فقُلتُ: غُرَابٌ لِاغْتِرَابٍ مِنَ النَّوَى
…
وبالبَانِ بَيْنٌ مِنْ حَبِيبٍ تُعَاشِرُهُ (4)
وأمّا قوله تعالى: {وَغَرَابِيبُ سُودٌ} [فاطر: 27] فليس مِن هَذا؛ لأنّهم يقُولُون: "أسْوَد غربيب"، أي:"شَديد السّواد"؛ ولذلك أعْرَبوا "سُود" بَدَل مِن "غرابيب". قَالَ في "الصّحَاح": لأنّ تواكيد الألْوَان لا تتقَدّم. ويُجْمَع على "أغْرِبَة"، وفي الكَثرة "غِرْبَان". (5)
وأمّا "الحِدَأَة": فالطّائرُ المعْروف، بكَسر "الحاء"، مقْصُور مَهْمُوز، ولا يُقَال:"حَدَأة" بفَتْح "الحاء". وجمعُها: " [حِدَأ"] (6)، مِثل:"حِبَرَةٍ، وحِبَر"، و"عِنَبة، وعِنَب". (7)
(1) انظر: البحر المحيط (4/ 225)، الممتع الكبير لابن عصفور (ص 44).
(2)
بالنسخ: "مأخوذ". والصواب المثبت.
(3)
انظر: البحر المحيط (4/ 225).
(4)
البيتُ من الطويل، ويُنسَب لكثير عَزة. والمروي فيه:"فقال"، ويُروى فيه:"فأمّا غراب"، ويُروى:"وفي البان"، ويُروى:"حَبيب تجاوره". انظر: البحر المحيط (4/ 225، 226)، تاريخ دمشق لابن عساكر (69/ 286)، عيون الأخبار لابن قتيبة (1/ 235)، الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة للشنتريني (8/ 535)، الممتع الكبير لابن عصفور (ص 44)، زهر الآداب وثمر الألباب للحصري (2/ 525)، ربيع الأبرار للزمخشري (4/ 205).
(5)
انظر: البحر المحيط (9/ 29، 30)، الصحاح للجوهري (1/ 192)، تاج العروس للزبيدي (3/ 477).
(6)
بالنسخ: "حدآء". والصواب المثبت.
(7)
انظر: رياض الأفهام (3/ 621)، الإعلام لابن الملقن (6/ 140)، مشارق الأنوار =
وأمّا "العَقْرَب": فوَاحِدُ "العَقَارِب"، وهِي تُؤَنّث، والأنثى:"عَقْرَبة"، و"عَقْرَباء" ممدُود غير مَصْروف، والذّكَر "عُقْرُبان" بالضّم. و"العُقْربان": دَابّة لها أرْجُل طُوال، وليسَ ذَنَبه كذَنَب العَقَارب. (1)
وأمّا "الفَأر": فمهْمُوز، جمع:"فأرَة". ويُقَال: "مَكَانٌ فِئرٌ": "كثيرُ الفَأر"، و"أرْضٌ مَفْأرَة":"ذاتُ فأر". (2)
وأمّا "الكَلْب": فمَعْروفٌ، ورُبّما يُوصَف [به] (3)؛ فيُقال:"امرأة كلبة". والجمع: "أكْلُب" و"كِلاب" و"كَلِيب"، مثل:"عَبْد" و"عَبِيد"، وهو (4) جمْعٌ عَزيزٌ. و"الأكالب" جمعُ "أكْلُب". (5)
قوله: "ولمسْلِم": أي: "وَجَاء لمسْلِم"؛ فيتعلّق حَرف الجر بـ "جَاء"، ويكُون "يُقْتَلُ" فما بعده فَاعِل "جَاء" على الحِكَاية. ويجُوز أنْ يكُون "لمسْلِم" يتعَلّق بخَبر عَن الجمْلَة بعْده على الحِكَاية.
قوله: "في الحلّ والحَرَم": حَرْفُ الجر يتعلّق بـ "يُقْتَلُ".
***
= (1/ 184)، الصحاح (1/ 43)، لسان العرب لابن منظور (1/ 54، 55)، تهذيب اللغة (5/ 122)، تصحيح التصحيف (ص 85، 86).
(1)
انظر: رياض الأفهام (3/ 621)، الإعْلام لابن الملقن (6/ 141)، الصحاح (1/ 187)، لسان العرب (1/ 624)، تاج العروس (3/ 424).
(2)
انظر: الصحاح (2/ 777)، لسان العرب (5/ 43).
(3)
سقط من النسخ. والمثبت من المصادر.
(4)
أي: "كَليب".
(5)
انظر: الصحاح (1/ 213)، لسان العرب (1/ 722).