الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثّاني:
[150]
: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ بَابٍ كَانَ نَحْوَ دَارِ الْقَضَاءِ، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمًا، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلَكَتْ الأَمْوَالُ، وَانْقَطَعَتْ السُّبُلُ فَادْعُ اللهَ تَعَالَى [يُغِثْنا] (1). قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا".
قَالَ أَنَسٌ: فَلا وَاللهِ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ وَلا قَزَعَةٍ، وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ بَيْتٍ وَلا دَارٍ قَالَ: فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ، فَلَمَّا تَوَسَّطَتْ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ ثُمَّ أَمْطَرَتْ.
قَالَ: فَلا وَاللهِ مَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ سَبْتًا.
قَالَ: ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ فِي الْجُمُعَةِ الْمُقْبِلَةِ، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ يَخْطُب، فَاسْتَقْبَلَهُ قَائِمًا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلَكَتْ الأَمْوَالُ، وَانْقَطَعَتْ السُّبُلُ، فَادْعُ اللهَ أَنْ يُمْسِكَهَا عَنَّا. قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلا عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الآكَامِ وَالظِّرَابِ وَبُطُونِ الأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ".
قَالَ: فَأَقْلَعَتْ، وَخَرَجْنَا نَمْشِي فِي الشَّمْسِ.
قَالَ شَرِيكٌ: فَسَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، أَهُوَ الرَّجُلُ الأَوَّلُ؟ قَالَ: لا أَدْرِي (2).
"الظراب": "الجبال الصغار"، جمع "ظَرِب" بفتح "الظاء"، وكسر "الراء"(3)، وب "الظاء": " [الناتئة](4). . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(1) بالنسخ: "يغيثنا"، وهو لفظ البخاري، والمثبت هو لفظ مسلم، وعليه جاء الإعراب والشرح.
(2)
رواه البخاري (1013) في الاستسقاء، ومسلم (897) في صلاة الاستسقاء.
(3)
انظر: الصحاح (1/ 174).
(4)
غير واضحة بالأصل. والمثبت من (ب). والذي يفهم من المصادر أن المراد بالظراب عند البعض: الجبال الصغار، وعن آخرين: ما نتأ من الجبال وحُدّ طرفه، وقيل: الجبل =
الممدودة". (1)
و"الآكام": جمع "أُكُم"، مثل "أعناق" جمع "عُنُق"، و"الأُكُم" جمع "إكام"، مثل "كُتُب" و"كِتَاب"، و"الإكام": جمع "أَكَم" مثل جَبَل وجبال، و"الأكم" و"الأكمات" جمع "أكمة" وهي "التل المرتفع"(2).
قوله: "ما بيننا وبين سلع من دار": تأكيد لقوله: "وما نرى في السماء من سحاب ولا قزَعة"؛ لأنه أخبر أن السحابة طلعت من وراء سلع، فلو كان بينه وبينهم دار لأمكن أن تكون القزَعة موجودة، لكن حال بينهم وبينها ما بينهم وبين سلع.
قوله: "أن رجلًا دخل المسجد": جملة "دخل" في موضع خبر "أن"، و"أن" فتحت لقيامها مقام معمول لمتعلق حرف الجر.
تقدم الكلام على "دخل" وتعديها في الحديث الرابع من الاستطابة.
و"المسجد" يجري فيه الخلاف في تعدي "دخل" إلى مفعول به أو إلى ظرف، والصحيح أنه ظرف (3)،
والجملة صفة لـ "رجل"، والعامل في "يوم""دخل"، و"جمعة" تقدم الكلام عليها في الحديث الثاني من "باب الجمعة".
قوله: "من باب": يتعلّق بـ "دخل"، وجملة "كان" في محل صفة لـ "باب"، وتصريف "الباب" تقدم في "باب الاستطابة".
= المنبسط. وانظر المصادر التالية.
(1)
انظر: إكمال المعلم (6/ 376)، المحكم والمحيط الأعظم (10/ 19)، لسان العرب (1/ 569)، وتاج العروس (3/ 293).
(2)
انظر: الصحاح (5/ 1262)، وتاج العروس (31/ 223)، والنهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 59).
(3)
انظر: شرح التسهيل (2/ 244)، وشرح الشذور للجوجرى (2/ 438 - 440).
و"نَحْوَ" تقدم الكلام عليه في الحديث السابع من الأول، وهو هنا ظرف بمعنى الجهة معمول خبر "كان"، أي:"كائنًا جهة دار القضاء".
ولو كان "النحو" بمعنى المثل (1) أُعرب، فلو قُلتَ:"داري نحوُ دارك"، بمعنى:"مثل دارك"، رفعتهما لخروج "النحو" عن الظرفية.
قوله: "دار القضاء": قال ابن الأثير: قيل: هي دار الإمارة، وقال بعضهم: هو خطأ، وإنما هي دار كانت لعمر بن الخطاب بيعت بعد وفاته في دَيْنه، ثم صارت لمروان، وكان أميرًا بالمدينة، ومن ههنا دخل الوهم على من جعلها دار الإمارة (2).
قلت: كان عمر رضي الله عنه أوصى به لبيت مال المسلمين، أوصى أن يباع فيه ماله، وما فضل عليه بعد بيع ماله يستعان في قضائه ببني عدي، ثم بقريش، فباع عبد الله بن عمر داره هذه من معاوية، وباع ماله في الغابة، وقضى دينه، فكان يقال لها: دار القضاء لذلك، وهي دار مروان.
قلت: ولعل الباب الذي أشار إليه هو "باب السلام"، ولم يكن يومئذ الباب هناك، بل حَدَث بعد ذلك، وهو ملاصق لدار مروان، فيكون قوله:"نحو دار القضاء" أشار إليه في الزمان الذي كان الرّاوي فيه، لا في زمانه صلى الله عليه وسلم.
وسُمي: "باب السلام"؛ لأنه يُقابل الرّوضة الشريفة، ويُسلِّمُ الداخل منه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس كذلك ما عَدَاه من الأبواب.
قيل: كان دَيْنُه ستةً وثمانين ألفًا. وقيل: ثمانية وعشرين ألفًا. والأوّلُ أصحُّ.
قوله: "ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب، فاستقبل رسول الله": جملة "ورسول الله" في محلّ الحال من فاعل "دخل"، ويحتمل أن يكون حالًا من "رجلًا"؛ لأنَّ
(1) انظر: اللطائف في اللغة (1/ 194).
(2)
انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (4/ 78).
النكرة تخصَّصت بالصفة (1)، وهي جملة "دخل المسجد".
و"قائم" خبر عن المبتدأ، وجملة "يخطب" في محل الحال من الضمير في "قائم"، ويجوز أن تكون الجملة خبرًا بعد الخبر.
وفاعل "استقبل" ضمير "الرجل"، و"رسول الله" مفعوله، و"قائمًا" حال من ضمير "الرجل"، أو من "النبي صلى الله عليه وسلم".
قوله: "ثم قال": أي "الرجل".
وجملة: "يا رسول الله، هلكت": معمولة للقول.
وأنَّث "الأموال"، وإن كان جمع مذكر لأن جمع التكسير إذا أسند الفعل إليه جاء بالعلامة وبغيرها (2)، و"الأموال" جمع "مال"، وجُمِع لاختلاف أنواعه.
قوله: "فادعُ الله": "الفاء" سببية و"ادع" فعل أمر، وعلامة بنائه حذف "الواو"، ولغة بني عامر "فادعِ" بكسر "العين"، جعلوه من ذوات "الياء" كـ "رمَى، يرمي"(3).
قوله: "يُغِثْنا": بضم "الياء"، من "أغاث". والمشهور في العربية إنما يقال في المطر:"غاث الله الناسَ، يَغيثُهم"، بفتح "الياء".
قال عياض: هو هنا بمعنى "الإغاثة"، وليس من "طلب الغيث"، أي:"اللهم هب لنا غيثًا، وارزقنا غيثًا"، كما يقال:"سقاه" و"أسقاه"(4).
وهو فعل مضارع مجزوم على جواب الأمر، وقيل: بشرط مقدر، أي: "إن تدع
(1) حق صاحب الحال أن يكون معرفة، ولا يُنكر غالبًا إلا عند وجود مسوغ، والمسوغ هنا هو تخصيص النكرة بالوصف. انظر: شرح ابن عقيل (2/ 258).
(2)
انظر: شرح ابن عقيل (2/ 94، 95)، وشرح الأشموني (1/ 401)، وشرح شذور الذهب (1/ 345).
(3)
انظر: البحر المحيط (1/ 375)، وتفسير القرطبي (1/ 423).
(4)
انظر: شرح النوويّ على مسلم (6/ 191)، وعمدة القاري (7/ 39).
الله لنا بالإغاثة يغثنا".
ويجوز - لو رُويَ - الرفع على الاستئناف، وعلامة الجزم السكون على "الثاء"، فلما اتصل الضمير سكنت "الثاء"، فاجتمع ساكنان: الياء والثاء، فحذفت "الياء" لالتقاء ساكنين.
قوله: "قال: فرفع": فاعل "قال" ضمير أنس بن مالك، وفاعل "رفع""رسول الله صلى الله عليه وسلم"، ومفعوله "يديه".
قوله: "ثم قال: اللهم أغثنا": تقدَّم الكلام على "اللهم" في الأول من "الاستطابة".
قوله: "قال أنس: فلا والله ما نرى في السماء من سحاب": الفاء هي العاطفة، و"لا" زائدة لتأكيد معنى القسم، ولو سقطت لصحَّ الكلام، ويُروَى:"ولا والله" بالواو، وهي عاطفة أيضًا، وقد تقدم الكلام على زيادة "لا" في الرابع من العيدين، ومن زيادتها قوله تعالى:{لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ} [الحديد: 29](1)، ومنه:
فلا والله لا يُلْفَى لما بي
…
ولا لِلِما بهم أبدًا دواء (2)
وهذا نظير الحديث.
ومنه قوله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ} [النساء: 65](3)، "لا" في ذلك كله زائدة.
قوله: "ما نرى": جواب القسم، وقد تقدم الكلام على جواب القسم في الثاني
(1) انظر: البحر المحيط (10/ 117)، والكشاف (1/ 529).
(2)
البيت من الوافر، وهو لمسلم بن معبد الوالبي. انظر: المعجم المفصل (1/ 55)، وخزانة الأدب للبغدادي (11/ 331).
(3)
انظر: الكشاف (1/ 529)، والبحر المحيط (3/ 695).
من باب الصفوف، و"نرى" من رؤية البصر، يتعدى إلى مفعول واحد، وهو "من سحاب" أي ما نرى سحابًا، و"من" زائدة في النفي، و"في السماء" متعلق بحال، كان أصله صفة لـ "سحاب".
قوله: "ولا قزعة": بالجر عطف على "سحاب"، ويجوز فيه النصب بالعطف على المحل، و"لا" زائدة أيضًا لتوكيد النفي، كقولك:"لا يستوي زيد ولا عمرو"(1).
قوله: "وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار": إنما كرر "بين" ليصح العطف على [الضمير](2) المجرور (3).
وليس هذا مثل قوله تعالى: {لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ} [الشورى: 15] و {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} [الكهف: 78](4). ولو قال: "بيننا" كفى.
وإنما كرّر "بين" هنا ولم يكرّرها في قوله: {اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا} [الشورى: 15] ليعم ما أضيف إلى كل واحد منها في المسافة (5)، وسيأتي بيان ذلك في السادس من "الأيْمان".
قوله: "من بيت ولا دار": "من" زائدة في المبتدأ، والخبر في "بين"، أي: وما بيننا وبين سلع دارٌ، فتتعلق "بين" الأولى بالخبر، و"بين" الثانية معطوفة عليها، و"بين" الأولى مضافة إلى الضمير، والثانية مضافة إلى "سَلع".
(1) انظر: إرشاد الساري (4/ 165)، مغني اللبيب (ص 323).
(2)
غير واضحة بالأصل. والمثبت من (ب).
(3)
انظر: شرح ابن عقيل (3/ 239، 240)، معجم الصواب اللغوي (1/ 199).
(4)
انظر: البحر المحيط (4/ 390).
(5)
انظر: البحر المحيط (4/ 588)، والدر المصون (5/ 54 وما بعدها)، تفسير القرطبي (7/ 43)، والكشاف (2/ 746)، وشرح المفصل (1/ 422)، وشرح ابن عقيل (2/ 191 - 193)، وجامع الدروس العربية (3/ 48).
و"البيت" معروف، والجمع "بيوت" و"أبيات" و"أباييت"، وتصغيره "بُيَيْت" و"بِييت"، بضم الباء وكسرها.
قال في "الصحاح": والعامة تقول "بويت"" (1) بضم "الباء" وبالواو.
قوله: "فطلعَتْ": أي: "قال أنس: فطلعت".
"من ورائه سحابة": "سحابة" فاعل "طلعَتْ" و"من ورائه" يتعلق بـ "طلعت"، أو بحال من "سحابة" على أنها صفة له تقدّمت فصارت حالًا.
قوله: "مثل التُّرس": صفة لـ "سحابة"، ويحتمل أن تكون منصوبة على الحال من الضمير في الصفة المتقدمة، أو من "سحابة" لأنها وصفت، أو نعتًا لمصدر محذوف.
قوله: "فلما توسطت السماء": "لما" حرف وجوب لوجوب، أو وجود لوجود، واختار الفارسيُّ ومن تبعه أنها مع الماضي ظرف بمعنى "حين"، وتقدم الكلام عليها في الرابع من "باب المذي".
وجملة "توسّطت" على مذهب الفارسي في محل جر، و"انتشرت" جوابها، "ثم أمطرت" معطوف عليه.
قوله: "لا والله ما رأينا الشمس سبتًا": قوله: "قال: فلا والله" تقدم أنه كقوله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ} [النساء: 65]، وتقدم الكلام على ذلك، و"ما رأينا" جواب القسم.
و"سبتًا" ظرف زمان، أي:"في مدة سبت"، والمراد:"الجمعة كلها".
و"السبت" في الأصل مصدر، يقال:"سبت، يسبت، سبتًا"، إذا "قطع"، ثم سمي اليومُ "سبتًا"، وقد يقال:"يوم السبت" فيخرج مصدرًا على أصله، وقد قالوا:
(1) انظر: الصحاح (1/ 244).
اليوم السبت، وجعلوا "اليوم" خبرًا عن "السبت"، كما يقال:"اليوم العيد"، و"السبت" يطلق في اللغة على السير الشديد، و"السبت" برهة من الدهر، وقد أطلق هنا على أيام الجمعة كلها، فهو هنا واقع على مدة من الزمان (1).
قال ابن الأثير: كما يقال: "عشرون خريفًا"، ويراد:"عشرون سنة".
قال: وقيل: أراد مدّة من الزمان؛ لأنَّ "السبت" يقع بمعنى "القطع"، فيقع على زمان قليلًا كان أو كثيرًا. (2)
قلت: ومقتضى هذا أنه يقع على زمان من الجمعة قليلًا كان أو كثيرًا، ولا يتحدّد بالجمعة كلها.
والذي عليه الجمهور: أنّ المراد الجمعة كلها.
قال بعضهم: جمع "السبت": "أسبت" و"سبتات" بالتحريك، وجمع الكثرة:"سبوت" و"سبات"، مثل:"فَرْخ" و"فِراخ"(3).
واعلم أن كل ظرف وقع خبرًا عن أسماء أيام الأسبوع، فإنه يكون مرفوعًا إلا "الجمعة" و"السبت"، تقول:"الأحد اليومُ"، و"الإثنان اليومُ"، برفع "اليوم" فيهما، وتقول:"الجمعة اليومَ"، و"السبت اليومَ"، بالنصب فيهما.
قالوا: وعلة ذلك أن "الجمعة" و"السبت" مصدران فيهما معنى الاجتماع والقطع، فكما يقال:"الاجتماع اليومَ"، بالنَّصب، و:"القَطْعُ اليومَ"، بالنصب، كذلك ما هو بمعناهما، لأن الثاني غير الأول، وليس كذلك باقي الأيام (4).
(1) انظر: الصحاح (1/ 250).
(2)
انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 331).
(3)
انظر: تفسير القرطبي (7/ 305)، والهداية إلى بلوغ النهاية (1/ 300)، والصحاح (1/ 250).
(4)
انظر: رياض الأفهام (3/ 135، 136)، الكتاب (1/ 418)، شرح التسهيل (1/ 323)، الأصول في النحو (1/ 194)، الهمع (1/ 292)، النحو الوافي (1/ 483).
قوله: "ثم دخل رجل من ذلك الباب": تقدم أن النكرة إذا كررت كان الثاني غير الأول، وإذا عُرِّف الثاني كان هو الأوّل، وإذا عُرِّف الأول ونُكِّر الثاني كان الأول غير الثاني، ومن ذلك قوله تعالى:{فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 5، 6]، قيل:"لَن يَغْلِب عُسْرٌ يُسْرَيْن"(1)، فلو جاء هنا: ثم دخل الرجل، كان هو الأوّل.
قوله: "ورسول الله قائم يخطب": إعرابه كإعراب ما تقدم إلى قوله: "فادع الله يمسكها عنا": في بعض النسخ: "يمسكُها" برفع، وفي بعضها:"يمسكْها" مثل "يُغثْنا" في الجزم (2)، والتقدير كالتقدير.
وأمّا رواية "أنْ يمسِكَها"(3): فبنصب "يمسكها" ويقدر محلها نصب أو جر بتقدير حرف الجر، أي "بأن يمسكها".
قوله: "قال: فرفع رسول الله يديه": تقدم مثله.
قوله: "ثم قال: اللهم حوالينا ولا علينا": تقدّم الكلام على "اللهم" في أول حديث من "الاستطابة".
قوله: "حوالينا": منصوب على الظرفية، وهو من الظروف المكانية المبهمة؛ لأنه بمعنى "الناحية"، ولا يخرجه عن الإبهام اختصاصه بالإضافة، كما تقول:"جلست مكان زيد"، أي: قعدت موضعَه، و: هو مكانَ عبد الله، و: موضعَه. وهذا بخلاف "الدار" و"المسجد" فإنهما مختصان؛ لأن ذلك لا يطلق على كل موضع، بل هو بأصل وضعه لمعنى مخصوص.
(1) ضعيفٌ: أخرَجَه البخاري مُعَلقًا (6/ 172). ورواه الحاكم بالمستدرك من كلام عُمر (3176)، ومُرسَلًا (3950). وضعّفه الألباني في "السلسلة الضعيفة"(4342).
(2)
انظر: رياض الأفهام (3/ 136).
(3)
رواه النسائي في الكبرى (1837)، وكذا هو بالعمدة (ط الثقافة، ص 113).
والناصب لـ "حوالَينا" فعل مقدر، أي: اللهم اجعلها حوالينا، ولا تجعلها علينا. فـ "علينا" يتعلق بالمقدر كالظرف، و"حوالينا" يقال فيه:"قعدوا حواله"، و"حوله"، و"حواليه".
قال ابن مالك: "حوالي" و"حولي" و"أحوال"(1).
قال في الصحاح: ولا يقال "حوالِيه" بكسر اللام، ويقال:"قعد حياله"، و"بحياله"، أي:"بإزائه"، وأصله "الواو"(2).
وجعل ابن مالك "حواليك" من الظروف التي لا تتصرف كـ "فوق، وتحت، وعند، ولدن، ومع، وبين بين دون إضافة"(3).
قوله: "اللهم على الآكام": تقدم كلام الشيخ تقي الدين عليه.
قوله: "وبطون الأودية": جمع "بطن" ويجمع على "بطنان"، وبطنان الجنة: وسطها، ويقال: بطنت الوادي دخلتُه (4). و"الأودية" جمع "واد"، قالوا: وليس في كلام العرب جمع "فاعل" على "أفعلة" إلا في هذه الكلمة خاصة، وهي من النوادر (5).
قوله: "فأقلعت": وجاء في بعض الروايات لمسلم: " [فَانْقَطَعَتْ] "(6) وهما بمعنى، أي: كفَّت.
والإقلاع: الكفّ، ويقال: أقلع فلان عما كان عليه، و: أقلعت عنه الحمى.
(1) انظر: تسهيل الفوائد (ص/ 96).
(2)
انظر: الصحاح (4/ 1679).
(3)
انظر: تسهيل الفوائد (ص/ 96)، وشرح التسهيل (2/ 229)
(4)
انظر: الصحاح (5/ 2079، 2080).
(5)
انظر: لسان العرب (13/ 481)، تاج العروس (40/ 179)، المخصص (1/ 509).
(6)
الوارد بالنسخ: "فقطعت". والمثبت من المصدر. وقد ذكر النووي اختلاف النسخ في صحيح مسلم، وأن الأكثر على "فانقلعت". انظر: شرح النووي (6/ 193).
وعطف عليه "وخرجنا نمشي"، وجملة "نمشي" في محل الحال، وهي حال مؤكدة؛ لأن خروجهم من المسجد لا يكون إلا لمشي.
وتشبه هذه الحال قوله:
إذَا كُنْتَ رَبًّا للقَلُوصِ فَلَا تَدَعْ
…
رَفِيقَكَ يَمْشِي خَلْفَها غَيرَ رَاكِبِ (1)
لكن المؤكّدة في البيت: "غير راكب".
قوله: "فسألت": الضمير في "سألتُ" للراوي عن أنس. وتقدم الكلام على "الأول" في الحديث الأول من الكتاب.
وتقدم أن همزة الاستفهام إذا دخلت على الاسم كما هي هنا وجاء الفعل بعده أشعر بوقوع الفعل في الوجود، والاستفهام عن صدور ذلك الفعل من المخاطب أو من غيره.
بخلاف ما إذا ولى الاستفهام الفعل فإنه ليس فيه إشعار بوقوعه.
فإذا قلت: "أنت ضربت زيدًا؟ "، أشعر بوقوع الضرب بزيد، لكنك استفهمت عن إسناده للمخاطب.
وإذا قلت: "أضربت زيدًا؟ "، استفهمت عن إسناده له، ولا إشعار فيه بالوقوع.
قال أبو حيان: ونص على هذا أبو الحسن الأخفش (2).
وهذا التركيب في الحديث من القسم الأول؛ لأن تقدير الكلام: "الرجل الأول دخل ثانيًا؟ "، فالدخول معلوم، والرجل عند المستفهم مجهول، هل هو الأول
(1) البيت من الطويل، وهو لحاتم الطائي. انظر: الحماسة البصرية (1/ 128).
(2)
انظر: البحر المحيط (4/ 416).
أو غيره؟ وجاء في البخاري أنّ الرجُل الأوّل هو الثاني.
قوله: "لا أدري": يجوز فيه حذف "الياء" تخفيفًا، كـ "لا أُبالي"، وكما حذفوا من "يكن" لكثرة الاستعمال (1).
وهمزةَ التسوية مقدرة، أي:"أهو هو أم لا؟ وتقدّم ذكر "همزة" التسوية.
***
(1) انظر: الصحاح (6/ 2335)، ولسان العرب (14/ 254)، والعين (8/ 58).