الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} [البقرة: 109](1).
ولو اقتصر على قوله: "نحْن نُعْطيه" كَفَى عن قوله: "مِن عِنْدنا"، إلّا أنّه أرَاد صلى الله عليه وسلم أن يُنبّه على أنّ "الهَدْي" قد خَرَج لله بنيّته وبنَحْره؛ فالذي يُعطَى للجزّار مِن عند الشّخص لا ينقصُ الهَدْي.
الحديث الخَامِس:
[235]
: عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ أَتَى عَلَى رَجُلٍ أَنَاخَ (2) بَدَنَتَهُ، فَنَحَرَهَا. فَقَالَ:"ابْعَثْهَا قِيَامًا مُقَيَّدَةً، سُنَّةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم"(3).
قوله: "قَالَ: رَأَيتُ": الرّؤيَة بَصَريّة؛ فتكُون جملَة "أتَى على رَجُل" في محلّ حَال مِن "ابن عُمَر"(4). ومفعُولُ "رَأى": "ابن عُمَر". وتعَدّى "أتَى" بـ "على"؛ لأنّه تضَمّن مَعْنى "مَرّ"(5). وجملةُ "أنَاخَ [بَدَنته"] (6) في مَوْضِع صِفَة لـ "رَجُل".
قوله: "فنَحَرَهَا": يحتمل أنْ يُريد: "فأَرَاد نَحْرَهَا"، كقوله تعالى:{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ} (7)[النحل: 98]، وقوله:{وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا} [الأعراف: 4]، أي:"أرَدْنَا إهْلاكَهَا". (8)
ويحتمل انْ يكُون مَع الرّجُل بُدْنًا غيرها؛ لأنّه قَال: "ابْعَثْهَا قِيَامًا مُقيَّدَة"؛ فأمَرَه
(1) انظر: التبيان في إعراب القرآن (1/ 105).
(2)
في "صَحيح البُخَاري" ونُسَخ "العُمْدة": "قد أناخ". وانظر: صَحيح البخاري (1713)، والعُمدة (ط الثقافة، ص 166)، والعُمدة (ط المعارف، ص 119).
(3)
رواه البخاري (1713) في الحج، ومسلم (1320) في الحج.
(4)
بالنسخ: "رَسُول الله".
(5)
راجع: البحر المحيط (8/ 218).
(6)
بالنسخ: "بَدَنَة".
(7)
بالنسخ: "وإذا".
(8)
انظر: البحر المحيط (4/ 187)، (5/ 11)، إحكام الأحكام (1/ 129).
فيها بالسُّنة. ويحتمل أنْ يكُون الأمرُ لغَير الرّجُل؛ تعريفًا بالسُّنة، بمَعنى:"ابعثُوها قَائِمَة".
"بَعْثُ الدّابّة": إثارَتها. و"بَعثُ الموتَى": نَشْرهُم. ومِنْه: "فَبَعَثْنَا البَعِيرَ"(1). (2)
قوله: "قِيَامًا": حَالٌ مِن ضَمير المفْعُول، وهَذا يدُلُّ على أنّه أرَاد جماعَة بُدْن، وهي حَالٌ مُقَدّرَة؛ لأنّها إذا كَانَت "قَائِمَة" فقَد "انبَعَثَت". ويحتمل أنْ يكون "ابعَثْهَا" بمَعنى:"حثّهَا على القِيَام".
و"مُقيَّدَة": حَالٌ بعْد حَال - إنْ قُلنَا بتعَدّد الحَال - أو حَال مِن الضّمير في "قِيَامًا"؛ فتكُون الحَالُ مُتدَاخِلَة.
و"قِيَامًا": جمعُ "قَائِم". ويحتمل أنْ يكُون مَصْدَر "قَام"، أي:"ابعَثها قِيامًا" بمَعنى "أقمها قِيامًا"، مِن مَعنى "ابعثها"، مثل:"قَعَدتُ جُلوسًا"(3)، أو يُقدّر:"ابعَثْهَا فتَقُوم قِيَامًا".
قوله: "سُنّة محمّد صلى الله عليه وسلم": هو مَرفُوع، أي:"هَذه سُنّة محمّد صلى الله عليه وسلم". أو يكُون منصُوبًا بتقدير: "الزَمُوا سُنّة محمّد"؛ فيكُون من باب "الإغراء"، وقَد تقَدّم الكَلامُ على "الإغراء" في الثّامِن مِن أوّل الكُتَاب.
و"مُقَيَّدَة": اسمُ مفْعُول، مِن "قَيّد""يُقَيّد". (4)
***
(1) مُتفقٌ عليه: البخاري (334) ومسلم (367/ 108)، من حديث عائشة.
(2)
انظر: لسان العرب لابن منظور (2/ 117)، القاموس المحيط (ص 165)، تاج العروس للزبيدي (5/ 169).
(3)
انظر: شرح المفصل (1/ 274، 276)، شرح القطر (ص 224)، مغني اللبيب (ص 729)، شرح ابن عقيل (2/ 173)، شرح التصريح (1/ 695)، الهمع (2/ 99).
(4)
انظر: النهاية (4/ 130)، لسان العرب (3/ 372).